السحر المنتهك للكلمة المطبوعة

نشر الكتب بات متاحاً أمام جحافل جرارة من الأدعياء وعديمي المواهب

من دورة معرض بيروت للكتاب 2018
من دورة معرض بيروت للكتاب 2018
TT

السحر المنتهك للكلمة المطبوعة

من دورة معرض بيروت للكتاب 2018
من دورة معرض بيروت للكتاب 2018

لا تفرض الكلمة المطبوعة سحرها وتأثيرها العميق على قارئها وحده، بل على كاتبها أيضاً. وهو سحر لا تمتلكه النصوص المكتوبة بخط أصحابها، أو تلك التي تقبع في ظلمة الأدراج. فالمقالة التي نكتبها تظل بالنسبة لنا عملاً شخصياً أو ناقص الحضور أو مشكوكاً بقيمته الفعلية، حتى إذا استوى حضورها في صحيفة أو مجلة دورية، تكتسب مكانة لم تكن لها من قبل، بحيث نشرع في قراءتها من جديد وكأنها نص آخر غير الذي سبق وكتبناه. كأن المسافة بين الكتابة والنشر تتيح لنا أن ننفصل عن الكاتب الذي كناه، لننتقل في الضوء الخالص إلى خانة القراء، أو لنصبح نقاداً شديدي المراس لما اقترفناه في اللحظات المعتمة للكتابة. كما أن المقالة التي تنشر في صحيفة أو عمل مطبوع تتكفل بنقل التجربة من عهدة الكاتب الفرد إلى عهدة الجماعة، وتمكّنه من تعقب أصدائها المتفاوتة في نفوس الآخرين، سواء تم ذلك عن طريق التعليق الشفهي أو المقالة النقدية المنشورة.
إن رؤية النص مطبوعاً في صحيفة أو مجلة يولّد عند صاحبه شعوراً باللذة متصلاً بنرجسية الكتّاب ورغبتهم في تحقيق ذواتهم عبر مجال الآخرين الحيوي، الذي تتسع حلقاته من الجماعة الأهلية الضيقة إلى آخر ما تسمح به حدود اللغة وبقع انتشارها. ولعل هذه اللذة تكون عند ذراها القصوى لدى الناشئة والكتاب اليافعين الذين يتتبعون بعيون ذاهلة أسماءهم المطبوعة على الورق، ويشعرون بأنهم يخرجون من خانة العزلة والنسيان، ليضعوا أقدامهم على طريق الشهرة والمجد. ورغم أن مثل هذه المشاعر تفقد بفعل العادة والتكرار حرارتها الأولى، إلا أنها لا تضمحل تماماً، لأن في كل نص منشور ما يُشعر صاحبه بالرضا عن النفس، وما يثبّت هويته الشخصية ويُبعد عنه شبح الإحساس بالعقم التعبيري أو «السكتة» الإبداعية. ولم يكن الكاتب والناقد اللبناني الراحل محمد دكروب مجافياً للحقيقة حين صرح في أحد مقالاته بأن اللحظة التي وقعت فيها عيناه على أول مقالة له منشورة في صحيفة، كانت أسعد لحظات حياته. على أن صاحب «جذور السنديانة الحمراء»، وهو الكاتب المعروف بصدقه وحسه الساخر، ما يلبث أن يضيف بأنه، وبعد ستين عاماً من الكتابة، لا يزال يشعر بالسعادة نفسها لدى قراءة اسمه متصدراً مقالة له في صحيفة أو مجلة ثقافية.
وإذا كان محمد دكروب يعبر مواربة عن نرجسية الكاتب الذي يحب أن يرى اسمه معكوساً في مياه النص، فإن من الضرورة بمكان الإقرار بأن شعور الكاتب بالمتعة أو الزهو يقابله شعور آخر بالتوجس والخوف من عدم قدرة النص على الدفاع عن نفسه، بعد أن بات عاجزاً عن استرداده، وبعد أن بات هذا الأخير وحيداً وأعزل إزاء سهام النقد وتحديات الزمن. وإذا كان هذا الشعور يلازم الكاتب لدى نشر مقالاته وقصائده في الصحف والدوريات، فإنه يصبح مضاعفاً لدى إصداره للمجموعات الشعرية وغيرها من الأعمال الأدبية والإبداعية. والسبب في ذلك يعود إلى أن الكثيرين يعتبرون ما ينشرونه في الصحف والمجلات نصوصاً غير نهائية، أو نصوصاً قابلة للتنقيح والتعديل. وحيث هي