مجلس البطاركة دعا عون لتلبية مطالب الشعب واحتضان الانتفاضة المشروعة

دعا مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك والمطارنة الأرثوذكس رئيس الجمهورية ميشال عون إلى البدء فوراً بالمشاورات مع القادة السياسيين ورؤساء الطوائف لاتخاذ القرارات الملائمة بشأن مطالب الشعب؛ تفادياً للانهيار المالي والاقتصادي. وفي حين اعتبر أن «لائحة إصلاحات الحكومة تشكل خطوة أولى إيجابية» دعا إلى تعديل الفريق الوزاري والإتيان بأصحاب الكفاءات والنزاهة والوطنية، وأن تترافق الإصلاحات مع آلية تنفيذية سريعة. وطلب المجلس من الشعب المنتفض المحافظة على سلميته، وأن يمنع أي طرف من استغلال صرخته ويحولها حركة انقلابية، مناشداً المجتمع الدولي «أن يؤدي دوره في دعم أول ديمقراطية نشأت في هذا الشرق ومساعدة لبنان في حل المشاكل». وأتت مواقف البطاركة بعد الاجتماع الاستثنائي الذي عقد في بكركي برئاسة البطريرك الماروني بشارة الراعي للبحث في الأوضاع التي تمر بها البلاد على وقع استمرار الاحتجاجات. ولفت البيان الذي تلاه الراعي إلى أن الاجتماع عقد للنظر في الحالة الوطنية التي تستدعي مواكبة تطوراتها، بل التحولات، منعاً لانزلاق البلاد في مسارات خطيرة تنقض جوهر الوجود اللبناني وهويته.
وجاء في البيان «ما يشهده لبنان منذ 17 أكتوبر (تشرين الأول) هو انتفاضة شعبية تاريخية واستثنائية تستدعي اتخاذ مواقف تاريخية وتدابير استثنائية لأن المسكنات لا تمر بعد الآن. فما كان هذا الشعب لينتفض لو لم يبلغ وجعه حده الأقصى. وإذا كان هذا الوجع أطلق صرخته اليوم، فهو بدأ منذ سنوات من دون أن تعالجه الدولة بالجدية اللازمة، لا بل أمعنت في الانحراف والعناد والفساد حتى انتفض الشعب. وهذا الواقع المتفجر يفرض علينا جميعاً، مرجعيات روحية، التوقف أمامه والعمل الفوري على معالجة أسبابه».
ووجه المجتمعون تحية إلى الشعب المنتفض بحضارة وسلمية، «فهذا الشعب أظهر أنه موحد أكثر من قادته، وأعطى الدليل على إرادة الحياة الوطنية في زمن التفكك والفتن. شعب لبنان جسد المحبة والشراكة، وأطلق نبض الكرامة وعنفوان الحرية وتمسك بحقوقه الوطنية والاجتماعية. لقد بعث هذا الشعب برسالة تتخطى الانقسامات الطائفية والمذهبية. خرج الشعب إلى الساحات والشوارع يطالب بدولة مدنية، يُقرها أصلاً الدستور تستلهم القيم الروحية التي لطالما ميزت تاريخ لبنان».
ودعا المجتمعون «إلى احتضان انتفاضة أبنائنا المشروعة وحمايتها، وإلى أن يتجاوب الحكم والحكومة مع مطالبها الوطنية، ومنها: حكم ديمقراطي، حكومة ذات مصداقية، قضاء مستقل وعادل، أداء شفاف، حياد عن الصراعات، تطبيق اللامركزية الإدارية، بسط سلطة الشرعية دون سواها، مكافحة الفساد، وقف الهدر، استرداد الأموال المنهوبة بقوانين نافذة، تأمين التعليم وفرص العمل، توفير الضمانات الاجتماعية لمختلف فئات الناس. هذه أبسط حقوق الناس بعد مائة سنة على نشوء دولتهم».
ولفتوا إلى أن «ما يجري اليوم سبق لنا أن حذرنا من حصوله، لكن الحكومة، بل الحكومات المتعاقبة منذ 30 عاماً، تجاهلت نداءاتنا وأهملت واجباتها البديهية، وشعر الشعب بأن دولته أصبحت مقاطعات تستشري فيها المحاصصة والمصالح، فلا اعتبار لكفاءة ومساواة وحق، بل للمحسوبيات والزبائنية على حساب كل مكونات المجتمع. فتحول القهر انتفاضة ولم تتحرك الحكومة إلا تحت ضغط الشارع».
ورأى البطاركة أن «لائحة الإصلاحات التي أصدرها مجلس الوزراء أخيراً، ولا سيما إقرار الموازنة، تشكل خطوة أولى إيجابية، لكنها تستلزم تعديل الفريق الوزاري وتجديد الطاقم الإداري فيؤتى بأصحاب الكفاءات والصدقية والنزاهة والوطنية، وتحتاج لائحة الإصلاحات أيضاً إلى آلية تنفيذية سريعة لكي يأخذها الشعب بجدية؛ لأنه فقد ثقته بهذه الحكومة ووعودها».
