«حوارات أطلسية» يناقش في مراكش قضايا «الجنوب في عصر الاضطرابات»

TT

«حوارات أطلسية» يناقش في مراكش قضايا «الجنوب في عصر الاضطرابات»

يعود المؤتمر السنوي «حوارات أطلسية»، في دورة ثامنة، بمراكش، بين 12 و14 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، ليناقش موضوعاً على قدر من الأهمية، يتناول قضايا «الجنوب في عصر الاضطرابات»، بمشاركة نحو 400 شخصية من 66 دولة.
ويأتي موضوع دورة هذه السنة من هذا المؤتمر الدولي، الذي ينظمه «مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد»، تحت رعاية العاهل المغربي الملك محمد السادس، امتداداً لموضوع السنة الماضية، الذي تناول موضوع «ديناميات أطلسية: تجاوز نقاط القطيعة».
ويقول المنظمون إن خيار دورة هذه السنة تمليه «التحديات المتعددة التي تواجهها بلدان الجنوب في ظل استمرار الصراعات والتهديدات الإرهابية، وارتفاع معدلات البطالة لدى الشباب، والتوسع الحضري السريع، إضافةً إلى تداعيات تغيرات المناخ»، وذلك في وقت تعرف فيه أفريقيا «نمواً ديموغرافياً غير مسبوق، مما يشكّل مصدر قلق للبعض، ومصدر أمل للبعض الآخر، كما أن القارة تواجه عدم الاستقرار الحالي وتنافس القوى العظمى على الموارد الطبيعية ومناطق النفوذ». وعلى المستوى الدولي-يضيف المنظمون- فإن «ارتفاع الشعبوية والنزعة القومية، وتكريس النظرة الضيقة إلى المصلحة الوطنية والأمن القومي، والتشكيك في الديمقراطية التمثيلية ونظام الحكم الدولي الذي ساد منذ نهاية الحرب الباردة، كلها أشياء تلقي بظلالها على دول الجنوب وأفريقيا من بينها».
وفي ظل هذه المعطيات، يُنتظر أن يبحث المؤتمر «سبل مساعدة صناع القرار على إعادة النظر في رؤاهم واستراتيجياتهم»، مع «مراعاة المناخ والاقتصاد الدائري وتحديات التعليم والديناميات الناتجة عن القوى الناشئة».
كما سيناقش قضايا رئيسية أخرى، تتعلق بـ«احتمالات حدوث أزمة مالية دولية جديدة»، و«تراجع تعددية الأطراف»، و«إصلاح نظام الحكامة الدولي»، و«التدخلات العسكرية في أفريقيا»، إضافة إلى «الثورة الصناعية الرابعة»، و«التوسع الحضري وتعزيز ديناميات التصدي لتغيرات المناخ من خلال تعبئة الموارد المالية والتكنولوجية اللازمة».
ويسعى المؤتمر، منذ إطلاقه عام 2012، إلى إدماج جنوب المحيط الأطلسي في النقاش الجيوسياسي العالمي. وقد تبنى من أجل ذلك مقاربة تعتمد على إخضاع الإشكالات لمناقشة قائمة على الحقائق والأرقام.
وتهدف الحوارات إلى «تشجيع خطاب واضح ووضع حلول مبتكرة»، من خلال مناقشة وجهات نظر السياسيين والأكاديميين والمحللين والمراقبين من الشمال والجنوب بروح من الانفتاح والشفافية والإثراء المتبادل.
وينتظر أن يتم في يوم افتتاح دورة هذه السنة من المؤتمر تقديم تقرير «تيارات أطلسية»، الذي أعدت مقدمته أميناتا توري، رئيسة وزراء السنغال السابقة، وأسهم فيه ثلة من الباحثين من أفريقيا وأميركا اللاتينية ومنطقة بحر الكاريبي وأوروبا.
وتسجل دورة هذه السنة مشاركة 400 شخصية يمثلون 66 جنسية، 26% منهم عن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، و19% عن أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، و23% عن أوروبا، و13% عن أميركا الشمالية، و9% عن أميركا الجنوبية؛ يعملون في مجالات تتعلق بصنع القرارات السياسية، كمجال الأعمال التجارية (12%) والخدمات الاستشارية (9%)، والبحث العلمي (12%)، وخلايا التفكير (19%) والقطاع العام (9%)، والمنظمات الدولية (10%)، بالإضافة إلى المجتمع المدني (12%) ووسائل الإعلام (10%).
ومن بين القادة السياسيين المتوقع حضورهم، نجد أسماء خمسة رؤساء دول وحكومات سابقين، بمن فيهم أولوسيجون أوباسانجو (نيجيريا) وأميناتا توري (السنغال)، و15 وزيرة ووزيراً سابقاً، على غرار نجاة فالو بلقاسم (التعليم، فرنسا)، وأوبياجيلي إيزكويسيلي (التعليم، نيجيريا)، ونونو سفيريانو تيكسيرا (الدفاع، البرتغال)، وباولو بورتاس (الشؤون الخارجية، البرتغال)، علاوة على إغناسيو ووكر (تشيلي)، ومايو أفيال (السلفادور)، وخورخي كاستانيدا (المكسيك)، ومحمد بن عيسى (المغرب)، وهوبرت فيدرين (فرنسا). كما يُتوقع حضور دبلوماسيين ذوي خبرة عالية، أمثال جون بيتر فام المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى البحيرات العظمى، وأنخيل لوسادا الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي لمنطقة الساحل، وريتشارد دانزيغر مدير المنظمة الدولية للهجرة في أفريقيا الغربية والوسطى، بالإضافة إلى جواو فايل دي ألميدا، سفير الاتحاد الأوروبي لدى الأمم المتحدة.
كما سيعرف المؤتمر مشاركة نشطة في المناقشات لباحثين معروفين على الصعيد الدولي، مثل جون ساويرز، المدير السابق للاستخبارات البريطانية، وجريج ميلز، مدير مؤسسة «براينتورست» في جنوب أفريقيا، أو ويليام زارتمان من جامعة جون هوبكينز، بالإضافة إلى ممثلين للقطاع الخاص، بمن فيهم ثيون نيانغ (السنغال) ودومينيك ألفون (فرنسا).
وتماشياً مع التقاليد التي دأب عليها منذ نشـأته، يواصل مؤتمر «حوارات أطلسية» منح الشباب مكانة بارزة، بمشاركة 50 من الرواد الشباب، تتراوح أعمارهم بين 23 و35 عاماً، تم انتقاؤهم طبقاً لمعايير جد دقيقة، ينحدرون من 27 دولة، سيشاركون في دورات تدريبية على القيادة يديرها خبراء رفيعو المستوى بجامعة محمد السادس المتعددة الاختصاصات في مدينة بن جرير، قبل أن يلتحقوا بالحوارات الأطلسية.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.