مظاهرات واعتقالات تفسد أجواء انتخابات الرئاسة الجزائرية

في حين ظل التنافس شديداً بين المرشحين لرئاسية الجزائر عبد المجيد تبون وعز الدين ميهوبي، حتى نهاية نهار أمس، بحسب أرقام غير رسمية بخصوص نتائج الانتخابات، وقعت احتكاكات بين مئات المتظاهرين الرافضين للاستحقاق وقوات الأمن بالعاصمة، أسفرت عن اعتقال عدد كبير منهم. فيما تعرضت صناديق الاقتراع بمدن وقرى ولايات القبائل للتخريب؛ ما يترجم حدة رفض الانتخابات بهذه المناطق، التي شهدت مقاطعة واسعة.
ونشر ناشطون على نطاق واسع صور متظاهرين، وهم يقتحمون مكتبي تصويت ببجاية (250 كلم شرق العاصمة) بشبكة التواصل الاجتماعي، قبل أن يخرجوا منها الصناديق ويحطموها، كما خربوا لوائح الناخبين، في مشهد يعبّر عن حالة الرفض الشعبي للانتخابات بمنطقة القبائل الناطقة بالأمازيغة، التي لم يزرها المترشحون الخمسة خلال حملة الدعاية الانتخابية.
وفي ولاية تيزي وزو (100 كلم شرق)، كبرى مدن القبائل، أغلق المتظاهرون عشرات مكاتب التصويت، وخاصة بالمناطق الجبلية المعزولة، حيث تواجد رجال الأمن قليل. أما في المناطق الحضرية بالولاية فقد تجنبت قوات الأمن الاحتكاك بالمتظاهرين. وبات واضحاً منذ الساعات الأولى ليوم أمس أن عملية التصويت ستنتهي مبتورة من ولايات معينة، اعتاد سكانها على المقاطعة، لكن ليس بالحدة التي تمت في هذه الانتخابات.
وفي مشاهد عنف لافتة، اقتحم متظاهرون بتيزي وزو مكاتب «السلطة الوطنية المستقلة للانتخاب»، وخربوا ما بداخلها من عتاد ووسائل عمل ووثائق. كما تم اقتحام مقر الإذاعة المحلية. وقال صحافيون بتيزي وزو، إن السلطات المحلية ألغت في بداية المساء الانتخاب لاستحالة إجرائه في ظروف عادية.
غير أن المشهد الذي تداوله ناشطون بكثرة، وشد إليه الانتباه بقوة، هو صورة ناصر بوتفليقة، أحد أشقاء الرئيس السابق، وهو يدلي بصوته في مكتب تصويت بحي الأبيار بأعالي العاصمة، حيث كان شقيقه الرئيس ينتخب دائما. وبثت فضائيات خاصة صورة لبطاقة انتخاب الرئيس السابق، بعد أن صوّت ناصر بدلاً عنه باستعمال الوكالة. أما الشقيق الأصغر السعيد (61 سنة)، فيوجد في السجن منذ أبريل (نيسان) الماضي، بعد أن أدانه القضاء العسكري في 21 سبتمبر (أيلول) الماضي بـ15 سنة سجناً، بناءً على تهمتي «التآمر على الجيش»، و«التآمر على سلطة الدولة». وقد علق ناشط على مشهد ناصر وهو ينتخب بقوله: «الصورة تختصر كل شيء في هذا الانتخاب... فإذا كان بوتفليقة تنحى عن الحكم فإن نظامه يبقى قائماً».
يشار إلى أن خمسة مترشحين يتنافسون على خلافة بوتفليقة، وهم بلعيد عبد العزيز، وعلي بن فليس، وعبد القادر بن قرينة، إضافة إلى ميهوبي وتبون. وقال بن قرينة في حسابه بـ«تويتر»، إنه حصد 50 في المائة من أصوات الجزائريين المقيمين بماليزيا، حيث انتهى التصويت في منتصف النهار بتوقيت الجزائر، على اعتبار الفارق الزمني بين البلدين. ويجري الاستحقاق على دورين، ينظم الثاني بعد 15 يوماً. علماً بأن كل الاستحقاقات التعددية الماضية حسمت من الدور الأول لصالح مرشح السلطة.
