المستوطنون يبدأون «حرب الزيتون» في الضفة الغربية

الاعتداء الإسرائيلي أصبح تقليداً سنوياً في موسم الحصاد الفلسطيني

مزارعون فلسطينيون يحتجون على إغلاق الطرق المؤدية إلى مزارعهم في قرية كفر ثلث في الضفة الغربية (أ.ف.ب)
مزارعون فلسطينيون يحتجون على إغلاق الطرق المؤدية إلى مزارعهم في قرية كفر ثلث في الضفة الغربية (أ.ف.ب)
TT

المستوطنون يبدأون «حرب الزيتون» في الضفة الغربية

مزارعون فلسطينيون يحتجون على إغلاق الطرق المؤدية إلى مزارعهم في قرية كفر ثلث في الضفة الغربية (أ.ف.ب)
مزارعون فلسطينيون يحتجون على إغلاق الطرق المؤدية إلى مزارعهم في قرية كفر ثلث في الضفة الغربية (أ.ف.ب)

هاجم مستوطنون إسرائيليون أمس، مزارعي زيتون فلسطينيين في أراضي قرية بورين جنوب نابلس، مع انطلاقة الموسم الجديد الذي يعول عليه أصحاب الأراضي بشكل كبير. وقال مسؤول ملف الاستيطان شمال الضفة الغربية، غسان دغلس، إن عدداً من مستوطني مستوطنة «يتسهار» هاجموا المزارعين في المنطقة الجنوبية الشرقية لبورين، بعد أيام من سرقة ثمار ومحاصيل زيتون من القرية. واشتبك المزارعون مع المستوطنين بالأيادي قبل أن يهاجم حراس المستوطنة المزارعين.
وقال دغلس إن وصول حراس المستوطنة ومعهم مستوطنون إضافيون أجبر المزارعين وعائلاتهم على مغادرة أراضيهم خشية على سلامتهم. وعادة لا يفوت المستوطنون في الضفة الغربية يوماً واحداً في موسم الزيتون دون تنفيذ هجمات على المزارعين الفلسطينيين، بهدف إرهابهم وسرقة محاصيلهم، وإفشال الموسم الذي يعدّ بالنسبة للمزارعين بمثابة عرس وطني ومناسبة لجني الأرباح. ويخوض المستوطنون سنوياً ما يعرف بـ«حرب الزيتون» ضد الفلسطينيين، وأصبح هذا الاعتداء تقليداً لا بد منه في ظل تنامي قوة المستوطنين وتشكيلهم مجموعات «تدفيع الثمن» الإرهابية، وقلة حيلة الفلسطينيين في القرى القريبة من المستوطنات.
وقال تقرير فلسطيني رسمي أصدره المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان، التابع لمنظمة التحرير، أمس، إن معاناة المزارعين في مدن الضفة الغربية تتواصل وترتفع ذروتها في موسم قطف ثمار الزيتون الذي يتحول إلى سلسلة مضايقات واعتداءات من قبل المستوطنين. وجاء في التقرير: «يشكل موسم قطف الزيتون السنوي حدثاً رئيسياً لدى المواطنين الذين يحيون من خلاله تقاليد متوارثة من الأجداد إلى الآباء والأبناء، عنوانها حب الأرض باعتبارها تمثل في صراعهم مع الاحتلال أحد عناوين هويتهم الوطنية وإرثهم الحضاري والتاريخي».
وأضاف: «يوجد في الضفة الغربية ما يربو على 10 ملايين شجرة زيتون مزروعة على ما مساحته 86 ألف هكتار، تمثل 47 في المائة من مجمل مساحة الأراضي المزروعة، وهي أحد مصادر دخل لنحو 100 ألف أسرة فلسطينية». وتابع التقرير أن «هذا القطاع يوفر فرص عمل لعدد كبير من العمال والنساء العاملات، وتتراوح قيمة إنتاج قطاع الزيتون، بما فيه الزيت وزيتون المائدة والزيتون المخلل والصابون، ما معدله 200 مليون دولار في سنوات الإنتاج الجيدة».
ورصد التقرير أيضاً كيف أن وجود المستوطنات يفرض قيوداً على المواطنين الذين يريدون الوصول إلى أراضيهم لزراعتها، وعائلات من نحو 90 تجمعاً سكانياً فلسطينياً يمتلكون أراضي تقع ضمن حدود 56 مستوطنة، وعشرات البؤر الاستيطانية أو على مقربة منها، ولا يستطيعون الوصول إليها إلا من خلال التنسيق المسبق مع سلطات الاحتلال أو العبور من البوابات أو الحواجز العسكرية المنتشرة.
