ثلاث ظواهر سينمائية في 2019

في نواح كثيرة نجد 2019 الذي يقترب انضمامه إلى سنوات الماضي، لا يختلف عن السنوات القليلة السابقة. فالسينما في بلاد العرب ما زالت «تنمو» هنا وتجاوزت مرحلة النمو هناك وكثير منها يعتمد على التمويل الغربي والمساعدة الفنية الغربية ثم على المهرجانات الغربية.
من ناحية أخرى، هوليوود ما زالت مشغولة بتفريخ أفلام المسلسلات الضخمة والسينما المستقلة في أميركا تلتف حول مهرجان «صندانس» الذي ينطق باسمها أكثر مما يفعل أي مهرجان عالمي آخر.
السينما الأميركية ما زالت الأولى داخل دول أوروبية وآسيوية مختلفة والأوروبية قليل منها يجد لنفسه مكاناً تحت الشمس فينخرط ضمن شبكة توزيع نشطة والآخر يمر محلياً بما يستطيع حشده من جمهور.
إذن هناك ظواهر ما زالت متفاعلة منذ سنوات ولا يمكن اعتبارها جديدة، لكن بالبحث هناك ظواهر أخرى يمكن اعتبارها من سمات العام المنصرم حتى وإن كانت في الوقت ذاته آتية من رحم حصاد العام الماضي، 2018 أو الذي قبله كما سنرى هذا ماثلاً في ثلاث ظواهر عايشتها السينما هذه السنة.
1 ـ السينما ما بين ديزني ونتفلكس
على الرغم من أن «جوكر» فيلم وزّعته وموّلته وورنر وليس ديزني، فإن مقاليد الحكم في العائدات ما زالت «ديزنية». ستة أفلام من تلك التي حققت أعلى إيرادات العالم هي من إنتاج ديزني يتقدمها Avengers‪:‬ Endgame الذي أنجز مليارين و800 مليون دولار في سنة 2019. ملأ سوني ووورنر ويونيفرسال الخانات المتبقية الكل بفيلم واحد. وهناك فيلم صيني عنوانه Ne Zha أنجز المرتبة العاشرة.
وجدت ديزني الخاصرة الطرية والمناسبة لعملها. اشترت شركة جورج لوكاس سابقاً وشركة فوكس هذه السنة وكانت ابتاعت شركة الأنيميشن بيكسار قبل ثلاثة أعوام فاستولت بذلك على أهم مفاصل النجاح وعلى بعض المنافسين وأضافت إلى هذا المزيج أفلامها الخاصة. مجموع ما حققته من إيرادات عالمية في هذه السنة وحدها وصل إلى 7 مليارات و760 مليون دولار. بينما كان هذا يقع على الشاشات الكبيرة، كان هناك ما يقع على تلك الشاشات المنزلية الصغيرة. شركة نتفلكس باتت الشركة الأولى بين شركات العروض المنزلية المباشرة ورصيدها 139 مليون مشترك. بذلك نجد السينما وقد أصبحت، حالياً على الأقل، بين فكي ديزني ونتفلكس أساساً وحتى إشعار آخر.
2 ـ السينما السعودية تنمو
ما كان توقعاً في العام الماضي، تحوّل إلى حقيقة هذا العام.
السينما في المملكة العربية السعودية التي انطلقت على مستوى العروض التجارية والإنتاج السينمائي شهدت نموّاً مثيراً في العام الحالي.
أربعة أفلام سعودية روائية طويلة هي «المرشحة المثالية» لهيفاء المنصور و«سيدة البحر» لشهد أمين و«المسافة صفر» لعبد العزيز الشلاحي و«آخر زيارة» لعبد الله الضبعان. هذا إلى جانب شلال من الأفلام القصيرة. والعمل جار على إنتاجات جديدة للعام المقبل قد توازي عدد الأفلام المنتجة هذا العام أو تزيد، لكن من غير المتوقع لها أن تقل.
