مظاهرات اللبنانيين تتمدد في يومها الرابع

يتظاهر مئات الآلاف من اللبنانيين من رجال ونساء وأطفال منذ صباح اليوم (الأحد) في بيروت ومدن أخرى، لليوم  الرابع على التوالي للمطالبة برحيل الطبقة السياسية التي يحملون عليها فسادها وعجزها عن إدارة أزمة اقتصادية خانقة.
وتأخذ التحركات منحى تصاعدياً منذ الخميس مع ازدياد أعداد المتظاهرين تباعاً وخروج عشرات الآلاف من مختلف المناطق والاتجاهات السياسية إلى الشوارع، مكررين شعار «ثورة» و«الشعب يريد إسقاط النظام».
وانهمك متطوعون في سط بيروت صباحاً في تنظيف الساحات والشوارع بعدما تولت مجموعات منهم تقسيم المهام وتوزيع الأكياس والقفازات على الشبان والشابات الذين عملوا بحماسة.
وقالت سناء (40 عاماً) لوكالة الصحافة الفرنسية في بيروت «أتظاهر لإسقاط رجال (الرئيس اللبناني ميشال) عون وحكومته الفاسدين»، على حد قولها. وأضافت «نريد قيادات جديدة في الحكم بموافقة الشعب».
وشهد يوم أمس (السبت) أكبر حشود منذ بدء التحرك في كل المناطق من الجنوب إلى الشمال مرورا بالعاصمة.
في وسط بيروت، عقد متظاهرون حلقات رقص ودبكة، وارتفع صوت الأغاني المسجلة والأناشيد الوطنية في عدد من أماكن التجمع. وأحضر البعض معهم آلات موسيقية استخدموها لمواكبة المتظاهرين في الهتافات.
في بعض زوايا التجمع، حمل آخرون معهم النراجيل وورق اللعب.
على بعض الجدران حيث المحال التجارية الفاخرة والمصارف، ترك متظاهرون شعاراتهم، وبينها «لبنان للشعب» و«الوطن للأغنياء، الوطنية للفقراء».
في طرابلس (شمال)، تحولت ساحة تجمع فيها المتظاهرون ليلاً إلى حفلة كبيرة على وقع موسيقى صاخبة بحضور منسق موسيقي ومغن ألهب حماسة أهالي المدينة الذين تمايلوا ولوحوا بهواتفهم المحمولة وهي مضاءة.
وفي مؤشر على حجم النقمة الشعبية، بدا لافتاً خروج تظاهرات غاضبة في مناطق محسوبة على أحزاب سياسية نافذة، أحرق ومزق فيها المتظاهرون صوراً لزعماء وقادة سياسيين، في مشهد غير مألوف خصوصاً في معاقل «حزب الله» وحليفته حركة «أمل».
وأعلنت جمعية المصارف في بيان صدر اليوم أنها ستبقي أبوابها مقفلة الإثنين.
وتأججت النقمة الشعبية ضد السلطات مؤخراً بعد ارتفاع سعر صرف الليرة في السوق السوداء مقابل الدولار للمرة الأولى منذ 22 عاماً، من دون أن تقدم السلطات تفسيراً واضحاً لذلك.
وتحت ضغط الشارع، أعلن حزب القوات اللبنانية ليل السبت الأحد استقالة وزرائه الأربعة، في خطوة قلل المعتصمون من شأنها.
وقال علي (24 عاماً) لوكالة الصحافة الفرنسية: «آمل أن يستقيل الجميع من الحكومة وتنظيم انتخابات برلمانية مبكرة».
وتنتهي مساء غد (الاثنين) مهلة 72 ساعة منحها رئيس الحكومة سعد الحريري لـ«شركائه» في الحكومة، في إشارة الى التيار الوطني الحر بزعامة عون و«حزب الله» وحلفائهما الذين يملكون الأكثرية الوزارية، حتى يؤكدوا التزامهم المضي في إصلاحات تعهدت حكومته القيام بها العام الماضي أمام المجتمع الدولي، مقابل حصولها على هبات وقروض بقيمة 11.6 مليار دولار.
وتدرس مكونات الحكومة ورقة اقتصادية اقترحها الحريري للحدّ من الأزمة.
