نجيب صعب
الأمين العام للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) ورئيس تحرير مجلة «البيئة والتنمية»
TT

إستراتيجية للطاقة يصنعها الحوار

بينما تعاني معظم البلدان العربية عجزاً في إنتاج الكهرباء، يواجه الأردن مشكلة من نوع آخر، هي امتلاكه قدرة إنتاجية تفوق احتياجاته. ذلك أنه سنّ مجموعة من القوانين خلال السنوات العشر الأخيرة اجتذبت الاستثمارات إلى قطاع الطاقة المتجددة، خاصّة الشمس والرياح. والتزم بالوصول إلى إنتاج نصف الكهرباء من الطاقة المتجددة بحلول سنة 2020.
حصل الانتقال الأضخم نحو الطاقة المتجددة خلال فترة انقطاع ضخ الغاز من مصر عبر سيناء عام 2011. لكن الوضع تغيّر كلياً السنة الماضية، مع عودة الغاز المصري وتوقيع اتفاق طويل الأمد مع شركة أميركية لشراء الغاز من حقل في البحر المتوسط يقع مقابل الشاطئ الإسرائيلي.
خلال سنوات انقطاع إمدادات الغاز المصري، اضطر الأردن إلى استيراد الغاز المسيّل والنفط بأسعار مرتفعة، مما رتّب خسائر وديوناً على شركة الكهرباء تجاوزت قيمتها سبعة مليارات دولار. ومع فائض القدرة الإنتاجية، وضعت الحكومة قيوداً على إنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة، فأوقفت منح التراخيص للمشاريع التي تتجاوز قدرتها واحد ميغاواط، أي ما يكفي لمدرسة أو مصنع متوسّط أو مجمّع سكني، لكنه يستثني محطات الشمس والرياح الكبيرة.
الخلاف في وجهات النظر حول هذه القضية لا يزال عميقاً. فمؤيدو الطاقة المتجددة، من رجال أعمال ومجموعات بيئية، يرون أن حلّ مشكلة الفائض في القدرة الإنتاجية يكون في تخفيض إنتاج الكهرباء من الغاز، بدلاً من وضع قيود على الطاقة المتجددة. فهذه ليست أنظف وأفضل للبيئة فقط، بل هي أيضاً أرخص من المصادر التقليدية. لكن الحكومة، التي التزمت بشراء الغاز لفترة تصل إلى 20 سنة، ترى أنه لا يمكنها التراجع عن الاتفاقات الملزمة، عدا عن إعطاء شركة الكهرباء فرصة للإنتاج بالوقود التقليدي، لكي تتمكن من البيع بأسعار ملائمة تحقق دخلاً يساعد في تسديد ديونها.
الجانب الإيجابي أن النقاش ما برح قائماً بين الطرفين، سعياً للوصول إلى استراتيجية عملية، تجمع بين الالتزامات الحكومية والقيود الاقتصادية والحقائق البيئية. هذا كان موضوع لقاء نظمته في عمّان جمعية «إدامة» للطاقة والمياه والبيئة، مع وزيرة الطاقة والثروة المعدنية هالة زواتي. الجمعية، التي تضم بعض أبرز قادة الأعمال في الأردن، قدّمت ورقة تعرض فيها وجهة نظرها الداعمة للطاقة المتجددة. تدعو «إدامة» إلى توسيع حصة المصادر المحلية في خليط الطاقة. ولما كان الأردن لا يمتلك مخزونات محلية تُذكر من النفط والفحم، فالخيار الطبيعي لتوطين مصادر الطاقة هو الاعتماد على الشمس والرياح. ولزيادة حصة المصادر المتجددة من مجموع استهلاك الطاقة، تدعو الورقة إلى زيادة الاعتماد على الكهرباء من مجمل خليط الطاقة، أي تحويل أجهزة التدفئة والطباخات من العمل على الديزل أو الغاز إلى الكهرباء. كما تدعو إلى تعزيز كفاءة استخدام الطاقة والحدّ من الهدر.
