أزمة مالية تغلق السلالم الكهربائية للأمم المتحدة وتنغص على الصحافيين

يظهر شريط أصفر مشدود على مداخل بعض السلالم الكهربائية في مقر الأمم المتحدة بمدينة نيويورك، ولافتة مكتوب عليها «خارج نطاق الخدمة».
قد لا يبدو هذا العدد القليل من السلالم المتحركة التي جرى إغلاقها أمرا مهما، ولكنه يرمز إلى حدة الأزمة المالية التي تواجهها المنظمة الدولية في الوقت الحالي، إذ لم تسدد عشرات الدول الأعضاء مستحقاتها السنوية للمنظمة الدولية حتى الآن.
وينقل تقرير موسع نشرته وكالة الأنباء الألمانية أن إغلاق السلالم المتحركة يمثل أحد إجراءات الترشيد التي لجأت إليها الأمم المتحدة في وجه الأزمة الراهنة التي وصفها الأمين العام للمنظمة أنطونيو غوتيريش بأنها «أسوأ أزمة نقدية تواجهها الأمم المتحدة منذ نحو عقد من الزمن».
ويذهب التقرير إلى أن بعض الصحافيين يساورهم شك في أن الأمم المتحدة تنغص عليهم حياتهم، لتدفعهم إلى الكتابة عن المستحقات المتأخرة للدول الأعضاء في تقاريرهم، وهذه الحيلة تؤتي ثمارها حاليا، وفقا للتقرير.
ويبدو أن هذه الخطوات تستهدف الصحافيين بالدرجة الأولى لأنها تنغص عليهم، فهم عادة ما يصلون إلى مكاتبهم في الطوابق السفلية بمقر الأمم المتحدة، عبر السلالم المتحركة. وفي الوقت الحالي، يجد هؤلاء أنفسهم مجبرين على استخدام السلم العادي أو المصاعد المزدحمة.
وأثيرت قضية «السلالم الكهربائية» مرارا وتكرارا في جلسات الإيجاز الصحافي التي تعقد ظهر كل يوم، والتي عادة ما تشكل منتدى لتناول الأزمات في العراق أو اليمن أو السودان.
وفي معرض رده على سؤال بشأن عدم السماح لموظفي المنظمة بالسير على السلالم الكهربائية حتى وهي متوقفة، حذر ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، وهو بالكاد يكتم ابتسامة، من الخطر الذي تمثله درجات السلم المرتفعة وزواياها «المعدنية والحادة للغاية».
وقال مراسل صحافي إنه يجرى استخدام الأغنام لتقليم العشب في مروج مكتب الأمم المتحدة في جنيف، وتساءل هل تبحث المنظمة استخدامها لنفس الغرض في نيويورك، بغرض توفير النفقات. أجاب دوجاريك: «من الممكن أن نتحدث إلى أصدقائنا في البعثة الدائمة لنيوزيلندا، لنرى ما إذا كان لديهم ما يقدمونه».
وتوقفت الأمم المتحدة عن تعيين موظفين جدد، وخفضت أعداد السفريات الرسمية، كما ألغت الاجتماعات خارج ساعات الدوام، بالإضافة إلى تقليص التدفئة وتكييف الهواء.
والسبب وراء هذه الأزمة هو أن 134 دولة فقط من إجمالي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، 193 دولة، هي التي سددت المستحقات الواجبة عليها للمنظمة الدولية للعام الجاري. وقد نجم عن ذلك عجز وصلت قيمته إلى 1.2 مليار دولار.
وأكثر الدول المدينة للمنظمة هي الولايات المتحدة، والبرازيل وإيران وإسرائيل. وهذه ليست المرة الأولى التي تواجه فيها الأمم المتحدة، التي لا تستطيع أن تقترض أموالا، عجزا قرب نهاية العام.
وعادة ما تسدد الولايات المتحدة مستحقات المنظمة في شهر نوفمبر (تشرين الثاني). ووفقا لصحيفة «نيويورك تايمز» تقترب كامل مديونية واشنطن للأمم المتحدة من 100 مليون دولار، مستحقة عن السنة الجارية وسنوات سابقة.
وفي ردة فعل على أنباء الأزمة المالية للأمم المتحدة، غرد الرئيس الأميركي دونالد ترمب على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»: «اجعلوا جميع الدول الأعضاء تدفع (مستحقاتها)، وليس فقط الولايات المتحدة!».
ويفاقم تأخر دول أخرى في تسديد مساهماتها على نحو متزايد، من العجز المالي الذي تواجهه المنظمة.
ووفقا لما ذكره ريتشارد جوان وهو خبير في شؤون الأمم المتحدة في «مجموعة الأزمات الدولية»، فإن الأزمة المالية ليست سببا يدعو إلى الخوف على مستقبل المنظمة الدولية. جوان يعلل ذلك بالقول: «حتى الولايات المتحدة سوف تفي بمعظم التزاماتها المالية للعام الجاري في نهاية المطاف»، مضيفا أن «الأمم المتحدة تواجه مشكلة سيولة أكثر منها أزمة مالية مكتملة الأركان».
وقد تبدو الإجراءات التقشفية التي اتخذتها الأمم المتحدة متواضعة، بالنظر إلى أن المنظمة لديها آلاف الموظفين وشبكة مكاتب عالمية. وقال متحدث أممي للصحافيين إن إيقاف السلالم الكهربائية أدى إلى توفير 14 ألف دولار سنويا، بواقع 38 دولارا يوميا.
وتبقى مروج العشب الأممي بلا أغنام، في الوقت الذي وصل فيه أمر السلالم الكهربائية إلى طريق مسدود، ولم تنته أزمة التدفق النقدي للأمم المتحدة.