هل أصبحت الأسلحة المُحَرّمة... غير مُحَرّمة؟

تداولت بعض المواقع الإلكترونية والصحف ومنظمات حقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية خلال الأيام القليلة الماضية أنباء مصورة عن استخدام قوات أمنية، قيل إنها مجهولة أو إيرانية، أسلحة مُحَرّمة دولياً في قتل وجرح وخنق متظاهرين عراقيين سلميين كثيرين.
والأشد قسوة أن عبوات الأسلحة المُحَرّمة كانت منتهية الصلاحية، وخاصة القذائف المسيلة للدموع، ما أدى إلى إصابة الضحايا بالتسمم الغازي وشلل الأعصاب والحواس.
وقد نفت حكومة عادل عبد المهدي أن تكون القوات الأمنية الحكومية ضربت المتظاهرين بقذائف قاتلة أو مسمومة، وقال إنها تستخدم نفس القنابل التي تضرب بها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا المتظاهرين! بينما عرضت القنوات التلفزيونية العربية والأجنبية ومواقع التواصل الاجتماعي مئات الفيديوهات عن إطلاق القوات النظامية في مواقع مختلفة قنابل وعبوات قاتلة موجهة إلى رؤوس وصدور الضحايا، وشوهد دخان كثيف يخرج من أذن وعيون وأنوف وأفواه المصابين قبل وبعد وفاتهم الفورية.
وليس من المعقول أن تكونَ الحكومة لا تعرف من هي القوات التي تطلق هذه القنابل والعبوات السامة التي تنهال بلا توقف على الشباب والفتيان في ساحتي التحرير والطيران وجسور الجمهورية والسنك والأحرار والساحات الرئيسية في المدن الجنوبية، مثل الناصرية وكربلاء والبصرة وغيرها. وحتى لو كان الجنود الذين يطلقون تلك القذائف المُحَرّمة دولياً من الميليشيات وألوية الحشد الشعبي الموالية لإيران، فإن رئيس مجلس الوزراء هو القائد الأعلى للقوات المسلحة العراقية.
كانت قد ترددت أنباء غير مؤكدة عن أن مصدر هذه القذائف بعض دول أوروبا الشرقية، لكن الوقائع المؤكدة أن معظمها صناعة إيرانية. وأكدت هذا الاتهام منظمة العفو الدولية بناء على معلومات جديدة حول «القنابل الفتاكة» التي تطلقها القوات الأمنية، وخاصة قوات مكافحة الشغب المرتبطة مباشرة برئيس مجلس الوزراء. وأشار تحديث جديد على تقرير سابق للمنظمة أنها أجرت مزيداً من الأبحاث حول القنابل الدخانية التي يبلغ حجمها 40 ملم والتي قتلت مئات المحتجين في الأسابيع الأخيرة في بغداد والبصرة. وأظهرت الأبحاث أن جزءاً كبيراً منها وخاصة القنابل المسيلة للدموع من نوع M651 وقنابل الدخان M713 من إنتاج مؤسسة الصناعات الدفاعية الإيرانية. وقالت منظمة العفو الدولية إنها تأكدت من «اختراق هذه القنابل جماجم رجال أسقطتهم على الأرض». ونقلت المنظمة عن طبيب في مستشفى قريب من ساحة التحرير أنه يستقبل يومياً ما لا يقل عن ستة مصابين في الرأس بهذه القنابل المُحَرّمة.
هناك قناعة تامة لدى الشعب العراقي، والمتظاهرين، والناشطين والسياسيين والمنظمات القانونية غير الحكومية، باستخدام النظام الإيراني والميليشيات العراقية المرتبطة به التي اجتمع بقادتها قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني عدة مرات في بغداد، أسلحة مُحَرّمة في هجمات غير مبررة ويومية على المتظاهرين السلميين في ساحات وجسور بغداد، وكذلك في المحافظات الجنوبية البصرة والناصرية والديوانية والعمارة والحلة وكربلاء وحتى النجف التي تقيم فيها مرجعية السيستاني.
إلى جانب ذلك فإن المدن العراقية عرفت في هذه المظاهرات، لأول مرة في تاريخ العراق الحديث عمليات قنص المتظاهرين من أسطح العمارات، ولم تكن هذه الجرائم تُميز بين الرجال والنساء، وأغلب القنص أدى إلى وفاة الضحايا على الفور. ولجأت هذه القوات والميليشيات إلى زج عناصرها بملابس مدنية وسط المتظاهرين لتهديد الناشطين والفتك بهم أو اختطافهم بعد مغادرتهم ساحات التظاهر، كما حدث مع الناشطة الطبيبة صبا المهداوي التي تمَّت متابعتها من ساحة التحرير إلى أمام باب بيتها واختطافها من سيارتها إلى جهة مجهولة على أيدي عصابات الميليشيات المنفلتة، التي يشارك قادتها الموالون لإيران في العملية السياسية ومجلس النواب ومجلس الوزراء.
وهكذا فإن قادة الحرس الثوري الإيراني مارسوا المهمة التي تم إعدادهم لها، وهي تصدير الثورة الطائفية الإيرانية والتدخل في الشؤون الداخلية العراقية، كما فعلوا في لبنان وسوريا واليمن أيضاً. ولم تتردد القناة الفضائية الحكومية في عرض صور اجتماعات هؤلاء القادة الإيرانيين مع أقرانهم العراقيين وزعماء الميليشيات في المنطقة الخضراء، واتخاذ جملة من القرارات الصعبة التي حددها لهم قاسم سليماني في الإجهاز على المظاهرات وتصفية الناشطين بأسرع وقت ممكن فوق الجسور وفي الساحات مهما كان الثمن، كما أكدت منظمة العفو الدولية. ومن لم يلق حتفه من المتظاهرين بالقنابل المسيلة للدموع، اختنق بغاز «السارين» وأنواع أخرى من الغازات السامة التي تُسبب ضيقاً في التنفس وتشنجات عضلية وغثياناً والتقيؤ واحمرار الجلد واحتراقه وفقدان البصر لبعض الوقت، وتعرقاً شديداً وأعراضاً أخرى مؤلمة.
والأنكى من ذلك، أن مسؤولاً عسكرياً كبيراً ظهر في التلفزيون ليخبرنا أنه تم تشكيل لجنة لفحص عبوات الغاز المسيلة للدموع للتأكد من محتوياتها التي يُفترض، كما قال، أنها مجرد دخان ورذاذ فلفل!
ومعظم هذه الأسلحة الفتاكة إيرانية الصنع، كما أكدت منظمة العفو الدولية.
لقد تطورت «الهدايا» بين بعض الدول من إرسال وتجهيز إرهابيين مثل «داعش» وفيلق القدس والميليشيات العراقية والسورية واللبنانية واليمنية الموالية لولي الفقيه خامنئي إلى أسلحة مُحَرّمة، يتم استخدامها علناً أمام كاميرات الهواتف للفتك بالمتظاهرين المدنيين العزل. وهو أمر يذكرني بما فعله الرئيس الكوبي الراحل فيديل كاسترو قبل أكثر من أربعين عاماً حين أهدى الحكومة العراقية مخططاً لسجنٍ نموذجي للمعارضين. وتم تشييده فعلاً وحمل اسم «سجن الحاكمية» التابع للمخابرات العامة، وكنتُ ضيفاً عليه في يوم من الأيام... ويا ليت تعود تلك الأيام!