اللجنة الدستورية تحقق «اختراقين» رغم «الخلافات وانعدام الثقة»

بيدرسن يعلن اتفاق الحكومة السورية والمعارضة على «مدونة سلوك» واللجنة المصغرة

المبعوث الأممي غير بيدرسن بين رئيسي وفدي المعارضة هادي البحرة (يمين) والحكومة أحمد الكزبري في جنيف (أ.ف.ب)
المبعوث الأممي غير بيدرسن بين رئيسي وفدي المعارضة هادي البحرة (يمين) والحكومة أحمد الكزبري في جنيف (أ.ف.ب)
TT

اللجنة الدستورية تحقق «اختراقين» رغم «الخلافات وانعدام الثقة»

المبعوث الأممي غير بيدرسن بين رئيسي وفدي المعارضة هادي البحرة (يمين) والحكومة أحمد الكزبري في جنيف (أ.ف.ب)
المبعوث الأممي غير بيدرسن بين رئيسي وفدي المعارضة هادي البحرة (يمين) والحكومة أحمد الكزبري في جنيف (أ.ف.ب)

حقق المبعوث الأممي غير بيدرسن في ختام الأسبوع الأول من اجتماعات اللجنة الدستورية السورية «اختراقين»؛ تضمنا الاتفاق على وثيقة «مدونة السلوك» يلتزم بها المشاركون، وتشكيل اللجنة المصغرة لبحث الإصلاح الدستوري، وذلك رغم «الاختلافات العميقة وانعدام الثقة» في أول اجتماع من نوعه منذ 2011.
وكان لافتاً أن خطابات وفود الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني الـ150، لم تتضمن حديثاً مباشراً على الرئيس السوري بشار الأسد. إذ ركز «وفد الحكومة»، الذي طلب أن يسمى «وفداً مدعوماً من الحكومة»، على سيادة سوريا ودعم مؤسسات الدولة والجيش مع المطالبة برفع العقوبات الغربية، في حين أشار متحدثون من المعارضة إلى أهمية الإصلاح الدستوري والتغيير وبحث المبادئ الدستورية واللامركزية.
ووصل ممثلو الأطراف الثلاثة إلى جنيف بداية الأسبوع الماضي، حيث جرت لقاءات تمهيدية من الفريق الأممي مع رئيسي وفدي الحكومة أحمد الكزبري و«هيئة التفاوض» المعارضة هادي البحرة، قبل افتتاح الاجتماعات الأربعاء بجلسة علنية جلس بيدرسن خلالها بين الكزبري والبحرة في صورة رمزية، وصف فيها الاجتماعات بأنها «لحظة تاريخية». وتركزت الاجتماعات يومي الخميس والجمعة، على فتح المجال لـ150 مشاركاً بتقديم مداخلات رسمية والاتفاق على الوثيقة واللجنة.
وقال بيدرسن في باحة الأمم المتحدة مساء الجمعة في ختام الأسبوع الأول، إن المحادثات كانت «جيدة جداً. نعلم جميعاً أنه بعد 8 سنوات ونصف السنة من النزاع، هناك اختلافات عميقة، وكثير من الشكوك وانعدام الثقة». وأضاف: «لكن حقيقة أن 150 سورياً كانوا يجلسون معاً، يحترم بعضهم بعضاً ويتحدث بعضهم مع بعض ويتناقشون وفقاً لجدول الأعمال الذي اتفقنا عليه بشأن مستقبل سوريا، أعتقد أن ذلك كان مثيراً للإعجاب».

