اتفاقيات ومذكرات تفاهم في الطاقة النووية والذكاء الصناعي بين موسكو وأبوظبي

عقد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة جلسة مباحثات رسمية مع الرئيس الروسي الذي يزور الإمارات، وتناولت المباحثات علاقات الصداقة والتعاون الثنائي بين البلدين وسبل تطويرها وتعزيزها على المستويات كافة.
وتبادل ولي عهد أبوظبي والرئيس فلاديمير بوتين وجهات النظر حول التطورات على الساحتين الإقليمية والدولية بشكل عام وفي منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط بشكل خاص، إضافة إلى الكثير من القضايا السياسية والأمنية والاقتصادية محل الاهتمام المشترك، ورؤى البلدين تجاهها.
وقال الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إن العلاقات التاريخية بين الإمارات وروسيا أصبحت ثمارها واضحة من خلال تعاونهما المشترك في المجالات كافة، مؤكداً خلال المباحثات أن العلاقات الإماراتية الروسية متجذرة ومتنامية وتقوم على الثقة والاحترام المتبادل، وتستند إلى إرث ثري من التعاون والتواصل والزيارات المتبادلة والمصالح المشتركة، وهناك حرص كبير من قبل الإمارات على تطوير هذه العلاقات وتقويتها واستثمار ما يتوفر لها من مقومات وإمكانات كثيرة ومتنوعة للنمو والازدهار في المجالات المختلفة.
وأضاف أن إعلان الشراكة الاستراتيجية الذي وقعه البلدان خلال العام الماضي والذي يشمل المجالات السياسية والأمنية والتجارية والاقتصادية والثقافية والإنسانية والعلمية والتكنولوجية والسياحية وغيرها، كان بمثابة نقلة نوعية في مسار العلاقات الإماراتية الروسية، وأنه يعبّر عن توفر إرادة سياسية مشتركة للارتقاء بهذه العلاقات ودفعها إلى آفاق أرحب، كما يمثل هذا الإعلان إطاراً أساسياً للعمل المشترك من أجل مستقبل أكثر ازدهاراً للعلاقات بين البلدين خلال الفترة المقبلة.
وأشار إلى أنه في كل زياراته الكثيرة لروسيا خلال السنوات السابقة وآخرها العام الماضي 2018 لمس حرصاً واهتماماً كبيرين من الجانب الروسي والرئيس فلاديمير بوتين، بشكل خاص على تعزيز العلاقات مع دولة الإمارات وهو ما أسهم في تحقيق التطورات الإيجابية في مسار هذه العلاقات خلال الفترة الماضية، وجعل روسيا من الشركاء الاستراتيجيين للإمارات في الكثير من المجالات.
وأثنى على التعاون الإماراتي الروسي المثمر في مجال الفضاء الذي تكلل برحلة أول رائد فضاء إماراتي إلى محطة الفضاء الدولية، فضلاً عن التعاون في مجالات الطاقة والعلوم والتكنولوجيا وغيرها من المجالات، مع الاهتمام الكبير الذي توليه الإمارات للمشاركة الفاعلة في مسار الثورة الصناعية الرابعة وتطبيقات الذكاء الصناعي وحرصها على إقامة شراكات بنّاءة مع الدول المتقدمة في هذا المجال وامتلاكها لاستراتيجيات ورؤى طموحة في هذا الشأن.
كما ثمن استضافة روسيا مؤخرا فعاليات الدورة الثالثة لقمة «أقدر» العالمية، وأشار إلى أهمية استضافة أبوظبي أعمال الدورة التاسعة من اللجنة المشتركة بين دولة الإمارات وروسيا الاتحادية.
وقال إن هناك الكثير من العوامل الاستراتيجية المشتركة بين الإمارات وروسيا، ما يسهم في دعم علاقاتهما وتعميقها وتعظيم مردوداتها، مشيراً إلى أن البلدين طرفان أساسيان في العمل على استقرار وتوازن سوق الطاقة العالمي من خلال الحرص على أمن إمدادات الطاقة والتعاون فيما يخص أسعار النفط، ويتفقان حول ضرورة التصدي لخطر التطرف والإرهاب والقوى التي تقف وراءه وتدعمه باعتباره أكبر تهديد للسلم والاستقرار والأمن على الساحة الدولية، ومصدراً للكراهية والتعصب بين الأمم والشعوب، كما يعملان من أجل تحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط من خلال الاستناد إلى مبدأ الحفاظ على الدولة الوطنية ومؤسساتها ووحدتها باعتبارها ركيزة هذا الاستقرار.
وأضاف ولي عهد أبوظبي خلال المباحثات أن أمن منطقة الخليج العربي يمثل مصلحة دولية وليست إقليمية فقط، بالنظر إلى الأهمية الاستراتيجية الكبيرة للمنطقة بالنسبة إلى العالم كله خاصة على المستوى الاقتصادي، مؤكدا أن الإمارات حريصة على ضمان إمدادات النفط من المنطقة إلى العالم، وحرية الملاحة في الممرات الملاحية الدولية فيها، من منطلق ثوابتها كدولة مسؤولة على الساحة الدولية.
