مطلب استقالة الحكومة يتقدم مع اتساع المظاهرات

توقعت مصادر وزارية بارزة أن يتقدّم مطلب استقالة الحكومة على ما عداه من مطالب، وقالت إن تصاعد وتيرة «الانتفاضة الشعبية» واتساع المشاركة فيها، بدأت تأخذ البلد إلى وضع سياسي لم يكن في حسبان أركان السلطة الذين راهنوا على أن إقرار الورقة الإصلاحية الاقتصادية التي تقدّم بها رئيس الحكومة سعد الحريري، وأقرّها مجلس الوزراء سيدفع باتجاه فتح قنوات التواصل بين السلطة وبين القيمين على الحراك الشعبي تمهيداً لقيام حوار يعود بالوضع إلى ما كان عليه.
وقالت المصادر الوزارية لـ«الشرق الأوسط» إن بعض مَن هم على رأس السلطة، وليس المقصود بهؤلاء الرئيس الحريري، كانوا يتوقّعون أن تتراجع «الانتفاضة الشعبية» على دفعات، وهذا ما لم يحصل، وكشفت أن دعوة المجلس الأعلى للدفاع للانعقاد على وجه السرعة للنظر في الوضع الأمني المستجدّ بسبب قطع الطرقات، لم ترَ النور، وعزت السبب إلى أن رئيس الحكومة رأى أن المشكلة سياسية بامتياز وليست أمنية، وبالتالي يجب استيعاب التحرّك الشعبي من خلال الإسراع في تطبيق الخطة الإصلاحية.
ولفتت إلى التوافق بين الرئيس الحريري وقائد الجيش العماد جوزف عون، حول كيفية التعاطي مع الحراك الشعبي وضرورة قطع الطريق على من يحاول التعرّض للتجمّعات الشعبية المنتشرة على مساحة الوطن، وقالت إن رئيس الجمهورية ميشال عون لم يكن بعيداً عن هذا التوجّه مع أن البعض في الفريق الوزاري التابع لـ«التيار الوطني الحر» حاول التحريض للالتفاف على مثل هذا التوجّه السلمي في مقاربة الحراك الشعبي، إضافة إلى أن قيادة الجيش تتبع سياسة «القوة الناعمة» لفتح بعض الطرقات بالتوافق مع القيمين على هذه الاحتجاجات الشعبية.
ورأت المصادر الوزارية أن إعطاء الأولوية لإقرار الموازنة وتشريع البنود الواردة في ورقة الحكومة الإصلاحية على أن يتم البحث لاحقاً في إجراء تعديل وزاري، لم يلقَ أي تجاوب من القيمين على الانتفاضة الشعبية الذين يصرّون على استقالة الحكومة وإجراء انتخابات نيابية مبكرة.
وحذّرت هذه المصادر من استمرار التعاطي مع الحركات الاحتجاجية على أن الأجواء ما زالت تسمح بحقن النظام السياسي بجرعة إصلاحية جاءت متأخّرة من وجهة نظر القيمين على الحراك الشعبي الذين سارعوا إلى التعامل معها على أنها ليست أبعد من محاولة ترقيعية لا تشفي غليلهم ولا تلبي طموحاتهم.
وبالنسبة إلى التعديل الوزاري، علمت «الشرق الأوسط» أنه لن يُطرح على وجه السرعة على الأقل في المدى المنظور، وقالت إن استقالة الحكومة ليست مطروحة، وهذا ما يميل إليه جميع أركان الدولة بلا استثناء.
وأكدت أن «التيار الوطني» يميل إلى إجراء تعديل وزاري انطلاقاً من خفض عدد الوزراء المسلمين من 15 وزيراً إلى 11 وزيراً، ما يسمح بالإبقاء على التوازن الوزاري من زاوية أن إخراج 4 وزراء مسلمين يتساوى مع استقالة وزراء حزب «القوات اللبنانية».
واعتبرت المصادر أن مثل هذا الطرح غير قابل للحياة، وعزت السبب إلى أن الأخذ به يعني تلقائياً أن التمثيل المسيحي في الحكومة بات محصوراً إلى حد كبير في «التيار الوطني» باستثناء وجود وزيرين أحدهما من تيار «المردة» والآخر أرثوذكسية هي فيوليت خير الله الصفدي.
