إحباط أممي من نتائج قمة المناخ الـ25

لم يكن بالإمكان أكثر مما كان. هذه كانت خلاصة قمّة المناخ الخامسة والعشرين التي أنهت أعمالها، ظهر أمس (الأحد)، في العاصمة الإسبانية، بعد يوم ونصف اليوم من التأخير عن الموعد الذي كان مقرراً لنهايتها مساء الجمعة الماضي.
ورغم الجهود الحثيثة التي بذلتها الرئاسة التشيلية للمؤتمر، والدولة المضيفة في الساعات الأخيرة، لم يتوصّل المفاوضون سوى إلى اتفاق حول نداء ضعيف موجّه إلى الدول الأطراف في اتفاقية المناخ لبذل جهود أكثر طموحاً لخفض الانبعاثات الغازية، واضطرّوا لتأجيل تنفيذ المادة السادسة من «اتفاق باريس»، التي تتناول أسواق ثاني أكسيد الكربون، بسبب تعذّر التوصّل إلى توافق بشأنها، على أن يناقش في القمة المقبلة التي ستنعقد في غلاسكو أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام المقبل.
وكان القاسم المشترك الوحيد بين المداخلات الختامية التي أدلَتْ بها الوفود في نهاية المؤتمر، هو الإعراب عن «الخيبة» لعدم التمكّن من تجاوز هذه العقبة بعد أسبوعين من المفاوضات، ما يؤكد مرة أخرى على أن النظام الدولي المتعدد الأطراف الذي يترنّح منذ فترة، لا يفوّت فرصة إلا ويرسّخ فيها الإحباط المتنامي من عقمه في مواجهات الأزمات الدولية التي تستدعي مضافرة الجهود لمعالجتها. وأخذ الأمين العام للأمم المتحدة إلى «تويتر» للتعبير عن إحباطه من نتائج القمة. وقال: «أشعر بخيبة أمل من نتائج قمة (كوب 25). خسر المجتمع الدولي فرصة مهمة لإظهار طموح أكبر للتخفيف والتكيف، وتمويل جهود معالجة أزمة المناخ. لكن يجب ألا نستسلم، ولن أستسلم».
صحيح أن المناخ الدولي السائد، من الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، أدّى إلى انسحاب هذه الأخيرة من «اتفاق باريس»، وخشية الدول الصناعية الناشئة الخروج خاسرة من الصفقة المناخية العالمية، لم يكن يدعو إلى التفاؤل، لكن هذه النتيجة الضحلة التي توصّلت إليها الدول الأطراف في نهاية مفاوضات طويلة، وأمام قرائن علمية دامغة على المخاطر الكارثية التي تنتظر العالم جراء الأزمة المناخية، توسّع الهوّة القائمة بين الحكومات واستعدادها لمعالجة هذه الأزمة من جهة، وما يطالب به الرأي العام والجهات العلمية لمنع وقوع الكارثة المناخية.
وتكفي قراءة سريعة للوثائق الختامية التي أسفرت عنها هذه القمة، للخروج بانطباع يوحي بأن الحكومات التي أمضت أسبوعين تتفاوض حول هذه المسألة المصيرية، كانت معزولة داخل غرفة مصفّحة لا تصل إليها أصوات المطالب الشعبية والحجج العلمية التي تنذر بعواقب وخيمة، في حال عدم الإسراع باتخاذ التدابير اللازمة لوقف الانهيار المناخي.
أصوات كتلك ردَّدَها الخبراء والمسؤولون عن الوكالات المتخصصة بأن العام الحالي سيحطّم كل الأرقام القياسية من حيث ارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية، وأن الانبعاثات الصناعية من غاز الكربون، التي تُعتبَر السبب الرئيسي في ظاهرة الدفيئة، ستسجّل هي أيضا رقماً قياسياً تاريخياً رغم كل الوعود التي قطعتها الدول الأطراف عند توقيع اتفاق باريس عام 2017. وأصوات أيضاً كتلك التي كان يصدح بها الناشطون الشباب في كل أنحاء العالم، مطالبين بالتحرّك السريع لمعالجة الأزمة، ومعربين عن خيبتهم وإحباطهم من عدم ارتقاء الأداء الحكومي إلى المستوى المطلوب لمعالجتها.
ثمّة موضوعان رئيسيّان كانا يقتضيان الاتفاق حولهما في هذه القمّة المعقّدة، التي تقرّر عقدها في مدريد في اللحظة الأخيرة، بعد أن اعتذرت تشيلي عن استضافتها بسبب الاضطرابات الشعبية. الأول سياسي، ويقتضي من الدول الموقّعة على «اتفاق باريس» تقديم خطط أكثر طموحاً للحد من الانبعاثات الغازية، لأن الخطط الراهنة ليست كافية. وقد وافقت 84 دولة على تقديم مثل هذه الخطط للعام المقبل، من بينها ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة وإسبانيا، فيما تمنّعت الولايات المتحدة والصين والهند وروسيا التي تتسبب مجتمعة في 55 في المائة من انبعاثات الغاز العالمية.
والثاني تقني لتنظيم أسواق ثاني أكسيد الكربون بما يتيح للدول والمؤسسات تعويض انبعاثاتها الصناعية عن طريق شراء «حصص مناخية» من الدول التي تساهم في تنظيف البيئة.
ويفترض بالدول الموقعة على اتفاق باريس أن تقدم خططاً لخفض الانبعاثات، بحيث لا يتجاوز ارتفاع درجة حرارة الأرض المستوى السابق للحقبة الصناعية، لكن الأمم المتحدة حذّرت من أن الخطط الراهنة ليست كافية، وأنه لا بد من مضاعفة الجهود الحالية خمسة أضعاف للعودة إلى المستويات السابقة للحقبة الصناعية، أو ثلاثة أضعاف لعدم تجاوزها.
وكانت الرئاسة التشيلية للمؤتمر قد لجأت إلى الدولة المضيفة لحلحلة المفاوضات في الساعات الأخيرة، والتوصل إلى اتفاق حول نصّ البيان الختامي والنداء الموجّه إلى الدول الأطراف لتقديم خطط أكثر طموحاً. وبعد ساعات من التجاذبات المتوترة، وافق المؤتمر على «تشجيع الدول الأعضاء على الاستفادة من فرصة عام 2020 لإبداء طموح أكبر إزاء التصدّي لتغيّر المناخ، معرباً عن قلقه الشديد من الضرورة الملحّة لردم الفجوة القائمة بين الخطط الراهنة وما يستلزمه تحقيق الأهداف الملحوظة في (اتفاق باريس)».
لكن البيان الختامي لم يتضمّن أي نداء صريح للدول كي تقدّم خططاً أكثر طموحاً، وذلك بسبب إصرار الدول الملوِّثة الرئيسية على رفض مثل هذا النداء. وقد اضطرت رئاسة المؤتمر إلى الاعتراف في الجلسة الختامية ظهر أمس (الأحد)، بأن النصوص المطروحة لا تحظى بالتوافق الكافي لإقرارها، واقترحت إحالتها إلى القمة المقبل بعد عام في اسكوتلندا.