قصة قصيرة: السيدة سين

أحيانا... يتهيأ للسيدة سين... أن ما حدث كان مشهدا من فيلم سينمائي رأته ذات يوم... إذ لا يعقل أن يرى المرء تعبيرات وجهه دون أن يكون أمام مرآة... وفي المشهد لم تكن هناك لا مرآة ولا حتى زجاج صقيل على نافذة ملمّعة بشدة... يعكس الوجوه...
تأنقت السيدة كما تفعل كل يوم. أطعمت الطيور وسقت النباتات. رتّبت المنزل... وأعطت الخادمة جدول أعمال اليوم من غسيل وكي وتنظيف وطريقة عمل الغداء... ثم انصرفت إلى شؤونها الخاصة.
كانت تفعل كل ذلك بعد ذهاب زوجها للعمل... ثم تقرأ قليلا ما تيسر من مجلات وصحف على الطاولة الجانبية في الصالة... وتشاهد التلفزيون قليلا... وقد تخرج لقضاء بعض شؤونها... وتعود قبل أن يعود زوجها بوقت كافٍ.
أما السيد سين فإنه كان يستيقظ قبلها ويتناول إفطاره بهدوء صقيل لا تتخلله سوى حركة وضع الشوكة أمامه أو صوت نواة زيتونة في طبقه... ثم تسمع الخشخشة التي تعني أنه يأخذ دواءه الآن وسيغادر عما قليل إلى العمل.
السيدة سين والسيد سين لا يكلّمان بعضهما... ومنذ سنوات عشر. ربما فقط يسلّمان ويتبادلان جملة أو اثنتين ضروريتين لتسيير أمور المنزل. بدأ الأمر بغضب عارم من السيدة، حيث تبين لها مما رأت أن شيئا ما يدور بين الخادمة وزوجها... فضحته ملامح وجهه وارتباك كلماته.
ولكون السيدة س لا تتحدث في مواضيع مهينة فقد تحول الغضب إلى صمت بارد ملغوم... لأن طبيعة السيد لا تتناسب والاعتذار أو الخوض في اتهامات موحلة مثل هذه.
صارا يعيشان في عالمين منفصلين في مكان واحد... زادهما انفصالا تقاعد السيد قبل العام المنصرم. جزيرتان في بحر صغير... أو ربما مجرد ساكنين في بيت... لا يتأثر دوران الأرض بجوهما المشحون بالانفعالات المبهمة.
السيدة سين لم تر شيئا حقيقة الأمر... شيئا تستطيع أن تقول معه إن السيد يخونها حقا... هي فقط شعرت بحركة الهواء غير الطبيعية حولهما... نظرة الخادمة المذنبة، وملامح السيد... وبينهما متران من المساحة الخالية إلا من الاحتمالات الصعبة. في أقل من دقيقتين... ذهبت الخادمة إلى المطبخ... قام السيد سين فجأة واختفى في ثانيه... ارتجف قلب السيدة... فلحقت به... وفاجأته يخرج من المطبخ، ونظرة ارتباك من الخادمة تشعل حواف اللحظة... وسط همهمة غير واضحة تصدر عن السيد... فيما كانت عينا السيدة تخترقانه مثل سكين ذي نصلين.
هو قال كلمة واحدة: ماذا؟... والسيدة لم تنطق وظلت تواصل النظر إلى وجهه الذي بدا مذنبا مثل طفل أمسكت به أمه ويده في علبة الحلوى... لم تسأل... لم يشرح... وظلت تعامل الخادمة بحذر... وتتحين الأحداث لفصلها.
طال الجفاء بين السيدة وزوجها... وكلما مرّ وقت خفتت حدة الغضب والشعور بالمهانة والتماس الأعذار... ربما كان يريد شيئا من المطبخ... ربما لم يكن الأمر كما توقعت... ربما لأن سابقة من هذا النوع حصلت فعلا ولم يتم الصلح في وقته... ودقت أول مسمار في نعش الحياة الغريبة بينهما... وربما.
بهتت الأسباب والاحتمالات... وطالت الجفوة بينهما... وعاشا منفصلين في غرفة واحدة... وأذنت لنفسها أن تسامحه... دون أن تعود الأمور لمجاريها. فهو رغم كل شيء طيب... وصبور.
مرَ على حادثة اضطراب الهواء تلك، سنوات... وسنوات... لم تتذكر السيدة بعدها ما رأت بالضبط... ولا حتى شكل الخادمة التي جاءت بعدها خادمات كثيرات... لكن ذلك الشعور المرّ لازمها... ولم تتمكن من التخلص منه... تقول لنفسها لا أحتاج إلى دليل... الشك هو الدليل.
من كان يعاقب الثاني... ليس واضحا على الإطلاق... لكنها وهي تصب له الشاي في الأمسيات وقد تساقط شعر مقدمة رأسه... وابيض شاربه الكث تماما... لا يمكنها أكثر من أن تعتني به كرجل غريب.
تلوم السيدة نفسها كل يوم... وتحزن وهي في كامل أناقتها أمام المرآة... لأنها لم تسأله وقتها عما حدث وتنهي الأمر، فقد تم تشخيص حالته بالخرف المبكر... وفقدت فرصتها في معرفة الحقيقة إلى الأبد.

- كاتبة إماراتية