الأزمة التشيلية... «ثورة شباب» على إرث الديكتاتورية

التحركات الطلابية تطالب بإلغاء النظام التعليمي الذي فرضه بينوشيه

جانب من المظاهرات بسانتياغو في 22 أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)
جانب من المظاهرات بسانتياغو في 22 أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)
TT

الأزمة التشيلية... «ثورة شباب» على إرث الديكتاتورية

جانب من المظاهرات بسانتياغو في 22 أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)
جانب من المظاهرات بسانتياغو في 22 أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)

كثيرة هي المطالب الاجتماعية التي تشكّل القواسم المشتركة بين الاحتجاجات الشعبية التي تجتاح أميركا اللاتينية منذ أشهر؛ من غلاء المعيشة إلى تدهور الخدمات الأساسية، ومن الفساد المالي والسياسي إلى انسداد أفق العمل الذي يدفع بالكفاءات الوطنية إلى الهجرة بكثافة إلى الخارج. لكن الحالة التشيلية تتميّز بأنها، إضافة إلى كل هذه العوامل: «ثورة شباب» في دوافعها ومقاصدها الأساسية، كما يستدلّ من أعداد المعتقلين التي بلغت 17 ألفاً، جلّهم دون الحادية والعشرين من العمر، والقتلى الذين بلغ عددهم 23 ومعظمهم أيضاً من الطلاب الجامعيين والثانويين.
منذ مطلع العقد الماضي، لم تتوقف التحركات الطلابية في تشيلي عن المطالبة بإلغاء النظام التعليمي الذي فرضته ديكتاتورية الجنرال بينوشيه، ضمن أوّل اختبار شامل لنظرية الليبرالية الجديدة على مستوى الدولة حقق نتائج مذهلة، جعلت من تشيلي قدوة عالمية على صعيد معدلات نمو الاقتصاد الكلّي. لكنه حصر الثروة بيد حفنة ضئيلة، وأثقل كاهل الطبقة المتوسطة التي خرجت إلى الشوارع أواخر الشهر الماضي تدعم الطلاب في تحركهم الذي تحوّل إلى ثورة عارمة، لخّص هدفها العميق الناطق بلسان الطلاب الثانويين عندما قال: «هنا وُلدت الليبرالية الجديدة، وهنا ستموت».
بعد 5 أسابيع على اندلاع الاحتجاجات التي دمّرت أحياء بكاملها في العاصمة سانتياغو، لا يمرّ يوم واحد من غير مواجهات بين قوات الأمن والمتظاهرين الذين احتلّوا مباني الجامعة التي ما زالوا معتصمين فيها بعد أن انضمّ إليهم عدد كبير من الأساتذة. وتقول المؤرخة كارلا بينيالوزا، في معرض الإعجاب بصمود الطلاب في وجه القمع الوحشي الذي يمارسه الجيش ضدهم: «إنهم يملكون الشجاعة التي افتقدناها نحن تحت وطأة قمع النظام الديكتاتوري... يستمرّون في التظاهر ويتعرّضون لإصابات بالذخيرة الحيّة ويعالجون الجرحى في مراكز طبية مرتجلة داخل حرم الجامعة. إنها أجواء ثورة حقيقية، تبعث على الخوف أحياناً، لكنها هي الواقع الحقيقي وليس ذلك المزيّف الذي كنا نعيشه في السابق».
يذكر أن قانون التعليم، الذي أُعطي مرتبة دستورية، كان آخر القوانين التي وقّعها الجنرال بينوشيه قبل تنحّيه عن السلطة في مارس (آذار) من عام 1990. وهو قانون يساعد على الفصل بين المراكز التعليمية المخصصة للأغنياء وتلك المخصصة للفقراء، ويحدد سقفاً للإنفاق الحكومي على التعليم يضع تشيلي في أسفل قائمة ترتيب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لمعدلات الاستثمار في قطاع التربية.
وكانت الاحتجاجات الطلابية قد بدأت في تشيلي أواسط عام 2006 بما يعرف بـ«ثورة البطريق»، نسبة إلى اللباس الرسمي في المدارس، عندما أقفلت مئات المؤسسات التعليمية وخرج أكثر من نصف مليون طالب إلى الشوارع، بعد أيام من بداية ولاية الرئيسة السابقة ميشيل باتشيليه التي كانت من ضحايا النظام الديكتاتوري وتتولّى اليوم منصب مفوّضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان. وبقيت تلك الاحتجاجات تتكرر في كل عام حتى السنة الماضية، مطالبة بإلغاء قانون التعليم وإجراء إصلاحات جذرية في قطاع التربية.
ومما زاد من النقمة في صفوف الطلاب مبادرة الرئيس الحالي سيباستيان بينييرا لإنهاء الاحتجاجات عندما أقر، في بداية ولايته، قانون «المدرسة الآمنة» الذي يجيز طرد الطلاب الذين يحملون أي نوع من الأسلحة أو يقومون بأي اعتداء أو يتسببون بأضرار في البنى التحتية. يومها أدرك الطلاب ألا أمل في الإصلاح مع النظام الحالي، وبدأت تعتمل المواجهة المفتوحة التي تعيشها تشيلي منذ أواخر الشهر الماضي.
ويقول المراقبون إن النظام الديمقراطي الذي جاء بعد الديكتاتورية العسكرية بقي رهين المؤسسة العسكرية التي استمرّ بينوشيه على رأسها حتى مماته، وما زال يواجه صعوبات اشتراعية في تفكيك المنظومة القانونية الموروثة، حيث إن معظم القوانين يقتضي تعديلها أغلبية الثلثين في البرلمان الذي فقد كثيراً من صدقيته بين المواطنين كما يستدلّ من الاستطلاعات الأخيرة.
وما يعطي الاحتجاجات الراهنة بعداً ثوريّاً واضحاً هو التلاقي بين الشعارات الطلابية وتلك التي ترفعها الطبقة العاملة والمتوسطة التي تدعو إلى «إنهاء هذا النظام المجحف، ومحاسبة الفاسدين، ومنع تحوّل تشيلي ملكيّةً بيد حفنة صغيرة» كما يقول أحد الأساتذة الجامعيين المتضامنين مع الحركة الطلابية.
ويقول فيكتور شافرو، أحد القياديين في الحركة الطلابية: «نناضل من أجل التعليم، لكن أيضاً من أجل معاشات تقاعدية وأجور تؤمن العيش الكريم، ومن أجل الحق في الإجهاض، وإنهاء نظام القمع الذي ما زال متأصلاً في القوات المسلحة. ولا يقولنّ أحد بأن هذه القضايا ليست من اهتمامنا، فهي تؤثر على عائلاتنا وستؤثر علينا في المستقبل». ويضيف شافرو، وهو حفيد أحد المفقودين إبّان الحكم العسكري في عام 1974: «لا ألوم أهلي لعدم المشاركة في الاحتجاجات الشعبية. هم عانوا من قمع العسكر وأتفهّم مخاوفهم. لكن المهم هو أن الخوف قد تحوّل اليوم إلى غضب، وفرح، وقدرة هائلة على التنظيم. لسنا نحن أبطال هذه الثورة، بل كل فرد يشارك في هذه التعبئة».