وأشار إلى أن الإمارات مهتمة بتعزيز وتوثيق علاقاتها مع الدول الصديقة في العالم مثل روسيا، وإقامة شراكات إيجابية معها تعود بالخير على الجميع، وذلك على قواعد المصالح المشتركة والاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والعمل من أجل السلم والاستقرار والتنمية على الساحتين الإقليمية والدولية، وذلك في إطار من الاتزان والتوازن اللذين يميزان السياسة الخارجية الإماراتية منذ عهد المغفور له الشيخ زايد رحمه الله.
وأكد أن روابط روسيا مع دول الخليج العربية والعالمين العربي والإسلامي تمثل بُعداً مهماً في العلاقات الإماراتية الروسية، مشيراً إلى أن الحوار الاستراتيجي القائم بين روسيا ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية منذ عام 2011 يرفد العلاقات الإماراتية الروسية بمزيد من أسباب التطور والقوة، خاصة أن الإمارات تمثل بوابة تجارية واقتصادية لروسيا إلى منطقة الخليج العربي. وعبر عن ارتياحه للتطورات الإيجابية التي شهدتها العلاقات الإماراتية الروسية خلال السنوات الماضية، وثقته في أن زيارة الرئيس الروسي للإمارات سيكون لها عظيم الأثر في مستقبل هذه العلاقات وتطورها في المجالات والميادين كافة.
والتقى الرئيس الروسي على هامش الزيارة رائدي الفضاء الإماراتيين هزاع المنصوري وسلطان النيادي اللذين حرصا على الترحيب به في الإمارات وتحيته باللغة الروسية، معرباً عن سعادته بلقائهما، متمنيا لهما التوفيق في مهامهما المستقبلية في خدمة بلدهما والإسهام في تقدمه وتطوره في مجال علوم الفضاء. وأعرب الرئيس الروسي عن شكره وتقديره لدعوته لزيارة دولة الإمارات التي يطيب له وجوده فيها مرة أخرى، وقال: «خلال الجولة القصيرة من المطار إلى قصر الوطن اطلعت على الديناميكية العالية التي تتطور خلالها دولة الإمارات، ويطيب لي زيارتها مرة أخرى».
وأضاف «العلاقات الثنائية بين البلدين تواصل تطورها في جو ودي وبناء، ووفق إعلان الشراكة الاستراتيجي بين بلدينا فإن العلاقات التجارية والاقتصادية تتسع وتشمل مختلف الجوانب»، منوها إلى أن روسيا والإمارات شريكان في الكثير من الاستثمارات خاصة في مجال الطاقة والطاقة النووية السلمية، إلى جانب التنسيق بين سياسات البلدين في أسواق النفط والتعاون في مجال استكشاف علوم الفضاء، مهنئا دولة الإمارات بانطلاق أول رائد فضاء إلى محطة الفضاء الدولية.
وأشار «إلى زيادة أعداد السياح الروس إلى الإمارات بنسبة 23 في المائة والذين أنفقوا 1.3 مليار دولار»، وثمن الدعم الشخصي الذي يبديه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لترسيخ وتنمية العلاقات بين الإمارات وروسيا.
ووقع البلدان اتفاقيات ومذكرات تفاهم شملت المجالات الاقتصادية والاستثمارية والبيئية، والتي تستهدف تطوير الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، وفتح آفاق جديدة للعمل المشترك في مختلف القطاعات. وشملت المراسم تبادل مذكرة تفاهم بين وزارة الطاقة والصناعة في الإمارات ونظيرتها الروسية، ومذكرة تفاهم بين مؤسسة الإمارات للطاقة النووية والمؤسسة الحكومية للطاقة النووية الروسية في مجال الاستخدام السلمي للطاقة النووية، وشملت المراسم تبادل اتفاقية امتياز «غشا» بين «أدنوك» و«لوك أويل» إلى جانب اتفاق ثلاثي بين «أدنوك» و«لوك أويل» الروسية، وصندوق الاستثمار المباشر الروسي.
إضافة إلى مذكرة تفاهم بين «مبادلة» وصندوق الاستثمار المباشر الروسي لبحث الاستثمارات في قطاع الذكاء الصناعي وفي مجالات أخرى، واتفاقية إطارية للتعاون الاستراتيجي بين شركتي «أدنوك» و«غاز بروم» الروسية.
من جانبه، أعلن صندوق الاستثمار المباشر الروسي أنه سيوقع عشر اتفاقيات استثمارية تتجاوز قيمتها 1.3 مليار دولار مع شركاء من الإمارات، من بينهم شركة مبادلة للاستثمار. وذكر صندوق الثروة السيادي الروسي في بيان أن الاتفاقيات التي ستُوقع خلال زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ستشمل التكنولوجيا المتقدمة والرعاية الصحية واستخراج الموارد المعدنية والأنشطة اللوجيستية والإنتاج الصناعي.