حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

ولاذ بالفرار!

لم أتمالك نفسي من الابتسام وأنا أقرأ خبراً في صحيفة «لوموند» الفرنسية العريقة، مفاده أن رجل الأعمال اللبناني الفرنسي البرازيلي الهارب من العدالة في اليابان كارلوس غصن، قد أبرم اتفاقاً مع قناة الترفيه والأفلام الأميركية «نتفليكس» لتقديم «قصته» بحسب وجهة نظره الشخصية قبل أن يحكيها «الآخرون».
تذكرت بعدها الفيلم السينمائي الشهير «قضية توماس كراون»، بطولة ستيف ماكوين، الذي قدم على الشاشة نموذج اللص الأنيق والجذاب من أصحاب الياقات البيضاء، وكانت أول مرة يلوذ اللص فاراً بما سرق، ومن دون أن تطاله قبضة العدالة، كعادة الأفلام السينمائية قبلها. وطبعاً تلت ذلك موجة تمجيد الجريمة بأفلام مختلفة، لعل أشهرها «العراب»، أو ما يطلق عليه «الأب الروحي».
أجد خطورة شديدة في طريقة تقديم كارلوس غصن للجمهور العربي، من شريحة واسعة من المثقفين، بوصفه بأنه «بطل وقبضاي»، و«منو قليل وحربوق»، و«أسطورة»، فهو يكرس فكرة الخروج عن العدالة، وعلاج كل المشكلات بأساليب فاسدة، في منطقة تعاني أساساً من السمعة السلبية في هذا المجال.
ليست قضية «نيسان» هي القضية الأولى في فضائح الشركات اليابانية، والقضاء الياباني كانت له مواقف حاسمة في كثير منها، بداية من فضيحة الرشوة المقدمة من شركة «لوكهيد مارتن» الأميركية، والتي أطاحت برئيس الوزراء وقتها تاناكا، وصولاً إلى الفضائح الأخيرة الكبرى والمتتالية التي طالت رؤساء ومديري كبرى الشركات، مثل «توشيبا»، و«كوبي» للحديد، و«تاكاتا» المصنعة لوسادات الأمان الهوائية بالسيارات، وشركة «أوليمبوس»، كلهم تمت مقاضاتهم بحسم وفعالية.
ليس كارلوس غصن هو الأجنبي الأول ولا الوحيد الذي ترأس شركة في اليابان، فهناك أمثلة أخرى مهمة، مثل الأميركي البريطاني هوارد سترينجر الذي ترأس «سوني» للإلكترونيات، وكريستوف ويبر الفرنسي الذي يرأس «تاكيدا» للأدوية، وهناك الأميركي كريغ تايلور الذي يترأس «نبون» للزجاج المسطح، وهناك الصيني لييو يوييان الذي يترأس شركة «لاوكس» لتجزئة الإلكترونيات المنزلية، والأميركي براين برنس الذي يترأس بنك «أزورا»، والتايوانية إيفاشن التي تترأس «ترند مايكرو».
هرب كارلوس غصن بهذه الطريقة التي أشرفت على تنفيذها عناصر مرتزقة بشبكة فساد، اخترقت اليابان وفرنسا وتركيا ولبنان، يضيف إلى الشكوك بحق الرجل الذي «أقر» سابقاً بتجاوزات مالية، وحسمها «ودياً» مع شركة «رينو»، وبالتالي فإن الرجل لديه سابقة، وهي جزء من الأدلة المجمعة ضده، ومن ضمنها - كما يتردد في وسائل الإعلام - علاقة زوجته ببعض «القرارات» و«التوجيهات» المالية، مما جعل القضاء الياباني يقنن التواصل بينهما من باب الحذر والحيطة، وقد كان حدساً صادقاً كما تبين لاحقاً، عندما اتضح أن زوجته هي من نظم الهروب الكبير من اليابان.
صحيح أن صحيفة «الفيغارو» الفرنسية، وهي المحسوبة على اليمين وعلى قطاع الأعمال، وكانت «صديقة وداعمة» لكارلوس غصن، وصفت ما حدث له في اليابان «بالفخ»، ولكن هناك أيضاً «النيويورك تايمز» و«الفايننشيال تايمز» اللتين وصفتا الرجل بأنه تجاوز صلاحياته بتصرفات خاطئة، واستفاد من المناصب لأسباب شخصية وغير سليمة، والأخيرة وصفت ما حصل له بـ«السقوط المذل».
كان إريك رولو، الدبلوماسي المخضرم، ورئيس تحرير صحيفة «لوموند» الفرنسية العريقة، يقول: «(لوموند) صحيفة مؤثرة، و(الفيغارو) صحيفة متأثرة».
كارلوس غصن ليس روبن هود.. هو مطلوب قضائياً بالإنتربول، ولا يجب نسيان ذلك.