كاتبتان ضمن القائمة القصيرة لجائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية

الكاتبة الفلسطينية شيخة حسين حليوى
الكاتبة الفلسطينية شيخة حسين حليوى
TT

كاتبتان ضمن القائمة القصيرة لجائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية

الكاتبة الفلسطينية شيخة حسين حليوى
الكاتبة الفلسطينية شيخة حسين حليوى

أعلنت جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية في الكويت، أمس الأحد، القائمة القصيرة لدورتها الرابعة، وضمت خمس مجموعات قصصية من السعودية وتونس وسلطنة عمان وفلسطين ومصر.
وشملت القائمة: «احتراق الرغيف» للسعودية وفاء الحربي، و«الساعة الأخيرة» للتونسي سفيان رجب، و«صرخة مونش» للعماني محمود الرحبي، و«الطلبية سي 345» للفلسطينية شيخة حسين حليوي، و«مدن تأكل نفسها» للمصري شريف صالح.
وقالت جامعة «الشرق الأوسط الأميركية» في الكويت (إيه يو إم) راعية الجائزة، في بيان، إن 209 مجموعات قصصية تقدمت للمنافسة على الجائزة هذا العام، واختيرت منها 10 مجموعات للقائمة الطويلة، قبل أن يصل منها 5 فقط للقائمة القصيرة.
وتشكلت لجنة التحكيم، برئاسة المترجم الإسباني لويس ميجيل كانيادا، وعضوية كل من الناقد المصري سعيد الوكيل، والناقد المغربي عبد الرزاق المصباحي، والكاتب والناقد الأردني رامي أبو شهاب، والكاتبة الكويتية باسمة العنزي.
يقام حفل إعلان المجموعة القصصية الفائزة في الأسبوع الأول من ديسمبر (كانون الأول).
ويحصل الفائز على 20 ألف دولار، فيما تعد أعلى قيمة مالية لجائزة عربية بمجال القصة، بينما يحصل كل كاتب وصل إلى القائمة القصيرة على خمسة آلاف دولار.
وقالت لجنة التحكيم إنها أخذت في الاعتبار «القواعد الأساسية للجائزة التي تتوافق مع رؤية الجائزة، وأبرزها الشفافية والنزاهة والموضوعية».
وتمثل عوالم مجموعة «احتراق الرغيف» للكاتبة السعودية وفاء الحربي نمط كتابة جديداً، يلتقط اليومي والعادي، ويحيله بلغة رشيقة - لماحة إلى مشاهد غرائبية. إضافة إلى قدرة الكاتبة على رصد العلاقات الأسرية بكل تعقيداتها، وابتكار المفارقات واستدعاء الحس الساخر عندما يلزم الأمر.
أما مجموعة «الساعة الأخيرة»، للكاتب التونسي سفيان رجب، فهي مجموعة لافتة من حيث الأسلوب واللغة، وتوفير مضامين متنوعة يطرحها الكاتب بقصص لا تتوقف عند حبكة أو فضاء واحد. فالكاتب ينوع رؤاه، ويتناول قضاياه من عدة زوايا، مستخدماً الإطار الرمزي، في أساليب سردية مختلفة تتناسب مع كل قصة. لغة المجموعة متماسكة، بقدر من الرهافة والسعي إلى التجريب والمغامرة، وبما يعكس ثقافة إنسانية تتيح مجالاً أرحب للتأويل، بقضايا محلية، أو التأمل في قضايا سياسية أو تاريخية أو حضارية.
وتنطوي مجموعة «صرخة مونش»، للكاتب العُماني محمود الرحبي، على لغة قصصية بسيطة، وحميمية، وبنزعة إمتاع واضحة، نظراً لما تتميز به من طرافة، وموضوعات ذات طابع اجتماعي يهدف إلى استلهام الثقافة العمانية وتحولاتها، وصيغها. ويتسم عالم المجموعة بالغنى من حيث جمعه الموفق بين العبارات الفصيحة، والمفردات العمانية المحلية في النسق العربي الفصيح. كما أن تناول ثيمة الطفولة وذكرياتها تحوّل لمادة حكائية تشع بالتفاصيل.
كما تتميز مجموعة «الطلبية C345»، للكاتبة الفلسطينية شيخة حسين حليوي بتعدد حبكاتها، وطرقها لقضايا وموضوعات إنسانية وفلسفية عابرة للثيمات، بلغة واضحة ودلالات موحية، وغنى بالتقنيات السردية، التي تمرق بتوقع القارئ عبر الالتباس والتمويه. وتعتمد المجموعة المفارقة أداة لتحقيق نوع من التنوير، أو مفاجأة القارئ، بوجود نزعات أو رؤى فلسفية لافتة.
وتستثمر مجموعة «مدن تأكل نفسها» للكاتب المصري شريف صالح في التراث الثقافي استثماراً رشيداً، في نص قصصي مبني بإحكام، يستخدم لغة مليئة بالسخرية التي تناسب نقد الواقع وتلقي الناس إياه، وقصص المجموعة ذات نفس روائي، فهي رغم اعتمادها على الذات السردية الواحدة، الشخصية المركزية، فإنها تركّز على شخصيات أخرى عبر رصد حالها وتحولاتها.



