«الكاب» بين الماضي والحاضر

لا يمكن الحديث عن توجهات الموضة لهذا العام من دون ذكر «الكاب»، قطعة بسيطة دخلت مع المعطف في منافسة شديدة، في المواسم الأخيرة، لا سيما أن أناقته وتبني كثير من المصممين والمحلات الشعبية له، بعد أن لقي صدى لدى الزبونات من كل الأعمار، محا بدايته وعلاقته مع الطبقات البروليتارية؛ فهو مثل المعطف الممطر، الذي أبدعه توماس بيربري منذ أكثر من قرن، لكي يقي العساكر والجنود قسوة العوامل الطبيعية في الخنادق، بدأ وظيفياً. لم يتحول إلى قطعة يتهافت عليها النجوم و«سوبرمان» وعُشّاق الموضة إلا في بداية القرن العشرين.
ورغم مرور الزمن عليه وخضوعه لعدة تغيرات وعمليات تجميل، تبقى عمليته أحد عناصر جاذبيته. فكما وُلد منذ قرون ليمنح لابسه الدفء والحماية، لا يزال كذلك إلى الآن. وحتى عندما دخل القصور والبلاطات فيما بعد، حسب صور هنري الثامن وإليزابيث الأولى وغيرهما، ظل محافظاً على هذا العنصر.
- لا يعرف أحد لحد الآن متى ظهرت هذه القطعة أول مرة، لكن أول ذكر له كان في صورة تعود إلى عام 1066. وكانت لراعٍ لفّه حول كتفيه. صورة أخرى تعود إلى القرن الثالث عشر تُظهر امرأة بـ«كاب» معقود حول ياقة فستانها. في كل هذه الصور، كان بسيطاً بتصميم دائري يقتصر على احتضان الياقة. مع الوقت تطور شكله. أصبح مفصلاً كما أدخلت عليه أقمشة أكثر ترفاً من ذي قبل مثل المخمل.
في هذه الفترة، بدأ يعكس مكانة لابسه الاجتماعية. الرهبان مثلاً أضافوا إليه قلنسوة واكتفوا به بطول معقول يتيح لهم الحركة وسرعة التنقل، بينما زينته الطبقات الحاكمة والأرستقراطية بحواشٍ من الفرو مستعملة أقمشة مثل المخمل والحرير. فضلوه أيضاً بطول يصل إلى الكاحل أو أكثر حتى يحميهم من عوامل الطبيعة، فالملكة إليزابيث الأولى مثلاً كانت تستعمله لحماية أقدامها، وعدم تعرضها للبلل، حسبما تقول الروايات المكتوبة حول بداياته.
لبسه الجنسان، ولم تستولِ عليه المرأة إلا في العهد الفيكتوري لتبدأ علاقته مع الموضة بشكل جدي، فيما بقي بالنسبة للرجل وظيفياً، يُستعمل في ميادين الحرب والثكنات العسكرية حتى بداية القرن الماضي.
وحتى تجعله المرأة ملكاً لها في حياتها العامة والخاصة على حد سواء، كان لا بد من تغيير شكله وشخصيته. في بداية العشرينات من القرن الماضي، دخل عالم الموضة من أوسع الأبواب على يد المصمم بول بواريه، الذي طرحه بشكل بيضاوي مثير للانتباه بأناقته. وجهه لمناسبات المساء والسهرة، إذ كان رفيقاً رائعاً للفساتين الفخمة والتنورات المستديرة مقارنة بالمعطف. في الثلاثينات، أصبح الخيط الفاصل بين «الكاب» والمعطف رفيعاً للغاية. فقد ظهرت قطعة هجينة بين الإثنين، أكثر تفصيلاً، تزينها ياقة مبتكرة وأزرار بعد أن كان يُعقد حول العنق فقط. أطواله بدورها تنوعت، ولم يعد مجرد قطعة وظيفية.