ورأت أن «التيار الوطني» يتعامل مع مثل هذا الاقتراح على أنه يُسهم في خفض الخسائر السياسية التي مُني بها وأن حصر التمثيل المسيحي إلى حد كبير به سيتيح له البحث في استرداد جمهوره الذي خسره من خلال مشاركته في الانتفاضة الشعبية التي أدت إلى اهتزاز بيته الداخلي، مع أن الطموحات السياسية ومنها الرئاسية لرئيسه الوزير جبران باسيل أصبحت الآن في دائرة الخطر ولم يُعرف ما إذا كانت الأسابيع المقبلة ستؤدي إلى مغادرته من هذه الدائرة.
ورداً على سؤال أوضحت المصادر أن «الثنائي الشيعي» و«التيار الوطني» مع بقاء الحكومة، وأن «حزب الله» يرى -كما تقول أوساطه- أن المصلحة الوطنية وحتى إشعار آخر تتطلب تحصينها وتنقيتها من الثغرات التي اعترتها وما زالت، وقالت إن رئيس المجلس النيابي نبيه بري، لا يمانع في إجراء انتخابات نيابية مبكرة شرط أن يصار إلى وضع قانون انتخاب جديد من شأنه أن يشكل جسر العبور إلى الدولة المدنية، من خلال إلغاء الطائفية السياسية.
ولفتت المصادر إلى أن الأولوية من وجهة نظر أركان السلطة هي للإسراع في تشريع البنود الإصلاحية والعمل على تطبيقها فوراً، وقالت إن إقرارها يفتح الباب أمام التوافق على قانون انتخاب جديد لأن استقالة الحكومة من دون توافق وفي ظل الخشية من الوصول إلى حائط مسدود قد تأخذ البلد إلى المجهول.
ورأت هذه المصادر أن الحريري -الذي يتفهّم مطالب الانتفاضة ويشاركه في موقفه الرئيس بري وإن كانت البنود الإصلاحية جاءت متأخّرة وتبقى العبرة في التنفيذ- لم ينتقل إلى البحث في إمكانية إحداث تعديل وزاري لأنه في حاجة إلى تشاور مع الأطراف السياسية الرئيسة.
لكنّ هناك مَن يحذّر من تراكم يحاصر الأزمة السياسية من شأنه أن يزيد اتساع الهوّة بين «الانتفاضة الشعبية» وأركان الدولة في ظل تصاعد وتيرة انضمام محازبيهم إلى الحراك المدني بمن فيهم المحسوبون على «الثنائي الشيعي» الذين توزّعوا على ساحات الحراك الشعبي جنوباً وبقاعاً وصولاً إلى العاصمة بيروت.
وفي هذا السياق، لاحظت المصادر الوزارية أن «الثنائي الشيعي» الذي يحتضن المقاومة بقيادة «حزب الله» ليس في وارد إغفال ما ترتّب من تداعيات سياسية من جراء مشاركة بعض المحسوبين عليه في البيئة الحاضنة للحراك المدني وكأن هؤلاء قرروا الانضمام إلى «المقاومة المدنية» لإصلاح النظام السياسي من دون أن يصدر عنهم أي موقف يشكّل استفزازاً لـ«حزب الله» وتحديداً في كل ما يتعلق بالشأن الاستراتيجي.
وعليه، فإن رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، ليس في وارد الخروج من الحكومة، لكنه لا يعترض على تشكيل واحدة جديدة وإجراء انتخابات نيابية مبكّرة.
ورغم كل هذا، فإن هناك من يخشى من اتساع الهوّة بين «الحراك الشعبي» الرافض للورقة الإصلاحية وبين أعمدة النظام السياسي الحالي، وصولاً إلى أن كلاً من هذين الطرفين بادر إلى التموضع في وادٍ بالمعنى السياسي للكلمة في مواجهة الوادي الآخر الذي يتجمّع فيه أركان السلطة.
ويبقى السؤال: هل ستقوم أركان الدولة بإجراء قراءة متأنية للبعد السياسي الذي دفع بـ«الحراك الشعبي» للوقوف في وجه الطبقة السياسية يمكن أن تؤدي إلى إعادة وضع سلّم للأولويات يتصدّره البحث في تشكيل حكومة جديدة، شرط أن تأتي وليدة الاتفاق على طبيعة المرحلة المقبلة سياسياً واقتصادياً ووزارياً لئلا تقحم البلد في المجهول من جراء الإقدام على خطوات متسرّعة وليست مدروسة، وإن كان لا بديل للحريري ليكون على رأس الحكومة الجديدة التي يُفترض أن تُحدِث ارتياحاً لدى «الحراك الشعبي» سواء بالنسبة إلى الوجوه التي ستشارك فيها والبرنامج الإصلاحي الذي أقرّته الحكومة الحالية مع إدخال بعض التعديلات عليه؟