رحلة مع الشعر عبر الأزمنة والأمكنة

رحلة مع الشعر عبر الأزمنة والأمكنة
TT

رحلة مع الشعر عبر الأزمنة والأمكنة

رحلة مع الشعر عبر الأزمنة والأمكنة

ليس أكثر من قصائد الشعر بمختلف اللغات وفي شتى العصور، ولكن ما عسى الشعر أن يكون؟ يقول جون كاري (John Carey) أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة أوكسفورد في كتابه «الشعر: تاريخ وجيز» (A Little History of Poetry)، (مطبعة جامعة ييل، نيوهفن ولندن، 2020) إن «صلة الشعر باللغة كصلة الموسيقى بالضوضاء. فالشعر لغة مستخدمة على نحوٍ خاص، يجعلنا نتذكر كلماته ونثمنها». وكتاب كاري الذي نعرضه هنا موضوعه أشعار عاشت على الزمن منذ ملحمة جلجامش البابلية في الألفية الثالثة ق.م وملحمتي هوميروس «الإلياذة» و«الأوديسة» في القرن الثامن ق.م حتى شعراء عصرنا مثل الشاعر الآيرلندي شيمس هيني (تُوفي في 2013) والشاعرة الأفرو - أميركية مايا أنجيلو (توفيت في 2014) والشاعر الأسترالي لس مري (توفي في 2019).

ليس الشعر كما يظن كثيرون خيالاً منقطع الصلة بالواقع أو تهويماً في عالم أثيري عديم الجذور. إنه كما يوضح كاري مشتبك بالأسطورة والحرب والحب والعلم والدين والثورة والسياسة والأسفار. فالشعر ساحة لقاء بين الشرق والغرب، ومجال للبوح الاعترافي، ومراوحة بين قطبي الكلاسية والرومانسية، وأداة للنقد الاجتماعي، ومعالجة لقضايا الجنس والعرق والطبقة. إنه كلمات يختارها الشاعر من محيط اللغة الواسع ويرتبها في نسق معين يخاطب العقل والوجدان والحواس. فالشعراء كما تقول الشاعرة الأميركية ميريان مور يقدمون «حدائق خيالية بها ضفادع حقيقية».

وتعتبر الشاعرة اليونانية سافو (630 ق.م-570 ق.م) من جزيرة لسبوس أول شاعرة امرأة وصلت إلينا أشعارها في هيئة شذرات (القصيدة الوحيدة التي وصلت إلينا منها كاملة عنوانها «أنشودة إلى أفروديتي» ربة الحب). المحبوبة في قصائدها تفاحة حمراء ناضجة في شجرة عالية بعيدة المنال. أو هي زهرة جبلية يطأها الرعاة الأجلاف بأقدامهم فتترك أثراً أرجوانياً على الأرض. وفى قصيدتها المعروفة باسم «الشذرة 31» ترى صديقة لها تتحدث مع رجل وتضاحكه فتتولاها الغيرة ويثب قلبها في صدرها وتشعر كأن ناراً ترعى في بدنها فتعجز عن الكلام وتغيم عيناها وترتعد فرائصها (للدكتور عبد الغفار مكاوي كتاب صغير جميل عن «سافو شاعرة الحب والجمال عند اليونان»، دار المعارف، القاهرة).