في الخمسينات، طرحه المصممون بتصور مختلف تماماً، واعتمدته المرأة لكي تُرسخ أسلوباً خاصّاً بها. لكن أهميته تراجعت بعد هذه الفترة، ولم يسترجعها إلا في السبعينات. لكن هذه المرة جاء على شكل «بونشو» المستوحى من أميركا الجنوبية، بفضل «الهيبيز» الذين كانوا يريدون معانقة ثقافات بعيدة. ومنذ ذلك الحين وهو الحاضر الغائب في معظم العروض والمناسبات، يغازل السوق بشكل أو بآخر، إلى أن حقنه مصمم دار «بيربري» السابق، كريستوفر بايلي، بجُرعة حداثة أعادته إلى الواجهة بشكل ألهب خيال زبونات جيل الشابات. ففي عام 2014، قدّمه على شكل «بونشو» وبحجم كبير أقرب إلى البطانية بنقشات الدار المربعة. ظهور العارضة كارا ديليفين به في العرض، ثم وهي تقود مجموعة من العارضات وراءها في لقطة الختام، جعله القطعة الأبرز في التشكيلة والأكثر انتشاراً على صفحات «إنستغرام». بين ليلة وضحاها أصبح هذا الكاب مطلب كل الفتيات، ونفذ من المحلات بسرعة. لم تتوقف قوته الجمالية عند هذا الحد، بل زادت في المواسم الأخيرة، بفضل ظهور حركة تطالب بالأناقة والعملية بكل ما تحمله من معاني الراحة. مطلب كان لا بد للمصممين من تلبيته، بدءاً من «إيرديم» إلى «ألبرتا فيريتي» مروراً بـ«فندي» و«بيربري» طبعاً و«ديور» و«جاكوموس» و«بالمان» وهلم جرا. حتى محلات «زارا» طرحته بجودة عالية وأسعار مناسبة.
الجميل في تهافت المصممين على طرحه أن كلّاً منهم قدمه بأسلوبه. جاء بعضه مطرزاً وطويلاً للمساء، وبعضه بخامات دافئة ونقشات المربعات الدارجة للنهار، كما جاء بعضه الآخر على شكل «بونشو» من الصوف. القاسم المشترك في كل هذا التنوُّع أنه يتضمن كثيراً من عناصر الإغراء بين خيوطه وخطوطه، ولم يبخل عليه أي منهم بالتفاصيل المبتكرة، سواء كانت فرواً أو جلداً أو أحجاراً.
المشكلة الوحيدة في الأمر، أن توفُّره في شوارع الموضة، وطرح محلات مثل «زارا» له بأسعار مقدور عليها جعل البعض يتمنى زوال هذه الموضة على أساس أنها أصبحت «شعبية» لا تُفرق بين أحد، بينما هنّ يردنها بعيدة المنال تُعبر عن أسلوب خاص. ومع ذلك، فإنهن لا يستطعن الاستغناء عنه، لسبب بسيط يعود إلى اتجاه آخر في هذا الموسم، ألا وهو الأكمام المنفوخة التي تجعل استعمالها مع معطف كلاسيكي بأكمام صعباً.
أجمل ما فيه تنوع خاماته وألوانه وتفاصيله. في عرض «جيفنشي» مثلاً قدمته المصممة البريطانية كلير وايت كيلر هجيناً بين تصميمه القديم والمعطف الممطر، وفي عرض «إيرديم» جاء مُطعماً بأسلوبه الخاص، الذي يتجسد في تطريزات الورود، فيما قدمته ألبرتا فيرتي «طويلاً» من الجلد الأسود ودار «فالنتينو» فخماً للمساء وهكذا.
- تصميمه، سواء كانت طويلا أو قصيرا، هجينا بين المعطف والبونشو، خيار شخصي، لكن هناك أمور لا بد من وضعها في عين الاعتبار مثل:
- للنهار يُفضل بطول يصل إلى الركبة، وإن كان لا بد، لا يتعداها سوى ببضعة سنتيمترات.
- إذا كانت تصميماته الواسعة لا تروق لك، فبالإمكان تحديده بحزام رفيع، كما اقترحته دار «ألبرتا فيريتي» في عرضها.
- تذكري أنك أنتِ من يمكنك تطويعه بما يتناسب معك حتى لا يقيد حركتك. مثلا لا بد أيضا أن تضعي نصب عينيك أن حقيبة محمولة على الأكتاف غير مطروحة، وبأن حقيبة تحمل باليد هي الحل
- تنسيقه مع بنطلون، ضيق أو واسع، هو الطريقة الأفضل. إذا كان «الكاب» واسعاً، فإن بنطلوناً ضيقاً هو الأفضل لخلق نوع من التوازن. أما إذا كان مفصلاً، فإن بنطلون «بلاتزو» واسعاً مقبول، لا سيما في المساء.
- في حال تم ارتداؤه فوق تنورة؛ فمن الأفضل تنسيقها مع «بوت» عالٍ حتى يحصل التناسق وتبدو الإطلالة عصرية.
- إذا كان ما تلبسينه تحته كنزة عادية يمكن إضافة قفازات تصل إلى الكوع بلون قوي لخلق قليل من الدراما.