وتوجه المجلس إلى السلطة والشعب والمجتمع الدولي، داعياً الأولى إلى أن «تعي حجم الحدث وخطورته على مصير لبنان، وبخاصة على مصير كيانه وهويته واقتصاده، فلا تتعاطى معه كحدث عابر، بل كتحول اجتماعي - وطني»، واتخاذ بالتالي «خطوات جدية، جذرية وشجاعة لإخراج البلاد من هذه الأزمة الكبرى. وندعوها إلى تغيير سلوكيات الحكم والحكومة والإدارة، إلى حوكمة رشيدة ومتجردة، إلى الانفتاح على قوى المجتمع الحية. فبئس دولة تخاف شعبها ونخبها».
وأضاف: «ندعو فخامة رئيس الجمهورية، المؤتمن على الدستور، وناظم عمل المؤسسات، إلى البدء فوراً بالمشاورات مع القادة السياسيين ورؤساء الطوائف لاتخاذ القرارات اللازمة بشأن مطالب الشعب. فاستمرار شلل الحياة العامة في البلاد من شأنه أن يؤدي إلى انهيار البلاد اقتصادياً ومالياً، ما يرتد سلباً على الشعب اللبناني، وبخاصة على أبنائنا وبناتنا الثائرين. لقد حان الوقت لكي تلبي الدولة المطالب المحقة لتعود الحياة الطبيعية إلى البلاد».
وتوجه «إلى الشعب اللبناني المنتفض في لبنان وفي بلدان الانتشار، أن يحافظ على نقاء تحركه وسلميته، أن يمنع أي طرف من أن يستغل صرخته ويحولها حركة انقلابية، ويشوه وجهها الديمقراطي»، مشدداً في الوقت عينه على «احترام حرية التنقل للمواطنين لتأمين حاجاتهم، ولا سيما الصحية والتربوية والمعيشية والاقتصادية، فيبقى الرأي العام محتضناً هذه الانتفاضة». ودعا كذلك «المتظاهرين للتوافق فيما بينهم على من يحاور باسمهم مع المراجع المعنية للوصول إلى حلول ناجعة»، مثمناً كذلك «جهود الجيش اللبناني خصوصاً، والقوى الأمنية عموماً لاحتضان هذا التحرك وحمايته، طالبين من الجميع التعاون مع هذه المؤسسات والتجاوب مع تدابيرها الأمنية والحياتية».
وتوجه إلى المجتمع الدولي، بأن «يؤدي دوره في دعم أول ديمقراطية نشأت في هذا الشرق. في الحفاظ على أول تجربة شراكة مسيحية - إسلامية نشأت بعد الحرب الأولى. في مساعدة لبنان في حل المشاكل التي نتجت من حروب دول المنطقة وفي التشدد بتطبيق القرارات الدولية جميعاً».
وقبيل الاجتماع أعلن متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران إلياس عودة، أن الفراغ أفضل من الواقع الذي نعيشه اليوم.
وتوجه عودة للذين يطالبون بفتح الطرقات بهدف الذهاب إلى العمل، سائلاً: «هل كانوا يعملون في السابق؟»، وأضاف: «إن لبنان بقي من دون رئيس لسنتين ونصف السنة. يتعللون بعلل الخطايا، ويخيفوننا اليوم من الفراغ».
ولاقى بيان مجلس البطاركة ترحيب أطراف عدة، وأعلن عن اتصال جرى بين الراعي ورئيس الجمهورية ميشال عون الذي نوّه بمضمون البيان وبالدعوات التي أطلقها الكاردينال الراعي، بحسب «وكالة الأنباء المركزية».
من جهته، قال الوزير السابق النائب نهاد المشنوق في تغريدة على حسابه عبر «تويتر»، إن «مجد لبنان أُعطي له»، في إشارة إلى الراعي، مضيفاً: «بكركي تستحق ويستحق سيدها البطريرك الراعي أكثر وأكثر هذا المجد الشعبي من كل اللبنانيين على موقفه اليوم».
كذلك، اتصل رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة بالراعي مهنئاً على الكلام الذي صدر منه بعد انتهاء الاجتماع الاستثنائي لمجلس البطاركة في بكركي تجاه «الانتفاضة الشعبية».
واعتبر الرئيس السنيورة أن «كلام البطريرك الراعي قمة في الوطنية والمسؤولية والرصانة المطلوبة في هذا الظرف الحساس والمصيري»، مشدداً على أن كلامه «يؤكد الدور التاريخي للبطريركية المارونية في الدفاع عن لبنان الحضاري والديمقراطي».