مدونة سلوك
وكان بيدرسن عمل جاهداً لإحداث اختراق أول، تمثل بالاتفاق على «مدونة السلوك» التي أقرت سياسياً ثم إجرائياً. وتضمنت خطوات محددة لعمل اللجنة. ونصت: «يلتزم أعضاء اللجنة الدستورية باتباع المعايير المرجعية والعناصر الأساسية للائحة الداخلية والعمل في إطار اللجنة، وتجاه كل المسائل المرتبطة بها، بروح التزام وحسن نية وبشكل تعاوني من أجل إنجاز عمل اللجنة الدستورية بقيادة وملكية سورية وبتيسير من الأمم المتحدة».
وتضمنت الوثيقة، التي تسلمت «الشرق الأوسط» نسخة منها، التزام المشاركين بـ«التحاور باحترام متبادل، وفي مناخ هادئ مناسب لمناقشات بناءة وإبداء الاحترام واللباقة إزاء الأعضاء والامتناع عن الخطاب التحريضي أو الهجوم الشخصي»، إضافة إلى «احترام هيبة ووقار اللجنة، والامتناع عن أي عمل قد يضر بالأعضاء الآخرين، أو أي تصرف غير أخلاقي أو إخلال بالآداب العامة».
وفرضت على المشاركين «الامتناع عن توزيع أي وثائق أو منشورات في غرفة الاجتماعات كأوراق رسمية والامتناع عن أي فعل يمكن عدّه استفزازياً والكلام فقط عندما يتم منح الكلمة من قبل رئيس الجلسة وتوجيه الكلام إليه أو إلى اللجنة، وعدم مقاطعة أي عضو أثناء حديثه واحترام سرية مداولات اجتماعات اللجنة والامتناع عن استخدام الحسابات الشخصية على وسائط التواصل الاجتماعي، وسيلة للتواصل مع اللجنة».
كما تضمنت المدونة مهمات رئيسي الوفدين؛ بينها «رئاسة اجتماعات اللجنة بشكل مشترك مع التناوب على الإدارة الفعلية للجلسات يومياً والحرص على تعزيز المساواة في الحقوق والمشاركة الفعالة بين النساء والرجال وتعليق الاجتماعات في حالة الإخلال بنظام الجلسة، وفي حالة استمرار الإخلال ترفع الجلسة إلى يوم العمل».

اللجنة المصغرة
تمثل الاختراق الثاني بتشكيل «اللجنة المصغرة» التي تضم 45 عضواً من أصل الـ150، بحيث يكون هدفها اعتباراً من الاثنين المقبل البدء في مناقشة الدستور. وتضمنت اللجنة المصغرة 15 من كل وفد. وشملت قائمة الحكومة: أحمد عرنوس، وأحمد كزبري، وأشواق عباس، وأمجد عيسى، وأمل يازجي، وجمال قادري، وجميلة الشربحي، ودارين سليمان، ورياض طاوز، وعبد الله السيد، ومحمد أكرم العجلان، ومحمد العكام، ومحمد عصام هزيمه، ونزار السكيف، وهيثم الطاس (وهم قانونيون، ودبلوماسيون، ونواب، ونقابيون، ورجال دين). وشملت قائمة المعارضة 15 شخصاً بينهم: هادي، والبحرة، وأحمد، والعسراوي، وبسمة قضماني، وصفوان عكاش، وجمال سليمان. وكان بين الأسماء في قائمة المجتمع المدني: صباح الحلاق، وعزيز حلاج، ومازن غريبة، وميس الكريدي.
وبموجب وثيقة «القواعد الإجرائية» التي تم التوصل إليها بين الحكومة و«الهيئة» المعارضة برعاية الأمم المتحدة، ستقوم اللجنة المصغرة بإعداد وصياغة المقترحات وتقوم الهيئة الموسعة بإقرارها، «لكن يمكن عقد الهيئة الموسعة بشكل دوري أو موازٍ في الوقت الذي تواصل فيه الهيئة المصغرة أعمالها، وذلك لمناقشة وإقرار المقترحات».
ولم تحدد الأمم المتحدة إطاراً زمنياً لإنجاز عمل اللجنة. وسيحكم عمل اللجنة «التوافق» بغية تحقيق الاتفاق العام لأعضائها، الأمر الذي سيمكّن مخرجاتها من التمتع بأوسع قبول ممكن من الشعب. وستمارس اللجنة عملها وتعتمد قراراتها بالتوافق كلما أمكن، وإلا فالتصويت بـ75 في المائة. وكي لا يحصل أي لغط جرى تأكيد أن «تكون نسبة الـ75 في المائة نسبة ثابتة».
وتأمل الأمم المتحدة والقوى الدولية أن يمهّد عمل اللجنة المكلفة إجراء مراجعة للدستور، الطريق أمام تسوية أوسع للنزاع، رغم اعترافهم بأن المهمة صعبة. وبحسب «قواعد العمل»، يعود للجنة أن «تراجع دستور 2012 وأن تقوم بتعديل الدستور الحالي أو صياغة دستور جديد»، على أن يتم بموجب الدستور الجديد الذي يقرّه الشعب عبر استفتاء، إجراء انتخابات جديدة بإشراف الأمم المتحدة.
وكان رئيس النظام السوري بشار الأسد قال للتلفزيون الرسمي الخميس، إن الانتخابات «ستكون بشكل كامل من الألف إلى الياء تحت إشراف الدولة السورية». وأضاف أن الحكومة «ليست جزءاً» من مفاوضات جنيف الجارية، وأن وفد دمشق «يمثل وجهة نظر الحكومة».
وانبثقت فكرة تشكيل اللجنة عن مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي بداية العام الماضي، في إطار محادثات آستانة التي ترعاها مع إيران الداعمة بدورها لدمشق وتركيا الداعمة للمعارضة. وأكد الأسد أن «كل ما يحصل هو جزء من سوتشي»، عادّاً أن «جنيف غير موجودة».