معرضة بنسبة عالية للتلف والإهمال، فإن ما ترتبه على الكاتب من مسؤولية هو أقل بكثير مما يرتبه الكتاب الذي تصبح العودة عنه متعذرة، أو شديدة التعقيد، بعد أن يأخذ مكانه فوق رفوف المكتبات. فالكتاب حين يصدر يفلت من يد كاتبه، كما تفلت الرصاصة من يد مُطْلقها. ولأن الكتابة رديفة للنقصان، وعدم الاكتمال، فإن كتّاباً كثيرين لا يستطيعون قراءة أعمالهم الأدبية بعد صدورها في كتب ومجموعات مستقلة. ليس فقط لأنهم يحاولون إغماض أعينهم عن الأخطاء اللغوية أو المطبعية التي قد تصيب العمل في حال حدوثها بأعطاب غير محسوبة، بل لأنهم يعيشون حالة من النرجسية المقلوبة التي تجعلهم يخشون من «ضبط» أنفسهم متلبسين بأعمال «مثقوبة» ومليئة بالفجوات. ولعل شعور بعض الكتاب بالتسرع في إصدار بواكيرهم هو الذي يدفع بهم إلى التنصل لاحقاً من هذه البواكير، وصولاً إلى إسقاطها من أعمالهم الكاملة بحجة ركاكتها وسطحيتها وافتقارها إلى النضج. فيما لا يكف البعض الآخر عن إعادة النظر فيما تم نشره من الأعمال وإصدارها في طبعات «مزيدة ومنقحة»، اعترافاً منهم بأن حالات الإلهام والكشف لا تفضي بالضرورة إلى كمال النص الأدبي ونهائيته، بل إن هذا النص يظل قابلاً على الدوام للتطوير والتنقيح وإعادة الكتابة.
على أن الأمور لم تعد على حالها في السنوات الأخيرة، فلم يعد للكلمة المطبوعة، بخاصة في العالم العربي، سحرها القديم والهالة التي عرفتها من قبل. ذلك أن نشر الكتب بات متاحاً أمام جحافل جرارة من الأدعياء وعديمي المواهب ومنتحلي الصفة. وقد يفرح المرء للوهلة الأولى حين يرى أجنحة دور النشر تغصّ في معارض الكتب بعشرات الإصدارات الجديدة التي تشير أغلفتها إلى أجناس أدبية موزعة بين الشعر والرواية والمسرح والقصة القصيرة، فيما نكتشف عند قراءتها أنها لا تنتمي لغير الغثاثة والضحالة الإبداعية والمعرفية. وإذا كان المؤلفون المفتونون بمواهبهم، واللاهثون خلف ما يسبق أسماءهم من ألقاب أدبية مختلفة، يتحملون جزءاً من المسؤولية عما لحق بسوق النشر العربي من تسيب وفوضى عارمين، فإن معظم دور النشر، ولا أقول كلها، تضطلع من جهتها بقسط غير قليل من المسؤولية عما يحدث. فالقلة القليلة من هذه الدور هي التي تلتزم بمعايير الجودة والتميز فيما تصدره من كتب، وتحتكم إلى لجان متخصصة للفصل في مستوى المخطوطات التي تصلها، بينما لا تأبه الكثرة الكاثرة إلا لما يُظهره المؤلفون لقاء نشر أعمالهم الرثة من سخاء مادي. صحيح أن الكتاب هو من زاوية ما سلعة من السلع، ولكن الصحيح أيضاً أنه سلعة نبيلة وغير عادية، وأن تجارة الكتب لا تخضع لمعايير الربح والخسارة فحسب، بل لمعايير الجودة والقيمة المعرفية والإثراء الجمالي للروح، في الوقت ذاته. وما يدل على الواقع البائس لقطاع النشر هو كون الكثير من الناشرين الجدد لا تربطهم بالإبداع أي صلة تذكر، حتى أن بعضهم لا يفقه شيئاً عن الكتب التي ينشرها، في حين أن مؤسسي دور النشر العريقة في الدائرتين العالمية والعربية، هم إما منتجون للإبداع أو متذوقون له. ولأن المؤلفات القيّمة قد باتت عملة صعبة ونادرة في عالمنا الراهن، ولأن الحياة أقصر من جبال الكتب المكدسة في المعارض والمكتبات العامة، فإن أفضل الأصدقاء هم أولئك الذين يرشدوننا إلى كتاب جيد لم نكتشفه بعد، أو يحثوننا على قراءته.