وعاشت ساحات الحراك الشعبي بالعاصمة حالة احتقان شديدة ومواجهات في بعض الشوارع بين قوات مكافحة الشغب، وآلاف المتظاهرين، الذين حاولوا الاعتصام ببعض الفضاءات، مثل «ساحة موريس أودان» والبريد المركزي، تعبيراً عن رفض «الانتخابات التي تنظمها العصابات». وأطلق رجال الأمن القنابل المسيلة للدموع لمنع المتظاهرين وتفريقهم، ومن التوجه نحو الطرق المؤدية إلى المقار الحكومية والمباني الحساسة، وخاصة رئاسة الجمهورية وقصر الحكومة، ووزارتي الدفاع والخارجية.
كما منع رجال أمن صحافيين مصورين من التقاط صور، وتم الضغط بشكل لافت على ممثلي وكالات الأنباء العالمية لمحاولة منعهم، بأقصى ما يمكن، من إرسال صور إلى الخارج. وبدا من خلال طريق تعاطي السلطات مع الحدث، منذ بداية التحضير له قبل أشهر، أنها تريد «انتخاباً مغلقاً»، يجري بعيداً عن أعين العالم. كما مارس التلفزيون الحكومي والقنوات الخاصة، تعتيماً كبيراً على مظاهرات، أمس، وفي المقابل خصصت هذه القنوات تغطية واسعة للانتخاب في المناطق، التي عرفت نسب تصويت عالية، كما هو الحال في ولايات الجنوب والولايات الداخلية.
وظلت بعض مكاتب التصويت بالعاصمة فارغة طيلة النهار، إلا من بعض الناخبين أغلبهم كبار في السن. وكان ذلك دالاً على عزوف واسع عن الاستحقاق الذي يقسم الجزائريين بحدة. وفي المقابل، بث التلفزيون الجزائري الحكومي صوراً لعشرات الأشخاص، وهم ينتظرون دورهم أمام باب أحد مكاتب التصويت، وسط ولاية البليدة القريبة من العاصمة، كما نقل صوراً مماثلة من ولايات سعيدة، (غرب)، وتبسة وعنابة (شرقاً).
وأعلن محمد شرفي، رئيس «السلطة الوطنية للانتخاب»، عن نسبة تصويت بلغت 7.92 في المائة على مستوى كل الولايات الـ48، في حدود الحادية عشرة صباحاً، ثم ارتفعت إلى 20.43 في المائة في الساعة الثالثة ظهراً. وقال للتلفزيون الحكومي، إن عدد المصوتين بلغ في فترة الصباح نحو مليونين من مجموع أكثر من 24 مليون ناخب. مشيراً إلى أن نسبة المشاركة المسجلة ارتفعت في 16 ولاية، مقارنة بنسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية لعام 2014 في نفس الفترة.
وأكد شرفي أن نسبة المشاركة المسجلة في بداية الاقتراع الرئاسي «توحي بأنها ستكون أقوى مما كانت عليه في انتخابات 2014 (51.7 في المائة)». مبرزاً أنه «توجد بعض الصعوبات التنظيمية في 3600 مكتب تصويت من مجموع نحو 61 ألف مكتب»، في إشارة، ضمناً، إلى عرقلة الانتخابات بمنطقة القبائل. كما وصف شرفي إقبال الناخبين على مكاتب التصويت في أغلب المدن الجزائرية بـ«المحترم جداً»، مشيراً إلى «الطوابير الطويلة للناخبين بالعاصمة وخنشلة وبسكرة»، بشرق وجنوب شرقي البلاد.
وتوقع مراقبون أن تصل نسبة التصويت إلى 40 في المائة، وهي نسبة ترضي مؤيدي الانتخاب، في حين سيعتبرها الرافضون «تزويراً كان متوقعاً».
من جهة أخرى، طالبت منظمة «هيومن رايتس ووتش» السلطات الجزائرية بالإفراج الفوري عن ناشط حقوقي بارز اسمه قدور شويشة، أوقفته في وهران (غرب) قبل يومين، وأدانه القضاء بعام حبساً. وأوضحت المنظمة في بيان، أنه تم الحكم على قدور شويشة بالسجن بسبب اتهامات «يبدو أنها متصلة فقط بانتقاده السلطات العسكرية والسياسية، ولمشاركته في مظاهرة سياسية».