تلاسن
ولم يخلُ اجتماع اللجنة الموسعة من تشنجات وتلاسن بين وفدي الحكومة والمعارضة جراء تباين وجهات النظر وتبادل الاتهامات، لكنهم تمكنوا من إنجاز الاختراقين السابقين. وقال الكزبري إن «الأجواء بشكل عام كانت جيدة». وآمل أن «يكون عقد الاجتماعات في دمشق»، موضحاً أن «كل من يقترب بآرائه من الفريق الوطني، سنفتح له ذراعنا، لكن البعيد عن أي من ثوابتنا الوطنية، فبالتأكيد لن نلتقي معه في أي مكان».
من جهته، شدد البحرة على أن «إجراءات بناء الثقة مهمة وأساسية للدفع بالعملية السياسية والدستورية قدماً»، معدداً من أبرزها: «وقف نار دائم وشامل في سوريا، وإطلاق سراح المعتقلين ومعرفة مصير المغيبين».
ووزع معظم ممثلي المعارضة والمجتمع المدني خطاباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، فيما اكتفى وفد الحكومة بتقديم بيانات مقتضبة بثت في «وكالة الأنباء السورية الرسمية» (سانا). وبحسب مشاركين في الاجتماعات، فإن خطابات ممثلي الحكومة تركزت على نقاط محددة، بينها: التأكيد أن الوفد ليس حكومياً، بل هو «مدعوم من الحكومة»، ما يعني أن نتائج العمل ليست ملزمة، والتأكيد على دعم الجيش العربي السوري ودوره في محاربة الإرهاب، والتمسك بمؤسسات الدولة، ووحدة سوريا وسيادتها، والدعوة لإدانة العدوان التركي، ودستور عام 2012 ممتاز وبالإمكان مناقشة تطويره. ولاحظ مشاركون عدم الإشارة المباشرة مطلقاً إلى الرئيس الأسد.
في المقابل، قدم ممثلو «هيئة التفاوض» خطابات تضمنت عناصر، بينها: الإصلاح الدستوري بوابة للإصلاح العام، ووحدة سوريا وسيادتها، والحفاظ على مؤسسات الدولة مع إصلاحها، وتوفير البيئة المحايدة، واقتراح اللامركزية، والاعتراف بمكونات الشعب السوري، واستقلال القضاء، وحيادية الجيش والأمن. كما ألقى ممثلو «الجيش الحر» في الشمال والجنوب وفصائل إسلامية أول من أمس خطابات، تضمنت الالتزام بالقرارات الشرعية الدولية والقرار 2254، ورفض الإرهاب والعلاقة مع التنظيمات الإرهابية، ثم حمل السلاح دفاعاً عن الذات والناس.



انقلابيو اليمن ينزفون جراء تصعيدهم الميداني

سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
TT

انقلابيو اليمن ينزفون جراء تصعيدهم الميداني

سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)

شيّعت جماعة الحوثيين خلال الأسبوع الماضي 17 قتيلاً من عناصرها العسكريين، الذين سقطوا على خطوط التماس مع القوات الحكومية في جبهات الساحل الغربي ومأرب وتعز والضالع، منهم 8 عناصر سقطوا خلال 3 أيام، دون الكشف عن مكان وزمان مقتلهم.