قضية ابنة شيرين عبد الوهاب تجدد الحديث عن «الابتزاز الإلكتروني»

شيرين وابنتها هنا (إكس)
شيرين وابنتها هنا (إكس)
TT

قضية ابنة شيرين عبد الوهاب تجدد الحديث عن «الابتزاز الإلكتروني»

شيرين وابنتها هنا (إكس)
شيرين وابنتها هنا (إكس)

جدد الحكم القضائي الصادر في مصر ضد شاب بتهمة ابتزاز وتهديد الطفلة «هنا»، ابنة الفنانة المصرية شيرين عبد الوهاب، الحديث عن «الابتزاز الإلكتروني» عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وسبب انتشاره بكثافة، ومدى المخاطر التي يحملها، لا سيما ضد المراهقات.

وقضت محكمة جنايات المنصورة بالحبس المشدد 3 سنوات على المتهم، وهو طالب بكلية الهندسة، بعد ثبوت إدانته في ممارسة الابتزاز ضد ابنة شيرين، إثر نجاحه في الحصول على صور ومقاطع فيديو وتهديده لها بنشرها عبر موقع «تيك توك»، إذا لم تدفع له مبالغ مالية كبيرة.

وتصدرت الأزمة اهتمام مواقع «السوشيال ميديا»، وتصدر اسم شيرين «الترند» على «إكس» و«غوغل» في مصر، الجمعة، وأبرزت المواقع عدة عوامل جعلت القضية مصدر اهتمام ومؤشر خطر، أبرزها حداثة سن الضحية «هنا»، فهي لم تتجاوز 12 عاماً، فضلاً عن تفكيرها في الانتحار، وهو ما يظهر فداحة الأثر النفسي المدمر على ضحايا الابتزاز حين يجدون أنفسهم معرضين للفضيحة، ولا يمتلكون الخبرة الكافية في التعامل مع الموقف.

وعدّ الناقد الفني، طارق الشناوي، رد فعل الفنانة شيرين عبد الوهاب حين أصرت على مقاضاة المتهم باستهداف ابنتها بمثابة «موقف رائع تستحق التحية عليه؛ لأنه اتسم بالقوة وعدم الخوف مما يسمى نظرة المجتمع أو كلام الناس، وهو ما يعتمد عليه الجناة في مثل تلك الجرائم».

مشيراً لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «أبناء المشاهير يدفعون أحياناً ثمن شهرة ومواقف ذويهم، مثلما حدث مع الفنانة منى زكي حين تلقت ابنتها حملة شتائم ضمن الهجوم على دورها في فيلم (أصحاب ولاّ أعز) الذي تسبب في موجة من الجدل».

وتعود بداية قضية ابنة شيرين عبد الوهاب إلى مايو (أيار) 2023، عقب استدعاء المسؤولين في مدرسة «هنا»، لولي أمرها وهو والدها الموزع الموسيقي محمد مصطفى، طليق شيرين، حيث أبلغته الاختصاصية الاجتماعية أن «ابنته تمر بظروف نفسية سيئة للغاية حتى أنها تفكر في الانتحار بسبب تعرضها للابتزاز على يد أحد الأشخاص».

ولم تتردد شيرين عبد الوهاب في إبلاغ السلطات المختصة، وتبين أن المتهم (19 عاماً) مقيم بمدينة المنصورة، وطالب بكلية الهندسة، ويستخدم حساباً مجهولاً على تطبيق «تيك توك».

شيرين وابنتيها هنا ومريم (إكس)

وأكد الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع، أن «الوعي لدى الفتيات والنساء هو كلمة السر في التصدي لتلك الجرائم التي كثُرت مؤخراً؛ نتيجة الثقة الزائدة في أشخاص لا نعرفهم بالقدر الكافي، ونمنحهم صوراً ومقاطع فيديو خاصة أثناء فترات الارتباط العاطفي على سبيل المثال»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «كثيراً من الأشخاص لديهم وجه آخر صادم يتسم بالمرض النفسي أو الجشع والرغبة في الإيذاء ولا يتقبل تعرضه للرفض فينقلب إلى النقيض ويمارس الابتزاز بكل صفاقة مستخدماً ما سبق وحصل عليه».

فيما يعرّف أستاذ كشف الجريمة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بمصر، الدكتور فتحي قناوي، الابتزاز الإلكتروني بوصفه «استخدام التكنولوجيا الحديثة لتهديد وترهيب ضحية ما، بنشر صور لها أو مواد مصورة تخصها أو تسريب معلومات سرية تنتهك خصوصيتها، مقابل دفع مبالغ مالية أو استغلال الضحية للقيام بأعمال غير مشروعة لصالح المبتزين».

ويضيف في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «مرتكب الابتزاز الإلكتروني يعتمد على حسن نية الضحية وتساهلها في منح بياناتها الخاصة ومعلوماتها الشخصية للآخرين، كما أنه قد يعتمد على قلة وعيها، وعدم درايتها بالحد الأدنى من إجراءات الأمان والسلامة الإلكترونية مثل عدم إفشاء كلمة السر أو عدم جعل الهاتف الجوال متصلاً بالإنترنت 24 ساعة في كل الأماكن، وغيرها من إجراءات السلامة».

مشدداً على «أهمية دور الأسرة والمؤسسات الاجتماعية والتعليمية والإعلامية المختلفة في التنبيه إلى مخاطر الابتزاز، ومواجهة هذه الظاهرة بقوة لتفادي آثارها السلبية على المجتمع، سواء في أوساط المشاهير أو غيرهم».