مستقبل العلم بثمن دجاجة

كان المدرس جاسم الرجب من الشخصيات المثيرة للجدل. قررت السلطات التخلص منه بنقله للتدريس في كركوك. بدأ عمله بطرح أفكاره الماركسية على الطلبة الذين كانوا خليطاً من الأكراد والتركمان والعرب. كان بينهم عدد من الأصوليين، فتحداه أحدهم قائلاً: «شيخنا ملا مصطفى البارزاني أقوى من صاحبك كارل ماركس. عنده طلسم فيه كلمات إذا وضعتها على صدرك لا ينفذ فيك الرصاص».
أثار القول جدلاً حاداً في الصف بين أنصار كارل ماركس وأنصار مصطفى البارزاني. حاول المدرس حسم الموضوع بالإشارة إلى العلم وكيف أن الورق وجسم الإنسان لا يستطيع الصمود أمام البندقية. ولكن التلميذ الأصولي أصر على رأيه، وأضاف أن هذا هو ما يفسر عجز الحكومة عن القضاء على الثوار الأكراد لأنهم يضعون على صدورهم الطلسم فلا ينفذ فيهم رصاص الحكومة. وبالطبع تعذر على الأستاذ جاسم دحض هذه الحجة. فهكذا عجزت الحكومة فعلاً عن قمع الثوار الأكراد.
أخيراً تحدى التلميذ أستاذه بإجراء تجربة عملية. قال: «سآتي بنسخة من الطلسم وأضعه على صدري وآتي بمسدس وحاولوا أن تطلقوا الرصاص عليّ». هذا طبعاً لم يكن شيئاً يستطيع الأستاذ جاسم أن يغامر به ويقتل ابن الناس لمجرد أن يثبت أن الماركسية أقوى من طلاسم الملا مصطفى. بيد أن تلميذاً أصولياً آخر تطوع بفتوى جديدة تتضمن تطوير التقنية البارزانية لمرحلة جديدة. قال: «يسري فعل هذا الطلسم على الحيوانات أيضاً. نستطيع أن نأتي بدجاجة ونضع الطلسم على صدرها ثم نطلق الرصاص عليها. سترون كيف أنه لا يحصل أي أذى لها». هذه عملية سهلة ولا تكلّف غير ثمن دجاجة. بل ويستطيعون توفير ثمنها بطبخها وأكلها! وهكذا تقرر الأمر. استحصل الأستاذ جاسم على إذن من مدير المدرسة لاصطحاب الطلاب في سفرة ثقافية. خرجوا يحمل أحدهم الدجاجة ويحمل الآخر مسدساً وساروا إلى بستان في ضواحي المدينة. شدوا الدجاجة إلى جذع شجرة وأخرج التلميذ الكردي حما مسدسه. أخذه الأستاذ جاسم جانباً وهمس في أذنه: «خلّي بالك زين. أنت متأكد من قدرتك على التهديف؟ لأنك إذا أخطأت الهدف فسينهار مستقبل العلم في كردستان». ويصدق الناس شتى الخرافات. هز التلميذ رأسه بالإيجاب وقال: «لا تخف! أنا كنت مع البيشمركة. وبذراعي هذي قتلت عشرات من جنود الحكومة».
انسحب التلاميذ بعيداً عن الدجاجة وأطلق التلميذ حما مسدسه وإذا بالدجاجة وطلسم البارزاني تتطاير في الهواء شذراً مذراً. ودوّى التصفيق من التلاميذ والهتاف لكارل ماركس. وعاد التلاميذ من تجربتهم العلمية وأسرع حما إلى طبخ الدجاجة للجميع.
بعد بضعة أيام وجد جاسم الرجب الشرطة في انتظاره لإلقاء القبض عليه بتهمة تدريب التلاميذ على حرب العصابات واستعمال الأسلحة النارية. نقلوه فوراً إلى بغداد وعيّنوه معلماً علينا. وجدوا أن ذلك أسلم أن يكون تحت أنظارهم قريباً منهم.