رسائل أمنية وسياسية وراء تهديد «حزب الله» للمصارف

TT

رسائل أمنية وسياسية وراء تهديد «حزب الله» للمصارف

انطوت تهديدات «حزب الله» بالنزول إلى الشارع لمواجهة المصارف اللبنانية، ردّاً على التزامها تطبيق العقوبات المالية الأميركية التي تطال قادة الحزب ومؤسساته الاقتصادية، على رسائل أمنية وسياسية موجّهة إلى الداخل والخارج. وأثارت هذه التهديدات قلقاً وتحذيرات من وضع الاستقرار المالي ورقة في يد إيران، لاستدعاء انتباه الإدارة الأميركية، واستدراجها إلى طاولة المفاوضات.
وكشفت صحيفة «الأخبار»، المحسوبة على «حزب الله»، أن قيادة الحزب «قررت القيام بخطوات عدة، بينها النزول إلى الشارع لمواجهة المصارف»، مؤكدة أن «الحزب لن يقف متفرجاً على انصياع المصارف وغيرها من المؤسسات لقرارات العقوبات الأميركية»، وقالت: «إذا كان الحزب يحتمل العقوبات على أفراد منه، إلا أن أداء بعض المصارف يوحي بما هو أبعد من ذلك، ليصل إلى ضرب أنصار الحزب أو بعض حلفائه، ويعتبر أن المصارف هي الطرف الأكثر استنزافاً للمالية العامة، وفي الحالتين أي العقوبات والأزمة الاقتصادية المالية والنقدية في البلاد، يرى الحزب نفسه معنياً بالمواجهة». وأشارت الصحيفة إلى أن «القرار اتخذ لمواجهة المصارف، لكنّ آلية الترجمة تخضع للبحث».
وفيما لم يحدد الحزب موعد تحركه في الشارع، أكد مصدر مصرفي لـ«الشرق الأوسط»، أن «تهديد المصارف ينطوي على خطر أمني، وكأن (حزب الله) يعطي أنصاره الضوء الأخضر لاقتحام المصارف والاعتداء عليها». لكنه لفت إلى أن «لا خوف مالياً، ولا خطر على ودائع الناس في البنوك اللبنانية؛ حيث السيولة مؤمنة، لكن التحرك في الشارع ضد المصارف، سيخلق تشويشاً وقلقاً لدى الناس». وسأل: «ما علاقة المصارف بالعقوبات؟ ولماذا لا يعترض الناس على من تسببوا بهذه الإجراءات، وأخذوا البلد إلى الهاوية؟».
هذا التهديد أعاد إلى الأذهان الرسالة الأمنية التي تلقاها «بنك لبنان والمهجر» من خلال عبوة ناسفة جرى تفجيرها بمحاذاة مركزه الرئيسي في منطقة فردان في قلب بيروت. وجرى ربط هذا التفجير بتشدد المصرف في تطبيق العقوبات الأميركية بشكل دقيق، ولم يتوصل التحقيق إلى الكشف عمن يقف وراء الاعتداء.
واعتبر الخبير الاقتصادي سامي نادر، أن «رسالة (حزب الله) موجهة إلى الأميركيين بالدرجة الأولى، باعتباره قادراً على استهداف المؤسستين اللتين تشكلان خطاً أحمر عند الأميركيين، وهما الجيش اللبناني وقطاع المصارف». وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن «الحزب حاول التحرش بقائد الجيش (العماد جوزف عون من خلال ملف العميل الإسرائيلي عامر الخياط)، لكنه لمس أن هذه الحملة غير مجدية، فاتجه نحو المصارف». وسأل: «هل المطلوب من المصارف أن تمتنع عن تطبيق العقوبات الأميركية؟ وهل يراد لها أن تلاقي مصير (جمّال ترست بنك) الذي جرى إقفاله الشهر الماضي؟».
وشدد نادر على أن الحزب «يتحسس خطورة الوضع الاقتصادي والمالي، ويتحمّل مسؤولية إيصاله إلى هذا الدرك»، مشيراً إلى أن الحزب «يريد من المصارف أمرين؛ الأول أن تكتتب بسندات الخزينة من جديد، وهذا لن تقدم عليه بعد خفض التصنيف الائتماني للبنان، والثاني ألا تمتثل للعقوبات الأميركية، وهي لن تخوض بمغامرة مدمّرة كتلك».
وثمّة خلفيات سياسية لتهديدات «حزب الله» متصلة بالصراع الأميركي مع إيران. وشدد منسق الأمانة العامة لـ«قوى 14 آذار» النائب السابق فارس سعيد، على أن الحزب «يعمل وفق التعليمات الإيرانية، لأن إيران تحاول استدعاء انتباه الولايات المتحدة والعالم، عبر افتعال الأحداث وزعزعة الاستقرار في العالم العربي».
وقال سعيد لـ«الشرق الأوسط»، إن «طهران بدأت مع حرب الناقلات، ثم استهداف شركة (أرامكو) في المملكة العربية السعودية، واليوم تحاول التلاعب بالاستقرار النقدي في لبنان»، مشيراً إلى أن «واشنطن تدرك أن المصارف تشكل العمود الفقري للاستقرار المالي والاقتصادي في لبنان، وهناك خوف من أن تنفّذ إيران وعدها بمحاصرة المصارف بالشكل الذي يتحدث عنه (حزب الله)، لكن في المقابل لن تأتي أميركا لإنقاذ القطاع المصرفي».
وأضاف: «نحن نأخذ هذه التهديدات على محمل الجدّ، ونأخذ أيضاً في الحسبان عدم الاهتمام الأميركي بإنقاذ المصارف اللبنانية»، مستغرباً صمت الحكومة ورئيسها سعد الحريري عمّا يجري. واعتبر أن لبنان «بات أسيراً لرغبات إيران، وبمبايعة من أطراف الحكومة، خصوصاً (التيار الوطني الحر) برئاسة جبران باسيل».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».