أرضية زجاجية ومرافق جديدة للطابق الأول من برج «إيفل»

تسمح بوصول المعاقين وتتيح للزائر رؤية نهر السين تحت قدميه

 أعمال استمرت أكثر من 18 شهرا لتجديد وتطوير برج {إيفل} (أ.ف.ب)
أعمال استمرت أكثر من 18 شهرا لتجديد وتطوير برج {إيفل} (أ.ف.ب)
TT

أرضية زجاجية ومرافق جديدة للطابق الأول من برج «إيفل»

 أعمال استمرت أكثر من 18 شهرا لتجديد وتطوير برج {إيفل} (أ.ف.ب)
أعمال استمرت أكثر من 18 شهرا لتجديد وتطوير برج {إيفل} (أ.ف.ب)

إنها المرة الثالثة التي تخضع فيها «سيدة باريس الحديدية» لتحويرات داخلية منذ انتصابها على الضفة اليسرى لنهر «السين» في عام 1889. فقد دشنت عمدة باريس، آن هيدالغو، الأرضية الزجاجية الجديدة للطابق الأول من برج «إيفل» بعد أشغال استمرت لأكثر من سنة ونصف السنة وأشرف عليها المهندس الفرنسي ألان مواتي. ومن المتوقع، هذا العام، أن يصل عدد زوار البرج إلى 7 ملايين شخص. وبهذا يكون واحدا من أكثر الصروح السياحية جاذبية في العالم. وبالإضافة إلى الأرضية الزجاجية المثيرة التي تتيح رؤية مميزة لنهر «السين» والفضاء الواقع تحت البرج، شملت الورشة إنشاء أقسام جديدة أكثر مراعاة للبيئة، مع تسهيلات لمرور الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة.
بلدية باريس، مالكة الموقع، أرادت إضفاء طابع حداثي على الطابق الأول الذي كان أقل طوابق البرج جمالا وإقبالا من السياح. وحسب الأرقام، فإن نسبة تقل عن النصف منهم تتوقف في هذا الطابق وهي في طريق الارتقاء إلى الثاني. لذلك عمد المصممون إلى أسلوب الشفافية في المواد المستخدمة لمعادلة ثقل الهيكل الحديدي التاريخي وكثافته. ومن أبرز ما تلاحظه العين أن جانبا من الأرضية قد شيّد من زجاج سميك يشف عن منظر قاعدة البرج بأقدامها الأربع الضخمة. وتنتهي الأطراف المطلة على الخارج بأسيجة من الزجاج أيضا، تمنح الزائر إحساسا بأنه يحلق فوق باريس. وقد أوضح مهندس الأشغال أنه أراد أن يترك قلب البرج فارغا مثل فضاء شفاف معلق على ارتفاع 57 مترا عن أرض المدينة. تمت إزالة قاعة المرايا التي تعود لثمانينات القرن الماضي لتأخذ أشكالا مستحدثة مكانها، ذات جوانب زجاجية مائلة مدهونة بلون بني يميل إلى الأحمر، وهو اللون الأصلي للبرج. وقد تكلفت ورشة التصليحات 30 مليون يورو لم تتحمل الميزانية السنوية لبلدية باريس شيئا منها بل تركتها على عاتق الشركة المكلفة بإدارة برج «إيفل» واستثماره. ومن المقرر أن تستقبل صالة «إيفل» الجديدة، وهي أحد الجناحين في الطابق الأول، عروضا فنية وحفلات استقبال تتسع لـ300 شخص. أما صالة «فيرييه» المقابلة لها فقد خصصت لمقهى ومتحف وعدد من الدكاكين التجارية ونقاط الوجبات السريعة. وكانت الشركة قد عمدت، في الشتاء الماضي، إلى إقامة فضاء للتزحلق على الجليد في الطابق الأول منه.
أثناء حفل التدشين، أول من أمس، قالت عمدة باريس: «يتناهى إلى مسامعي أن عاصمتنا فقدت شيئا من عظمتها وجاذبيتها، وهذا غير صحيح فنحن مدينة جذابة وقادرة على الابتكار من دون تهشيم تاريخنا».
وكان انتخاب هيدالغو كأول امرأة تتولى رئاسة بلدية باريس، قد توافق مع احتفال الباريسيين بذكرى مرور قرن وربع القرن على تشييد برج «إيفل»، المعروف بلقب «السيدة الحديدية» الشاهقة التي صممها المهندس غوستاف إيفل وما زالت تحتل موقعها كنجمة بين أبراج العالم والصروح التي يدفع الزائر رسما للدخول إليها.
خلال الحفل، تحاشى بعض المدعوين السير فوق القاعدة الزجاجية لما تشكله من رهبة، وظلوا في الفسحة المحيطة بها، بينما غامر آخرون بالدخول إليها والتمتع برؤية عميقة لنهر «السين» وأنحاء مدينة باريس، تحت القدمين. وأوضح برنار غوديليار، رئيس جمعية استثمار برج إيفل (التي تملك بلدية باريس 60 في المائة من أسهمها) أن الورشة استهدفت تحقيق 5 تحسينات تتعلق بانسيابية مرور الزوار، وتشجيع التوقف في الطابق الأول، وتحديث الأجنحة داخل البرج، وتطوير المحتويات البصرية، وفتح الطابق بأكمله لدخول معاقي الحركة، وتخفيف استهلاك هذا الصرح للطاقة. واختصرت رئيسة بلدية باريس هذه الأهداف بقولها للصحافيين «لقد أدخلنا البرج إلى القرن الحادي والعشرين»، واعدة بابتكارات أخرى في السنوات المقبلة. ووفق أعمال التحديث، ستسمح 4 ألواح شمسية بمساحة إجمالية تبلغ 10 أمتار مربعة، توفير ما يقارب نصف حاجات صالتي «فيرييه» و«إيفل» من المياه الساخنة، كما استحدث خزان لمياه الأمطار كبديل عن المياه الحالية تحت جناح «فيرييه» لمد أنظمة الصرف الصحي، بالإضافة إلى مروحتي رياح صغيرتين، لم توضعا بعد، لكنهما ستسمحان بعد الانتهاء منهما بإنتاج ما يقارب 10 آلاف كيلوواط من الكهرباء سنويا.
ومثل كل المواقع الشهيرة والتاريخية فإن للبرج سجله الذهبي الحافل بأسماء المشاهير الذين ارتقوا طوابقه في أشهره الأولى، وبينهم العائلة المالكة البريطانية التي كان أفرادها من أوائل المدعوين لمشاهدته، وكذلك بافالو بيل، الشخصية الأسطورية في مغامرات البحث عن الذهب في القرن الماضي. وكان بافالو مارا بباريس مع فرقته المسرحية عند افتتاح برج «إيفل» الذي صار رمزا لباريس، بارتفاعه الذي يبلغ 324 مترا. وقد اشتغل في بنائه 300 عامل.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».