العثور على مومياواتين فرعونيتين تحملان قبعتين ملتصقتين بالرأس

كثيراً ما كان الفن المصري القديم يصور الأشخاص الذين يرتدون قبعات مخروطية الشكل، لكن لفترة طويلة لم يُعثر على أمثلة مادية لهذه القبعات، ولكن الدراسة المنشورة أول من أمس، في دورية «العصور القديمة»، تحمل أول دليل مادي على تلك القبعات.
وعثر فريق بحثي دولي يضم باحثين من أستراليا، وبريطانيا، وأميركا على مومياواتين تحملان تلك القبعات في مدينة تل العمارنة، التي بناها الفرعون أخناتون، لتنقل هذه الاكتشافات القبعات مخروطية الرأس من الرمز الفني إلى الواقع.
وكانت المومياء الأولى لأنثى يراوح عمرها بين 20 و29 عاماً عند الوفاة، وعثر عليها عام 2010، بينما كان عمر الثانية بين 15 و20 عاماً، وعثر عليها عام 2015، ولم يتمكن الفريق البحثي من تحديد جنسها، وكان طول القبعات في كل منهما نحو 8 سنتيمترات، وكانوا في حالة سيئة مليئة بالثقوب.
واستغرقت الدراسات والتحليلات التي أجراها الفريق البحثي على المومياواتين وقتاً طويلاً، حتى خرجوا بالنتيجة التي نشرت أول من أمس، وهي أن المصريين القدماء ارتدوا بالفعل القبعات مخروطية الشكل على رؤوسهم، وأنهم صنّعوها من شمع العسل.
وعلى الرغم من أن الفريق البحثي لم يتمكن على وجه الدقة من تحديد أسباب وجود هذه القبعات مع المومياواتين، فإن الدكتورة آنا ستيفنز، المحاضرة في علم الآثار والتاريخ القديم في جامعة موناش الأسترالية، والباحثة الرئيسية بالدراسة، قالت في تصريحات خاصة عبر البريد الإلكتروني لـ«الشرق الأوسط»: «رغم عدم معرفتنا السبب، فإن الاكتشاف في حد ذاته مهم؛ لأن علماء المصريات لم يكونوا متأكدين، إذا كان المصريون القدماء ارتدوا القبعات المخروطية حقاً، أو ربما كان ظهورها في الفن المصري رمزاً من الرموز».
وكان علماء المصريات يعتقدون أن هذه القبعات المخروطية تمثل رمزاً، مثل الهالات الممنوحة للشخصيات الدينية في الفن المسيحي، لكن هذه الدراسة حملت تأكيداً على أنها لم تكن رمزاً، وكانت موجودة في الواقع.
واستبعدت الدكتورة ستيفنز أن تكون هناك علاقة بين تلك القبعات المخروطية وعبادة الشمس التي كانت سائدة في هذا المكان بعصر أخناتون، وقالت: «عثرنا على المومياواتين في مقابر العمال، وربما لو عثرنا أثناء العمل المستمر هناك على قبعات مخروطية أخرى قد نجد ما يساعد في تفسير أسباب الارتداء».
وإلى أن يصل الباحثون للأسباب، هناك اتجاهات عدة لتفسير وجود هذه القبعات المصنوعة من الشمع أشار إليها أول من أمس تقرير نشره موقع دورية «ساينس»، التي تصدرها الجمعية الأميركية لتقدم العلوم.
وتبنت الدكتورة ستيفنز خلال التقرير اتجاهين، أحدهما أن هذه القبعات عندما تذوب تقوم بتطهير الشخص ووضعه في حالة مناسبة للمشاركة في الطقوس خلال الحياة الآخرة، والآخر له علاقة بأفكار الخصوبة، ويفترض هذا الاتجاه أن تكون المومياء التي تحمل القبعة امرأة في سن الإنجاب، وأنها ستعزز خصوبتها في الحياة الآخرة.
غير أن الدكتورة ليز مانيتش، عالمة الآثار في جامعة كوبنهاغن، ذهبت إلى أن القبعات مخروطية الشكل في الفن المصري القديم كان يرتديها عموماً أفراد من الطبقات العليا. وقالت: «بما أنه عُثر عليها في مقابر العمال، فأنا أود أن أفسر وجودهما بأنهما مجرد تقليد للفئات الأكثر حظاً من السكان».
وذهب رون نورد، عالم الآثار في جامعة إيموري في أتلانتا بأميركا في اتجاه مخالف تماماً، وقال إن «الفن المصري القديم يشير إلى أن قبعات الرأس تلبس في سياقات مختلفة، منها حفلات المهرجانات أو الحفلات بحضور الفرعون، وليس من الضروري استحضار الحياة الآخرة في التفسيرات، وهو توجه شائع في علم المصريات»، وأضاف: «قد تكون القبعة مجرد قبعة دون أي تفسير».
وتحاول الدكتورة آنا ستيفنز الخروج برأي يجمع بين هذه الآراء، وقالت: «ربما لا يوجد سبب واحد لاستخدام المصريين القدماء لقبعات الرأس، فقد يكون لديهم الكثير من المعاني والأسباب المختلفة، اعتماداً على كيفية استخدامها ومكان استخدامها، ومن الذي كان يستخدمها». وأضافت: «ربما تساعد الاكتشافات الأثرية الجديدة علماء المصريات على فهم أسباب استخدام القبعات، لكن ما يهمنا قبل ذلك، أن عملنا العلمي مكتمل الآن، بإثبات أن المصريين القدماء صنعوا وارتدوا القبعات المخروطية، وأنهم كانوا يصنعونها من شمع العسل».