واشنطن: مادورو غير شرعي

نيكولاس مادورو في 8 ديسمبر 2022 (رويترز)
نيكولاس مادورو في 8 ديسمبر 2022 (رويترز)
TT

واشنطن: مادورو غير شرعي

نيكولاس مادورو في 8 ديسمبر 2022 (رويترز)
نيكولاس مادورو في 8 ديسمبر 2022 (رويترز)

قالت الولايات المتحدة اليوم (الثلاثاء)، إنها ما زالت ترفض اعتبار نيكولاس مادورو الرئيس الشرعي لفنزويلا، وتعترف بسلطة الجمعية الوطنية المُشَكَّلة عام 2015 بعد أن حلت المعارضة «حكومتها المؤقتة».
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس للصحافيين: «نهجنا تجاه نيكولاس مادورو لا يتغير. إنه ليس الرئيس الشرعي لفنزويلا. نعترف بالجمعية الوطنية المُشَكَّلة عام 2015»، وفق ما أفادت به وكالة الصحافة الفرنسية.
ولدى سؤاله عن الأصول الفنزويلية، ولا سيما شركة النفط الفنزويلية في الولايات المتحدة، قال برايس إن «عقوباتنا الشاملة المتعلقة بفنزويلا والقيود ذات الصلة تبقى سارية. أفهم أن أعضاء الجمعية الوطنية يناقشون كيف سيشرفون على هذه الأصول الخارجية».