والشعر مشتبك بالدين كما هو الحال في غزليات الشاعر الفارسي حافظ الشيرازي (من القرن الرابع عشر الميلادي) الذي لا نعرف الكثير عن حياته. نعرف فقط أنه حفظ القرآن الكريم في طفولته واشتغل خبازاً قبل أن يغدو من شعراء البلاط ودرس الصوفية على يدي أحد أقطابها. وهو يستخدم صور الحب والخمر كما يفعل المتصوفة رمزاً إلى الحب الإلهي والوجد الصوفي والنشوة الروحية المجاوزة للحواس. وقد غدت قصائده من كنوز اللغة الفارسية، ودخلت بعض أبياته الأمثال الشعبية والأقوال الحكمية، ولا يكاد بيت إيراني يخلو من ديوانه.

كذلك نجد أن الشعر يشتبك بكيمياء اللغة وقدرتها على الإيحاء ومجاوزة الواقع دون فقدان للصلة به. يتجلى هذا على أوضح الأنحاء في عمل الشاعر الرمزي الفرنسي أرتور رامبو من القرن التاسع عشر. فعن طريق تشويش الحواس والخلط بين معطياتها يغدو الشاعر رائياً يرى ما لا يراه غيره وسيتكشف آفاق المجهول. فعل رامبو هذا قبل أن يبلغ التاسعة عشرة من العمر، وذلك في قصائده «السفينة النشوى» (بترجمة ماهر البطوطي) و«فصل في الجحيم» (ترجمها الفنان التشكيلي رمسيس يونان) و«اللوحات الملونة» أو «الإشراقات» (ترجمها رفعت سلام). وبهذه القصائد غدا رامبو - ومعه لوتريامون صاحب ديوان «أغاني مالدورور» - أباً للسريالية في العقود الأولى من القرن العشرين.

والشعر مشتبك بالسياسة خاصة في عصرنا الذي شهد حربين عالميتين وحروباً محلية وصراعات آيديولوجية ما بين نازية وفاشية وشيوعية وليبرالية وديمقراطية وأصولية دينية، كما شهد المحرقة النازية وإلقاء أول قنبلتين ذريتين على هيروشيما وناجازاكي. وممن عاشوا أزمات هذا العصر الشاعر التشيكي ياروسلاف سيفرت (1986-1901) الحائز جائزة نوبل للأدب في 1984. إنه في ديوانه المسمى «إكليل من السوناتات» (1956) يخاطب مدينته براغ التي أحالتها الحرب العالمية الثانية إلى ركام معبراً عن حبه لها وولائه لوطنه. وشعر سيفرت يقوم على استخدام المجاز. وقد جاء في حيثيات منحه جائزة نوبل أن شعره الذي يمتاز بالوضوح والموسيقية والصور الحسية يجسد تماهيه العميق مع بلده وشعبه.

ومن خلال الترجمة يتمكن الشعر من عبور المسافات وإقامة الجسور وإلغاء البعد الزمني، وذلك متى توافر له المترجم الموهوب القادر على نقل روح القصيدة ونصها. هذا ما فعله المترجم الإنجليزي آرثر ويلي (توفي في 1966) الذي نقل إلى الإنجليزية كثيراً من الآثار الشعرية والروائية والمسرحية الصينية واليابانية.

ومن أمثلة ترجماته هذه القصيدة القصيرة من تأليف الإمبراطور الصيني وو-تي (القرن الأول ق.م) وفيها يرثي حبيبته الراحلة:

لقد توقف حفيف تنورتها الحريرية.

وعلى الرصيف الرخامي ينمو التراب.

غرفتها الخالية باردة ساكنة.

وأوراق الشجر الساقطة قد تكوّمت عند الأبواب.

وإذ أتوق إلى تلك السيدة الحلوة

كيف يتسنى لي أن أحمل قلبي المتوجع على السكينة؟

ويختم جون كاري هذه السياحة في آفاق الشعر العالمي، قديماً وحديثاً، شرقاً وغرباً، بقوله إن الإنسان هو الكائن الوحيد القادر على طرح الأسئلة على الكون، بغية إدراك معنى الوجود، أسئلة لا تجد إجابة في الغالب، ولكن هذا التساؤل - من جانب الفيلسوف والعالم والشاعر - يمثل مجد الإنسان ومأساته معاً.