حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

إردوغان في سوريا

لمن يراقب تاريخ العلاقات بين الولايات المتحدة وحلفائها، يجد أن أهم قواعد العلاقة بالنسبة لأميركا أن يكون الطرف الحليف لها «دائماً» قابلاً للتوقع always predictable، ومتى ما تغير هذا المفهوم اهتزت العلاقة.
وقد تترك لك أميركا الحبل ممدوداً، وتعتقد أنك صاحب قرارك وليس حليفاً لها، حتى تفاجئك وتباغتك في لحظة «الغفلة» بالسؤال الذي لا مفر من الإجابة عنه «أنت معنا أو معهم».
تذكرت كل ذلك وأنا أتابع مغامرة إردوغان داخل الأراضي السورية، وعدوانه الصريح عليها، وتهديده للمجتمع الأوروبي «بإطلاق» ملايين المهاجرين السوريين عليهم، أعد إردوغان لما قام به جيداً، «رتب» أموره ونسقها مع إيران وروسيا، بل وأخبر نظام الأسد عن الطريق الدبلوماسية في قنصليته بإسطنبول، وتجاهل اعتراض أميركا وتحذيرها من العملية، ولكن هو وكعضو في «الناتو» قرر رفع السقف مع أميركا وأعضاء حلف الأطلسي، فأقدم على شراء منظومة دفاع صواريخ روسية متطورة، ليكون بذلك أول دولة في حلف الأطلسي تدخل منظومة سلاح روسي على تركيبتها الدفاعية، وهي تتفاوض مع الروس حالياً على منظومة طائرات روسية حديثة جداً، كل ذلك وسط اعتراضات أميركية جادة جداً.
لم يحترم إردوغان هذا الاعتراض رغم تعرضه لعقاب اقتصادي شديد من أميركا عندما احتجز القس الأميركي، وانهارت الليرة التركية في خلال 48 ساعة، ما أجبره على أن يطلق سراح الرجل. واليوم قام وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بالتوقيع مع اليونان (الخصم الأول لتركيا) على اتفاقيات دفاع غير مسبوقة لحمايتها من أي خلاف مستقبلي، وطبعاً المقصود أي مواجهة مع تركيا، ما يعني فعلياً أن أميركا نفسها ستكون في مواجهة تركيا في حال الخلاف مع اليونان. المجموعات الكردية المعروفة في سوريا، والمعروفة باسم «البي كي كي» هي صنيعة نظام حافظ الأسد، كان يستخدمها قديماً ضد تركيا حتى هددته يوماً ما بإغلاق السد المائي، وبالتالي القضاء على الزراعة السورية، واجتياح سوريا عسكرياً، فسلم حافظ الأسد عبد الله أوجلان زعيم الحركة لتركيا، وبالتالي ما يحصل من إردوغان اليوم في سوريا يحصل برضا وموافقة أكبر حليفين لبشار الأسد؛ وهما إيران وروسيا، بل وبموافقة نظام الأسد نفسه الذي التزم الصمت ونفى نيته التباحث مع المجموعات الكردية واعتبرهم خونة.
عدوان إردوغان هو سجل أسود جديد في حق سوريا، ولا علاقة له بدعم الثورة السورية وتدخل عسكري لا يخلص سوريا من «البي كي كي» و«حزب الله» و«الحرس الثوري» ونظام الأسد في آن واحد؛ هو لعبة سياسية قذرة يدفع ثمنها الشعب السوري وحده.
أميركا لا تغير أهدافها ولكنها فقط تغير طريقة اللعب، ويبدو أن إردوغان لم يقدر الفخ الأميركي الذي نصب له جيداً فوقع فيه.