وسجل الاقتصاد اللبناني في العام 2018 نمواً بالكاد بلغ0.2  بالمئة، وقد فشلت الحكومات المتعاقبة بإجراء إصلاحات بنيوية في البلد الصغير الذي يعاني من الديون والفساد.
ويعاني لبنان من نقص في تأمين الخدمات الرئيسية، وترهل بنيته التحتية. ويُقدّر الدين العام اليوم بأكثر من 86 مليار دولار، أي أكثر من 150 في المئة من إجمالي الناتج المحلي.
وذكرت الوكالة أن المحتجين رفعوا الأعلام اللبنانية، وأطلقوا هتافات: «الشعب يريد إسقاط النظام»، و«ثورة» و«كلن يعني كلن»، وسط حضور لافت للأطفال والمسنين المتشحين بالعلم اللبناني.
وأضافت الوكالة، نقلا عن جمعية المصارف اللبنانية، أن جميع البنوك ستظل مغلقة غدا (الاثنين) بسبب الاحتجاجات.
وواصل عشرات الآلاف من اللبنانيين، أمس (السبت)، مظاهراتهم، احتجاجاً على فشل السلطات في إدارة الأزمة الاقتصادية، في وقت تبادلت فيه القوى السياسية الاتهامات بالمسؤولية عن تدهور الوضع.
وتشهد العاصمة ومناطق عدة منذ الخميس حراكاً جامعاً لم يستثن منطقة أو حزباً أو طائفة أو زعيماً، في مظاهرات غير مسبوقة منذ سنوات، رفضاً لتوجه الحكومة إلى إقرار ضرائب جديدة في وقت لم يعد بإمكان المواطنين تحمل غلاء المعيشة والبطالة وسوء الخدمات العامة.
وتجمع عشرات الآلاف أمام مقر الحكومة في وسط بيروت، وحملوا الأعلام اللبنانية، وهتفوا: «ثورة، ثورة» و«الشعب يريد إسقاط النظام».
وأقدم شبان على قطع طرق رئيسية عدة.
ومساء أمس، أعلن رئيس حزب «القوات اللبنانية»، سمير جعجع، استقالة وزرائه الأربعة من الحكومة.
وقال في مؤتمر صحافي عقده شمال بيروت: «توصلنا إلى قناعة أن هذه الحكومة عاجزة عن اتخاذ الخطوات المطلوبة لإنقاذ الوضع الاقتصادي والمالي المتفاقم».
وفور سماعهم خبر استقالة الوزراء، احتفل المتظاهرون في وسط بيروت، مطالبين باستقالة باقي الكتل السياسية.
وفي مؤشر إلى حجم النقمة الشعبية، بدا لافتاً خروج مظاهرات غاضبة في مناطق محسوبة على تيارات سياسية نافذة، أحرق ومزق فيها المتظاهرون صوراً لزعماء وقادة سياسيين، ما استدعى ردود فعل غاضبة من مناصريهم.
في مدينة صور جنوباً، حيث يطغى نفوذ «حركة أمل» بزعامة رئيس البرلمان نبيه بري، خرجت، أول من أمس (الجمعة) مظاهرة مؤيدة له شارك فيها عدد من أنصاره بينهم مسلحون، ردّاً على مظاهرات شهدتها المدينة، واتهم مشاركون فيها بري بالسرقة والفساد.
وتعرّض مؤيدو بري للمتظاهرين ضد السلطة بالضرب والشتائم، وفق ما أفادت «وكالة الصحافة الفرنسية». وتعهدت «حركة أمل» لاحقاً بالتحقيق في الأمر. وخرج مئات المتظاهرين مجدداً مساءً ضد السلطة.
وقال أحد المتظاهرين في مدينة النبطية جنوباً، التي تُعد من معاقل «حزب الله»، لقناة تلفزيونية محلية: «نعاني منذ ثلاثين سنة من الطبقة السياسية الحاكمة»، مضيفاً: «يحاولون تصويرنا على أننا غوغائيون لكننا نطالب بحقوقنا».
وفي طرابلس، حيث يتظاهر الآلاف ويتمتع رئيس الحكومة سعد الحريري بنفوذ، قالت هدى سيّور، في الخمسينات من العمر، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «سأبقى في الشارع، لقد استولوا على أبسط حقوقنا، بينما نموت على أبواب المستشفيات».
