رئيس تشيلي يقترح حزمة تدابير اجتماعية لإنهاء الاحتجاجات

أواخر الشهر الماضي وقف رئيس جمهورية تشيلي سيباستيان بينييرا أمام وسائل الإعلام المحلية والدولية في العاصمة سانتياغو مفتخراً بأن بلاده سوف تستضيف خلال الأشهر المقبلة قمّتين عالميّتين: منتدى التعاون الاقتصادي لرؤساء منطقة آسيا والمحيط الهادي منتصف الشهر المقبل، ومؤتمر الأمم المتحدة حول تغيّر المناخ مطلع الشهر التالي. وقال: «تشيلي واحة سلام وسط الاضطرابات التي تعصف بأميركا اللاتينية». لكن يوم الاثنين الفائت عاد بينييرا ليقف أمام وسائل الإعلام ليقول: «نحن في حالة حرب ضد عدوٍّ قوي مستعدّ لاستخدام العنف بلا حدود، وهو يملك قدرة تنظيمية ولوجيستية بمستوى المنظمات الإجرامية». ما الذي حصل في الأسابيع الثلاثة المنصرمة حتى انقلب المشهد في تشيلي ووضع الطبقة السياسية أمام أصعب تحدٍّ تواجهه منذ عودة النظام الديمقراطي في العام 1990 بعد ديكتاتورية العسكر الدامية؟
يوم الخميس الماضي أعلنت حكومة بينييرا اليمينية زيادة أسعار خدمات النقل على شبكة مترو الأنفاق التي يبلغ طولها 140 كيلومتراً وتُعتبر من أحدث الشبكات في العالم، فاندلعت موجة من الاحتجاجات التي كانت تعتمل منذ فترة بسبب تردّي الأوضاع الاجتماعية، تخللتها أعمال عنف أدّت إلى تدمير أجزاء كبيرة من شبكة المترو في العاصمة وإحراق سيّارات ونهب عشرات المحلّات التجارية. وعلى الرغم من إعلان الحكومة تراجعها عن قرار زيادة أسعار المترو، استمرّت أعمال العنف التي أدّت، حتى الآن، إلى مقتل 15 شخصاً وإصابة 70 آخرين بجراح خطرة واعتقال مئات المتظاهرين في العاصمة وأربع ولايات أخرى، ما دفع الحكومة إلى إعلان حالة الطوارئ وحظر التجوّل من الغروب حتى الفجر في سانتياغو وضواحيها.
أعلن رئيس تشيلي سيباستيان بينييرا الثلاثاء حزمة من التدابير الاجتماعية لإنهاء الاحتجاجات. ومن أبرز ما تضمّنته حزمة التدابير المقترحة زيادة الحدّ الأدنى للراتب التقاعدي بنسبة 20 في المائة وتجميد تعريفة الكهرباء وإعداد مشروع قانون يتيح للحكومة تحمّل تكلفة العلاجات الطبية الباهظة الأثمان. وأتت هذه الحزمة من التدابير المقترحة في خطاب ألقاه بينييرا في القصر الرئاسي في سانتياغو ومثّل تحوّلاً جذرياً بالمقارنة مع تصريحاته السابقة التي اتّسمت بنبرة حازمة للغاية في مواجهة المتظاهرين.
وقال بينييرا في خطابه إنّه «في مواجهة الاحتياجات المشروعة والمطالب الاجتماعية للمواطنين، تلقّينا بتواضع ووضوح الرسالة التي بعث بها إلينا التشيليون». وقدم في خطابه اعتذاره للمواطنين عن «افتقاره إلى الرؤية» وطلبه «الصفح» منهم.
وكان بينييرا قد اجتمع مع وزير الدفاع بعد قرار الحكومة تكليف الجيش الحفاظ على الأمن في الولايات الخمس، وقال إن مرتكبي أعمال العنف «في حالة حرب مع كل المواطنين الذين يريدون العيش في سلام وديمقراطية... وهم على استعداد لإحراق المستشفيات والمترو والمتاجر بهدف إحداث أكبر ضرر ممكن». لكن في اليوم التالي أدلى وزير الدفاع الوطني خافيير إيتورّياغا بتصريح جاء فيه «أنا رجل سعيد ولست في حرب ضد أحد».
وقد وجّهت المعارضة، التي تسيطر على الأغلبية في مجلسي النوّاب والشيوخ، انتقادات شديدة لبينييرا متّهمة إياه بالتحريض على بذر الشقاق بين المواطنين بإعلانه «أن الجنرال إيتورّياغا هو الذي تولّى الإشراف على حالة الطوارئ، وأن تحت تصرّفه 9500 جندي لصون السلم والحقوق والحرّيات». وقال زعيم المعارضة في مجلس الشيوخ ريكاردو لاغوس مخاطبا رئيس الجمهورية: «توقّف عن تخويف المواطنين، لسنا في حال حرب. هذه أزمة سياسية لها جذور اجتماعية عميقة فشلت الحكومة في معالجتها، ومثل هذه التصريحات لا تساعد على توفير الأجواء المناسبة للحوار والتفاهم».
وأطلق بابا الفاتيكان فرنسيس الأول أمس الأربعاء نداء من أجل السلام والحوار في تشيلي. وقال البابا فرنسيس خلال المقابلة العامة الأسبوعية في ساحة القديس بطرس بالفاتيكان: «أتابع بقلق ما يحدث في تشيلي». وأضاف: «آمل في أنه من خلال وضع حد للمظاهرات العنيفة، سوف يتم استخدام الحوار لإيجاد حلول للأزمة وللتعامل مع الصعوبات التي أثارتها، لصالح جميع السكان».
وتفيد دراسة وضعتها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، التي انضمّت إليها تشيلي مؤخراً، بأن الاقتصاد التشيلي سجّل نموّاً بمعدّل 2.5 في المائة العام الماضي، وهي نسبة دون التي وعدت بها الحكومة لكن أعلى من معظم الدول في أميركا اللاتينية، وأن غلاء المعيشة قد ارتفع بنسبة 150 في المائة في السنوات العشر المنصرمة مقابل ارتفاع الأجور بنسبة 25 في المائة. وجاء في دراسة أعدتها جامعة سانتياغو أن 70 في المائة من المواطنين يتقاضون أجوراً دون المتوسط في البلدان الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، وأن 65 في المائة من السكّان يسدّدون ديوناً مصرفيّة. وتفيد هذه الدراسة أن المعاشات التقاعدية لا تكفي لتلبية الاحتياجات الأساسية لأكثر من أسبوعين، وأن الخدمات الصحية والتعليمية تدهورت إلى مستويات غير مسبوقة، فيما ارتفعت رواتب الطبقة السياسية وتفشّى الفساد في أوساط الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة التي ما زال ظلّها يخيّم على المشهد السياسي في تشيلي. وتقول الباحثة الاجتماعية لوسيّا داميرت إن «الاحتجاجات التي اندلعت في تشيلي مؤخراً، تعتمل منذ سنوات في أوساط جيل جديد دون الثلاثين من العمر، لم يعرف الديكتاتورية ولا يتورّع في الإعراب عن يأسه، خاصة أن كثيرين لا يملكون ما يخافون المجازفة به».
وفيما تتواصل الاحتجاجات في تشيلي خرجت مظاهرات مؤيدة لها في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيريس وعشرات المدن الأخرى في أميركا اللاتينية. ودعت منظمات وأحزاب يسارية إلى تنظيم مظاهرات في عدد من عواصم البلدان المجاورة، تأييداً للاحتجاجات في تشيلي.