وفقاً للنسخة الحوثية من وكالة «سبأ»، شيّعت الجماعة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء كلاً من: ملازم أول رشاد محمد الرشيدي، وملازم ثانٍ هاشم الهجوه، وملازم ثانٍ محمد الحاكم.

تشييع قتلى حوثيين في ضواحي صنعاء (إعلام حوثي)

وسبق ذلك تشييع الجماعة 5 من عناصرها، وهم العقيد صالح محمد مطر، والنقيب هيمان سعيد الدرين، والمساعد أحمد علي العدار، والرائد هلال الحداد، وملازم أول ناجي دورم.

تأتي هذه الخسائر متوازية مع إقرار الجماعة خلال الشهر الماضي بخسائر كبيرة في صفوف عناصرها، ينتحل أغلبهم رتباً عسكرية مختلفة، وذلك جراء خروقها الميدانية وهجماتها المتكررة ضد مواقع القوات الحكومية في عدة جبهات.

وطبقاً لإحصائية يمنية أعدّها ونشرها موقع «يمن فيوتشر»، فقد خسرت الجماعة خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، 31 من مقاتليها، أغلبهم ضباط، سقطوا في مواجهات مع القوات الحكومية.

وشيّع الانقلابيون الحوثيون جثامين هؤلاء المقاتلين في صنعاء ومحافظة حجة، دون تحديد مكان وزمان مصرعهم.

وأكدت الإحصائية أن قتلى الجماعة خلال نوفمبر يُمثل انخفاضاً بنسبة 6 في المائة، مقارنة بالشهر السابق الذي شهد سقوط 33 مقاتلاً، ولفتت إلى أن ما نسبته 94 في المائة من إجمالي قتلى الجماعة الذين سقطوا خلال الشهر ذاته هم من القيادات الميدانية، ويحملون رتباً رفيعة، بينهم ضابط برتبة عميد، وآخر برتبة مقدم، و6 برتبة رائد، و3 برتبة نقيب، و 13 برتبة ملازم، و5 مساعدين، واثنان بلا رتب.

وكشفت الإحصائية عن أن إجمالي عدد قتلى الجماعة في 11 شهراً ماضياً بلغ 539 مقاتلاً، بينهم 494 سقطوا في مواجهات مباشرة مع القوات الحكومية، بينما قضى 45 آخرون في غارات جوية غربية.

152 قتيلاً

وتقدر مصادر عسكرية يمنية أن أكثر من 152 مقاتلاً حوثياً لقوا مصرعهم على أيدي القوات الحكومية بمختلف الجبهات خلال سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) الماضيين، منهم 85 قيادياً وعنصراً قُتلوا بضربات أميركية.

وشهد سبتمبر المنصرم تسجيل رابع أعلى معدل لقتلى الجماعة في الجبهات منذ بداية العام الحالي، إذ بلغ عددهم، وفق إحصائية محلية، نحو 46 عنصراً، معظمهم من حاملي الرتب العالية.

الحوثيون استغلوا الحرب في غزة لتجنيد عشرات الآلاف من المقاتلين (إكس)

وبحسب المصادر، تُحِيط الجماعة الحوثية خسائرها البشرية بمزيد من التكتم، خشية أن يؤدي إشاعة ذلك إلى إحجام المجندين الجدد عن الالتحاق بصفوفها.

ونتيجة سقوط مزيد من عناصر الجماعة، تشير المصادر إلى مواصلة الجماعة تعزيز جبهاتها بمقاتلين جُدد جرى استقطابهم عبر برامج التعبئة الأخيرة ذات المنحى الطائفي والدورات العسكرية، تحت مزاعم مناصرة «القضية الفلسطينية».

وكان زعيم الجماعة الحوثية أقرّ في وقت سابق بسقوط ما يزيد عن 73 قتيلاً، وإصابة 181 آخرين، بجروح منذ بدء الهجمات التي تزعم الجماعة أنها داعمة للشعب الفلسطيني.

وسبق أن رصدت تقارير يمنية مقتل نحو 917 عنصراً حوثياً في عدة جبهات خلال العام المنصرم، أغلبهم ينتحلون رتباً عسكرية متنوعة، في مواجهات مع القوات الحكومية.