سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

الذهبان

عندما عاد كريستوفر كولومبوس من رحلته الأولى في اكتشاف أميركا، عرض الغنائم التي جاء بها في أسواق إشبيلية، وتجمّعت الناس بالمئات يبتهجون برؤية الببغاوات الملونة والحيوانات الغريبة والنباتات الغريبة أيضاً والثمار التي لم يروها من قبل، والتي سرعان ما سوف تنتشر في أوروبا كلها، والأهم من ذلك كلّه التبغ وجوز الهند. وكانت الجماهير تهتف وتهلل وتصفّق لمرأى هذه الأشياء، غير أن الملك والملكة اللذّين جاءا لحضور هذا العرض الملوّن توقفا طويلاً عند مشهد الصناديق المليئة بالذهب. ولم يعد كولومبوس بكثير منها، بل ببضع سبائك صغيرة وحفناتٍ من الذّرة الصفراء. وعلى نحوٍ ما، شعر الزوج الملكي بالخيبة. فقد كان من المفترض أن يكتشف كولومبوس «الهند الجديدة» من أجل الذهب، وليس من أجل الطيور. وسوف يفعل ذلك في الرحلة التالية التي لم يبق أحدٌ إلا وأراد الانضمام إليها: فقراء ومغامرون وسجناء وعابثون يريدون جميعاً العثور على الثروة في ذلك العالم المجهول الذي سوف يُعرف لاحقاً باسم أميركا، لأن كولومبوس حلَّ خطأ في العالم الجديد، فيما يخيّل إليه أنه وصل إلى الهند.
وعندما تفجّر النفط للمرة الأولى في ولاية تكساس، منتصف القرن التاسع عشر، سارع الجميع إلى وصفه بالذهب الأسود. ومنذ ذلك الوقت، سار الذهبان مترافقين في هذا العالم، كلاهما علامة من علامات الثروة والضمان المالي. وعندما يخيّم شبح الحرب في أي منطقة من العالم، يرتفع في وقتٍ واحد سعر الذهب الذهبي والذهب الأسود. هكذا حصل فور انتشار نبأ مقتل سليماني في العراق. فقد خاف الناس حول العالم أن تشتعل حربٌ كبرى، بل تحدّث بعضهم عن حربٍ عالمية ثالثة. وتساقطت أسعار الأسهم في كل مكان، فيما لجأ المستثمرون، في كل مكانٍ أيضاً، إلى شراء الذهب والنفط.
منذ اكتشاف كولومبوس لبلاد الذهب، ومن ثم ظهور النفط ذهباً موازياً، ورحلة الذهبين لا تتغير. أحياناً، يهوي سعر هذا وسعر ذاك إلى درجاتٍ مخيفة وغير متوقعة، وغالباً لسبب واحد عند كليهما، وهو تضخّم الفائض. ثم فجأة يرتفع السعران من جديد، أيضاً لأسبابٍ متشابهة، أهمها الأزمات العالمية والنقص في الإنتاج.
سألت ذات مرة صديقاً سعودياً من خبراء الاقتصاد: ما الاستثمار الأكثر ضمانة؟ فقال إنه لم يتعاطَ طوال حياته إلا بالنفط. لم أعلّق بشيء، لكنني استغربت رأيه فيما كان النفط في الحضيض يراوح سعر البرميل بين 20 و25 دولاراً. وقد التقيته قبل أسابيع والنفط يتمادى في الارتفاع، واعترفت له بأنني أسأت الظنّ في نظريّته الاقتصادية. والدليل أنه يربح باستمرار، ويحصل معي العكس تماماً.