وتخلل التجمع في وسط بيروت ليل الجمعة تدافع بين المشاركين والقوى الأمنية التي عملت على تفريقهم بالقوة عبر إطلاق خراطيم المياه وعشرات القنابل المسيّلة للدموع، ما تسبب بحالات إغماء وهلع.
وانتهت المظاهرة بأعمال شغب من جانب شبان غاضبين أقدموا على تكسير واجهات المحال التجارية وواجهتي مصرفين وعدادات وقوف السيارات وإشارات السير.
وغطت بعض المصارف واجهاتها بألواح معدنية لحمايتها، فيما أعلنت قوى الأمن الداخلي توقيف «سبعين شخصاً خلال قيامهم بأعمال تخريب وإشعال حرائق وسرقة في وسط بيروت». وفي وقت لاحق، أفادت الوكالة الوطنية للإعلام بإطلاق سراح جميع المحتجزين.
ودعت «منظمة العفو الدولية» السلطات اللبنانية لوقف استخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين.
وقالت لين معلوف مديرة البحوث لـ«الشرق الأوسط» في المنظمة: «نطالب السلطات اللبنانية باحترام حقوق المحتجين السلميين في حرية التجمع، وبإجراء تحقيق في استخدام قوات الأمن المفرط لقنابل الغاز المسيل للدموع والاعتداء على المتظاهرين بالأسلحة والضرب».
وبدأت المظاهرات ليل الخميس بعد ساعات من فرض الحكومة رسماً بقيمة 20 سنتاً، سرعان ما تراجعت عنه، على المحادثات على التطبيقات الخلوية، بينها خدمة «واتساب»، بين ضرائب أخرى تدرس فرضها تباعاً.
وتصاعدت نقمة الشارع خلال الأسابيع الأخيرة إزاء احتمال تدهور قيمة العملة المحلية التي تراجعت قيمتها في السوق السوداء مقابل الدولار، وتوجه الحكومة لفرض ضرائب جديدة وسط مؤشرات إلى انهيار اقتصادي وشيك.
ويطالب المتظاهرون بعزل كافة الطبقة السياسية التي باتت تحت ضغط الشارع بحاجة إلى إيجاد حلول سريعة. وتلقت مكونات الحكومة، أمس (السبت) ورقة اقتصادية اقترحها رئيس الوزراء سعد الحريري للحد من الأزمة.
ومنح الحريري الجمعة «شركاءه» في الحكومة، في إشارة إلى «حزب الله» و«التيار الوطني الحر»، الذي يتزعمه الرئيس اللبناني ميشال عون، مهلة 72 ساعة، حتى يؤكدوا التزامهم المضي في إصلاحات تعهّدت حكومته القيام بها العام الماضي أمام المجتمع الدولي، مقابل حصولها على هبات وقروض بقيمة 11.6 مليار دولار.
وبينما أبدى الحريري استعداداً للتنحي، رفض الأمين العام لـ«حزب الله»، حسن نصرالله، في خطاب متلفز، أمس، أن تستقيل الحكومة، محذراً من «ترك مصير البلد للمجهول».
ودعا جميع الأفرقاء إلى «تحمّل المسؤولية»، منبهاً إلى أن «معالجة الوضع المالي والاقتصادي بالضرائب والرسوم ستؤدي إلى انفجار شعبي».
وكان رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، حليف «حزب الله»، رفض أيضاً استقالة الحكومة.
وسلّطت المظاهرات الضوء على الانقسام بين فريقين داخل الحكومة، تتباين وجهات نظرهما حول إجراء الإصلاحات من جهة، وملف العلاقة مع سوريا المجاورة من جهة ثانية.
وسجل الاقتصاد اللبناني في عام 2018 نمواً بالكاد بلغ 0.2 في المائة، وقد فشلت الحكومات المتعاقبة بإجراء إصلاحات بنيوية في البلد الصغير الذي يعاني من الديون والفساد.
ويعاني لبنان من نقص في تأمين الخدمات الرئيسية، وترهل بنيته التحتية. ويُقدّر الدين العام اليوم بأكثر من 86 مليار دولار، أي أكثر من 150 في المائة من إجمالي الناتج المحلي.