الوزيرة أكّدت استمرار الحكومة في دعم الطاقة المتجددة، ولكن ضمن ضوابط، لأن شبكة النقل الكهربائي الحالية لا تتحمل قدرة أكبر. وإلى محطات الطاقة المتجددة المركزية، تتلقى الشبكة حالياً فائض الإنتاج من نحو 14.500 «منتج ذاتيّ» للكهرباء، سواءٌ أكان هؤلاء منازل أم مؤسّسات وضعت لاقطات شمسية فوق سطوحها. وكل هذا يتطلّب جهداً تقنياً وحسابياً مضاعفاً للفصل بين الإنتاج الذاتي واستخدام الشبكة العامة، حين لا تسمح ظروف الطقس بتوليد كميات كهرباء كافية من الشمس والرياح. وفي حين وصفت الوزيرة الطاقة المتجددة بالعامل «المعرقل» لشبكة الكهرباء التقليدية، اعتبر مؤيدو الطاقة المتجددة أن الإصرار على إعطاء الأولوية للوقود الأحفوري في إنتاج الكهرباء هو ما يعرقل التقدّم نحو المستقبل ويكبّد البلد خسائر اقتصادية وبيئية فادحة.
وإذ أوردت الوزيرة أرقاماً عن أن الأردن ما برح مركزاً إقليمياً متقدماً في استثمارات الطاقة المتجددة، رغم القيود، تخوّف المجتمعون من التراجع السريع حين تعطي القيود مفعولها مع انتهاء تنفيذ المشاريع المستمرة من الفترة السابقة.
في الأردن الآن ما يزيد على 500 شركة تعمل في مجال الطاقة المتجددة، تشغّل أكثر من 7 آلاف موظف، وتؤمّن أضعاف هذا العدد من فرص العمل في نشاطات مساعدة. وقد وصل سعر الكهرباء المنتجة من المصادر المتجددة في الأردن خلال السنتين الأخيرتين إلى أدنى من الكهرباء التقليدية بنحو 10 في المائة. وتجاوزت الاستثمارات في مشاريع الطاقة المتجددة 4 مليارات دولار، معظمها من الخارج، في فترة واجه خلالها الأردن صعوبة في استقطاب رؤوس الأموال وخلق فرص عمل جديدة في قطاعات أخرى. وبينما وقود الطاقة المتجددة، أكان من الشمس أو الرياح، مجاني، فالغاز المستخدم لإنتاج الكهرباء مستورد، مما يقتضي تحويل ثمنه إلى الخارج بالعملة الصعبة.
كان هناك إجماع على ضرورة إعادة تطبيق الإعفاءات على السيارات الكهربائية، التي قد يشكل توسيع انتشارها حلاّ لاستخدام فائض قدرة إنتاج الكهرباء على نحو نافع ومفيد للاقتصاد والبيئة معاً. كما يمكن استخدام بطارياتها لتخزين الكهرباء نهاراً واستخدامها ليلاً. وأكثر من هذا، ما هي فرص تصريف فائض الكهرباء، من جميع المصادر، من خلال اتفاقات للربط الكهربائي الإقليمي؟
بهذه الحجج، واجه رجال الأعمال المطالبون بتعزيز حصة الطاقة المتجددة وزيرة الطاقة. هم لا يطالبون بإلغاء مصادر الطاقة التقليدية في إنتاج الكهرباء، لكنهم يريدون تعزيز حصة الشمس والرياح في مزيج الطاقة. كما أن الوزيرة لا تريد إلغاء الطاقة المتجددة، بل تسعى إلى تعزيز حصّة الغاز، الذي أمّنت الاتفاقات الطويلة الأمد فائضاً منه.
الحوار مستمر، وكل طرف يستمع إلى الآخر. فهل يكون هذا بداية حل يلتقي فيه الطرفان في منتصف الطريق؟
* الأمين العام للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد)
رئيس تحرير مجلة «البيئة والتنمية»