ما هي المخاطر الصحية للتوسع في شبكة اتصالات الجيل الخامس؟

باشر عدد من الدول توفير خدمات شبكة اتصالات الجيل الخامس المعروفة بـ«5 جي» أو«5G» وسط منافسة عالمية على نشرها. ويترافق هذا التطور مع تحذيرات صحية كثيرة ومخاوف من تأثيرات سلبية لانتشار هذه الشبكة.
وبدأت الولايات المتحدة نشر شبكة الجيل الخامس في بعض المدن. وفي أوروبا، باتت سويسرا وفنلندا وإستونيا وموناكو أول من بدأ بنشر شبكة الجيل الخامس، في حين قدمت ألمانيا للمشغلين الترددات الضرورية لذلك، وستحذو حذوها.
أما الصين، فبدأت توفير خدمات الجيل الخامس منذ الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) في خمسين مدينة بينها بكين وشنغهاي، كما أعلنت كوريا الجنوبية في أبريل (نيسان) تغطية شاملة لأراضيها.
وتشكل تكنولوجيا شبكة الجيل الخامس ثورة هائلة في عالم الاتصالات. فهي ستوفر سرعة فائقة في نقل البيانات بالمقارنة مع تكنولوجيا الجيل الرابع الحالية، مما سيتيح وصولاً أسرع إلى المحتويات مع إمكان نقل مليارات البيانات من دون عرقلة.
وستسمح تكنولوجيا الجيل الخامس بالربط بين الأجهزة الإلكترونية على أنواعها، مما يسهم في انتشار تقنيات المستقبل على نطاق أوسع كالسيارات ذاتية القيادة والمصانع المشغلة آلياً والعمليات الجراحية من بعد والروبوتات الذكية، وغيرها، حسب ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.
وبهدف زيادة حجم البيانات المتداولة، تستخدم شبكة الجيل الخامس نطاق ترددات أعلى من تلك المستخدمة في شبكة الهواتف الخليوية الحالية. وكلما علت الترددات كانت الموجات أقصر. لذلك، يتطلب نشر شبكة الجيل الخامس زيادة عدد الهوائيات، مما يثير مخاوف بعض المنظمات غير الحكومية.
وأصبحت مصادر الترددات الراديوية كثيرة من حولنا: الهواتف الخليوية وحتى أجهزة التلفزيون والراديو وشبكات الإنترنت اللاسلكي (WI - FI).
ورغم أن الأبحاث لم تثبت حتى الآن أن التعرض إلى الحقول الكهرومغناطيسية المنخفضة القوة يشكل خطراً على الصحة، تشير بعض الدراسات إلى «إمكان زيادة خطر الورم الدماغي، على المدى الطويل، لدى مستخدمي الهواتف الخليوية بشكل كثيف» بحسب الوكالة الوطنية الفرنسية للأمن الصحي للغذاء والبيئة والعمل.
وهذا ما حمل الوكالة التابعة منظمة الصحة العالمية عام 2011 على تصنيف الترددات اللاسلكية بأنها «قد تكون مسرطنة للإنسان»، موصية باعتماد وسائل استخدام الهاتف بعيداً من الرأس.
وفي 2016. أعلنت الوكالة الوطنية الفرنسية للأمن الصحي للغذاء والبيئة والعمل أن موجات الأجهزة الخليوية والأجهزة اللوحية والألعاب المتصلة قد يكون لها تأثير على الوظائف الإدراكية للأولاد وعلى ذاكرتهم وقدرتهم على التركيز والتنسيق. وأوصت بالحد من تعريض الأولاد لها.
وتقول منظمة الصحة العالمية إن «الأثر البيولوجي الرئيسي للحقول الكهرومغناطيسية الناجمة عن الترددات اللاسلكية هو أثر حراري»، مما يعني ارتفاع الحرارة في المناطق المعرضة لهذه الحقول.
إلى ذلك، أوضح الخبير في الوكالة الوطنية الفرنسية للأمن الصحي للغذاء والبيئة والعمل أوليفييه ميركل أن «بعض الدراسات أشارت إلى وجود مفاعيل بيولوجية تطاول مجالات محددة كالنوم أو الضغط».
لكن تجدر الإشارة إلى أن المفاعيل البيولوجية لا تعني بالضرورة آثاراً صحية، الأمر الذي يصعب على غير المتخصصين تمييزه. فالآثار البيولوجية هي إشارة إلى أن الجسم يتأقلم مع تغيرات بيئته.
ويشرح الباحث إبراهيم سلماوي من المعهد الفرنسي للبيئة الصناعية والمخاطر أن «الإجهاد مثلاً يرفع نسبة الأدرينالين، والجهد الجسدي يرفع حرارة الجسم، وهذا رد فعل فيسيولوجي طبيعي».
وتنحصر المسألة تالياً في معرفة ما إذا كان تراكم الآثار البيولوجية يفوق قدرة جسم الإنسان على التأقلم، الأمر الذي قد تكون له حينها عواقب على صحة الإنسان.
ويقول أوليفييه ميركل إن نطاق الترددات المعتمدة لبدء نشر شبكة الجيل الخامس، أي نحو 3.5 غيغاهرتز، «قريب جداً من تلك المستخدمة حالياً لشبكة الجيل الرابع أو شبكة الإنترنت اللاسلكية (واي فاي)». وبالتالي، فإن ذلك لا يغير بشكل جذري الأسئلة العلمية المطروحة حولها.
إلا أن الأمر سيختلف مع تغير النطاق لاحقاً ليصل إلى 26 غيغاهرتز (وهذا ما يطلق عليه اسم شبكة الجيل الخامس الميليمترية). ويقول ميركل بهذا الصدد إنه «اعتباراً من 10 غيغاهرتز، لا تدخل الطاقة الكهرومغناطيسية عملياً إلى الجسم بل تتركز على مستوى البشرة: ويطرح ذلك أسئلة مختلفة لناحية الآثار المحتملة على الصحة».
والمعلومات عن هذه المسائل غير وافية في الوقت الحاضر.
وفي عام 2012. قامت الوكالة الوطنية الفرنسية للأمن الصحي للغذاء والبيئة والعمل بتقييم الأجهزة المُستخدمة في المطارات والتي تعمل بالموجات الملليمترية، فكانت الخلاصة أن «هذا النوع من الماسحات لا يشكل خطراً على صحة الإنسان».
ولكن الموجات وإن تشابهت من حيث النوع، فهي تختلف لناحية استخدامها. فمع الانتقال إلى الجيل الخامس، سيكون تعرض الناس للموجات على نطاق أوسع بكثير.
وبحسب أوليفييه ميركل، تستعد الوكالة الوطنية الفرنسية للأمن الصحي للغذاء والبيئة والعمل لمباشرة دراسة تحليلية حول الآثار المحددة التي قد تتأتى من إشارات شبكة الجيل الخامس على الإنسان، تأمل في إتمامها بحلول نهاية 2020.