ما هو مفقود هو الشاشات السعودية التي تعرض للجمهور في السعودية ما يتم إنتاجه سعودياً. مفاصل التوزيع المطبّقة حالياً لا تختلف عن مفاصل التوزيع المتوفرة في باقي دول الخليج وهي الاهتمام فقط بما يحقق أعلى الإيرادات وما يحقق أعلى الإيرادات هو الأفلام المنتجة في هوليوود وليس الأفلام المحلية المنتجة في الإمارات أو الكويت أو السعودية.
صالة واحدة في كل مدينة سعودية كفيلة بعرض الأفلام الجادة ومن بينها الأفلام السعودية وهذا إسهام كبير في تحريك العجلة الصناعية المحلية جيداً وسيشكل في مدى منظور حافزاً مادياً لا يمكن إلا أن يصبح قاعدة شاسعة بعد ذلك. المثير في كل ذلك هو أن الصوت السعودي في العمل السينمائي إنتاجاً وتمثيلاً وإخراجاً بات واضحاً هذا العام ويمكن الاعتماد عليه واعتبار 2019 سنة الإنتاج المحلي الأوفر عدداً حتى الآن.
المثير أكثر هو أن هناك الآن مهرجانين سعوديين يكوّنان المحطة المثالية للإطلاق: مهرجان الفيلم السعودي ومهرجان البحر الأحمر الذي سيبدأ دورته الأولى في الشهر الثالث من العام المقبل.
3 ـ السينما العربية: غناء ليلي
ما سبق ينقلنا إلى سينمات باقي الدول العربية. وبرسم خط سريع بين معظم إنتاجاتها نجد أن المحور في الكثير من الإنتاجات العربية هو القضايا الحاضرة التي يعيشها الإنسان العربي في أكثر من ركن.
تلك الحروب الدائرة في سوريا وليبيا والعراق واليمن من ناحية وقضايا الإرهاب من ناحية شكلت هاجساً محورياً للأفلام الآتية من تونس والجزائر وسوريا والعراق على الأخص.
الموضوعات المطروحة تنتمي إلى ما يمر به كل بلد على حدة. هناك تاريخ قريب من النشاط الإرهابي في الجزائر، على سبيل المثال، فنجد تطرقاً له في «بابيشا» ممتزجاً، كما في أفلام تونسية ومغربية، بموضوع حقوق المرأة ومساواتها.
في سوريا ما زالت الأفلام المنتمية إلى أحد جانبي الوضع (النظام والمعارضة) تُنتج بالمعدل ذاته والغلبة، إعلامياً، هي لتلك المعارضة التي تجد في الغرب مساهمات تمويلية وتوزيعية. آخرها «الكهف» و«لأجل سما» وفي الوسط فيلم وحيد التقطناه في مطلع هذه السنة هو «يوم أضعت ظلي» لسؤدد كنعان.
هذا طبيعي في وسط ما يحدث في هذا الجزء من العالم وكذلك طبيعي أن تغني كل سينما على ليلاها. الأحوال غير المستقرة في لبنان والعراق وسوريا وبعض سواها سوف تنتج أفلاماً متصلة بالواقع وقليل منه قد يحتل مكانة فنية مرموقة لأن الغالب للآن هو توفير أفلام تتناول القضايا التي يشعر المخرجون أن عليهم التعبير عنها.
وكما في السياسة، السينما الفلسطينية ما زالت تراوح مكانها والاستقبال المتوقع لأحد أفضل مخرجيها، إيليا سليمان، لم يتم على السياق ذاته الذي شهده المخرج في أفلامه السابقة. فيلم نجوى نجار الأخير «بين الجنة والأرض» على إجادته لن يشهد الكثير من التفاعل بدوره.
ما سبق ليس بالضرورة كل الظواهر لأن هناك الكثير من التفاصيل التي تغيب لأنها تكمن تحت القش. على سبيل المثال، هناك ظاهرة المهرجانات السينمائية العربية والتأثير الإيجابي الذي تتركه على صانعي السينما. في المقابل قصور الموزعين العرب في الاهتمام بهذا النوع من السينما والعمل على ترويجه. فعل سيعود بالخير لهم ربما قبل سواهم.