إنعام كجه جي
صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس.
TT

سيف يعود إلى أهله

كنت أظنّ أن العراق هو البلد الذي تعرّض عبر التاريخ لأوسع عمليات نهب لممتلكاته الأثرية، فإذا بجدل يجري في فرنسا، حالياً، يكشف عن مئات الكنوز التي جرى الاستيلاء عليها من القارة الأفريقية ونُقلت إلى متاحف «القارة العجوز». عجوز تتفنن في التصابي.
ومثار الجدل سيف ثمين يعود إلى القائد الأفريقي الحاج عمر طعل، المولود سنة 1797 في السنغال والمتوفى سنة 1864 في مالي. وكان إدوار فيليب، رئيس وزراء فرنسا، قد قصد العاصمة دكار، قبل أيام، ومعه السيف الذي كان معروضاً في المتحف الحربي في باريس، وأعاده إلى موطن صاحبه. قال إن فرنسا ستعيد أيضاً 26 قطعة أثرية موجودة في متاحفها إلى جمهورية بنين، في أفريقيا. هل كان تصرف الوزير الأول صحيحاً أم أنه سيفتح الباب لمطالبات لا أول لها ولا آخر؟
يبدو الرقم 26 صغيراً. ففي المتحف البريطاني وحده 60 ألف قطعة من بلدان أفريقيا الواقعة جنوب الصحراء الكبرى. وفي متحف فيينا 37 ألف قطعة. وفي برلين 75 ألفاً. وفي متحف الفاتيكان 70 ألفاً. ومثلها في متحف «برانلي» في باريس. وفي المتحف الملكي البلجيكي المخصص لأفريقيا الوسطى 180 ألف قطعة مُسجلة في القوائم. هذا عن المتاحف الكبرى ومن دون حساب ما هو مخزون في متاحف أخرى أصغر، في إيطاليا وإسبانيا والبرتغال، موزعة في المدن وخارج العواصم. ولو أعيدت كل تلك الآثار إلى موطنها، هل يبقى الكثير مما يستحق الزيارة؟
26 قطعة رقم صغير. لكن رئيس الوزراء الفرنسي يرى أن إعادتها تستغرق 5 سنوات. مع هذا كان تصريحه كافياً لأن يجعل مديري المتاحف الفرنسية يرتعشون في كراسيهم الرسمية. ولعل بعضهم قال في عبّه: «لما تشوف شحمة أذنك». واعترف رئيس متحف «برانلي» لفنون الشعوب بأن قسماً كبيراً من تراث أفريقيا قد انتقل إلى خارجها لكن الحل يكمن في «المشاركة». قال إن الخارطة الثقافية للعالم تغيرت خلال السنوات العشر الأخيرة، ولا بد للقارة السمراء من أن تأخذ موقعها عليها. لذلك فإن إعادة الممتلكات ليست كارثية طالما أنها ستتم وفق اتفاقات محددة للتبادل والدعم والمعارض المشتركة.
في السادس من الشهر الجاري تدشن السنغال متحفاً لـ«الحضارات السوداء». وهو سيكون امتداداً لمتحفها الوطني ومركزاً لتذكير العالم بأن البشرية بدأت في أفريقيا. ولا بد أن الزوار سيتوقفون طويلاً أمام السيف المستعاد من فرنسا. بهذا السلاح حارب الحاج عمر طعل، خليفة المسلمين غرب أفريقيا، الاستعمار الفرنسي في القرن التاسع عشر. لكن هناك من يعترض على إعادة السيف لسببن: الأول أنه مصنوع في مصهر يقع في مقاطعة الألزاس. والثاني غياب أي مصدر تاريخي يشير إلى عائديته إلى المجاهد الأفريقي. ونشر المؤرخ فراسيس سيموني مقالاً في «لوموند» جاء فيه: «من الصعب تصديق أن الحاج استخدم لإعلان الجهاد سيفاً صُنع بأيدي مسيحيين». فهل هناك سيف غير هذا؟ هذا ما يرجحه المؤرخ الذي يقر بأن الكولونيل لويس آرشينال أخذ السيف المتنازع عليه من أمادو طعل، نجل الحاج عمر، عام 1893. وبهذا أصبح من مقتنيات متحف الجيش في فرنسا.
قطعة واحدة تثير كل هذا اللغط. ماذا لو طالبت أفريقيا بالآلاف المؤلفة من كنوزها التاريخية؟ أما العراق فقد مرّ عليه النهابون والمخربون أفواجاً أفواجاً. والعاقل هو من يتمنى بقاء ممتلكاته الثقافية محروسة في ديار الغرب إلى زمن آمن أفضل.