وأوضح التقرير أن بناء جدار الفصل والتوسع العنصري الاستيطاني يشكلان عاملين أساسيين في تزايد فصل التجمعات الفلسطينية عن أرضهم أكثر فأكثر، وما نسبته 30 في المائة من أشجار الزيتون تقع خلف الجدار في المناطق المصنفة (ج)، وبالتالي فإن عدم مقدرة بعض المواطنين على قطف أشجار الزيتون الخاصة بهم، يشكل خسارة لاقتصادنا الوطني تقدر بنحو 45 مليون دولار سنوياً. وأضاف: «رغم التوقعات بإنتاج وفير من زيت الزيتون هذا العام، فإن اعتداءات قوات الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه على أشجار الزيتون، التي بدأت في وقت مبكر يثير هواجس المزارعين، ففي الأغوار الشمالية أثار اقتلاع الاحتلال مئات الأشجار المثمرة في منطقتي بردلة وأم الكبيش، مخاوف المزارعين وأصحاب الأراضي. فخلال العامين الأخيرين اقتلع نحو 1090 شجرة زيتون في قرى الأغوار».
وأشار التقرير إلى أن ما مجموعه 5582 شجرة قد تضررت خلال عام 2017 مقارنة بالعام الذي سبقه، إذ تضررت 1652 شجرة، ونحو 9200 شجرة زيتون في مختلف محافظات الضفة الغربية خلال عام 2018. وأوضح أن المستوطنين سرقوا في قرى محافظات نابلس وقلقيلية وسلفيت ورام الله، ثمار الزيتون في أراضي قرية دير شرف غرب نابلس، في منطقة الروس التابعة للقرية، كما لاحق عدد من المستوطنين المزارعين ومنعوهم من دخول أراضيهم القريبة من مستوطنة «شافي شمرون»، لتسهيل عملية سرقة ثمار أشجار الزيتون.
ويستغل المستوطنون عادة وجود أكثر من 80 قرية تعتمد على محاصيل الزيتون بالقرب من المستوطنات، وتحت سيطرة الجيش الإسرائيلي لينفذوا هجماتهم في أي وقت. وقد سجلت في أكثر من قرية اشتباكات بالأيدي ومواجهات عنيفة.
ويبدأ موسم جني الزيتون عند الفلسطينيين منتصف أكتوبر (تشرين الأول) ويستمر شهراً كاملاً. وتحدد وزارة الزراعة في بداية كل موسم مواعيد قطف الزيتون للكبيس وللعصير لكل منطقة، وتحديد مواعيد تشغيل المعاصر، حسب كمية المحصول، وموعد الإزهار، والظروف الجوية التي سادت أثناء نمو المحصول، وكمية الأمطار في الموسم السابق.
وهناك أشجار في فلسطين عمرها آلاف السنين منذ عهد الرومان. وتوجد عدة أصناف للزيتون في فلسطين؛ أشهرها النبالي والسوري، والنبالي المحسن والمليسي والبري والرصيصي. وتشارك العائلات بأكملها في قطف الزيتون وتتعاون فيما بينها.
وأدانت وزارة الخارجية الفلسطينية «اللامبالاة الدولية إزاء معاناة شعبنا واعتداءات المستوطنين المتواصلة»، أو «الاكتفاء ببيانات إدانة شكلية أو مناشدات لفظية، باتت تشجع الاحتلال ومستوطنيه على التمادي في ارتكاب مزيد من الانتهاكات والجرائم بحق شعبنا الأعزل».
وطالبت الوزارة في بيان، صدر عنها، أمس، المجتمع الدولي وفي مقدمته مجلس الأمن الدولي والأمين العام للأمم المتحدة، «بتفعيل نظام الحماية الدولية لشعبنا قبل فوات الأوان»، كما طالبت «الجنائية الدولية» بالإسراع في فتح تحقيق في جرائم الاحتلال ومستوطنيه، وصولاً إلى محاسبة المسؤولين والقادة الإسرائيليين المتورطين في تلك الاعتداءات والجرائم.
وحمّلت حكومة الاحتلال برئاسة بنيامين نتنياهو المسؤولية الكاملة والمباشرة عن نتائج وتداعيات الاعتداءات الاستفزازية والهمجية التي تمارس بحق الشعب الفلسطيني وممتلكاته.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.