اللجوء إلى تركيا حلم سوريين يعيشون قرب الحدود

منذ بدء الهجوم الأخير بدعم روسي نزح أكثر من 400 ألف شخص

اللجوء إلى تركيا حلم سوريين يعيشون قرب الحدود
TT

اللجوء إلى تركيا حلم سوريين يعيشون قرب الحدود

اللجوء إلى تركيا حلم سوريين يعيشون قرب الحدود

ارتدى جابر ثياباً نظيفة... حلق ذقنه، صعد على دراجته النارية وخلفه زوجته وطفلاه، وانطلق خارجاً من مخيم للنازحين في شمال غربي سوريا للمرة الخامسة على التوالي، في محاولة للعبور إلى تركيا سعياً لعلاج ابنته التي تحتاج إلى جراحة في عينيها.
اكتفى جابر وزوجته بحقيبتين صغيرتين حملاهما معهما بحثاً عن حياة جديدة بعيداً عن الوضع الأمني المتدهور والوضع المعيشي الصعب في إدلب بشمال غربي سوريا؛ المحافظة الحدودية مع تركيا. في المخيم العشوائي بمنطقة أطمة بمحاذاة الحدود التركية، قال جابر كيروان (31 عاماً) قبل الانطلاق، لوكالة الصحافة الفرنسية: «الوضع هنا سيئ جداً. انظروا من حولكم إلى المخيمات، هذه ليست حياة». في إحدى المرات التي حاولت فيها العائلة العبور، كسر الوالد ساقه بينما كان يقفز من فوق الجدار الإسمنتي الذي يفصل بين البلدين.
قبل 3 أشهر، نزح جابر من مدينته خان شيخون في ريف إدلب الجنوبي التي سيطرت عليها قوات النظام بعد هجوم بدأته في نهاية أبريل (نيسان) في عدد من مناطق إدلب والمحيط، الواقعة بمعظمها تحت سيطرة «هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)». وهو يعيش في خيمة صغيرة مع عائلته وأقارب آخرين له.
والتقت الوكالة جابر فور عودته إلى المخيم من محاولة لبلوغ تركيا بطريقة غير قانونية لم يكتب لها النجاح، فبعد ساعات طويلة أمضاها أفراد العائلة للعبور من سوريا إلى تركيا سيراً على الأقدام، ألقت قوات تركية القبض عليهم، ثم نقلتهم إلى معبر باب الهوى الحدودي، ومنه عادوا أدراجهم. فور عودتهم، استقبلهم أقاربهم، دخلوا جميعاً إلى الخيمة الصغيرة، جلسواً أرضاً، احتسوا الشاي، فيما كان جابر يروي المحاولة الفاشلة، وابنته ميرال التي تعاني من مرض في عينيها، منهمكة في أكل البطاطس المقرمشة. ويسجل جابر رسالة صوتية لأحدهم يطمئنه. وكان أنفق مبلغاً وضعه جانباً واضطر للاستدانة من أقاربه، ليدفع للمهربين 1200 دولار.
يقول جابر: «أريد الدخول (إلى تركيا) لأتمكن من العمل وتأمين لقمة عيشي لأولادي ولعلاج ابنتي». ورغم محاولاته الخمس الفاشلة، فإنه يؤكد أنه سيحاول «50 و60 ومائة مرة حتى أتمكن من الدخول».
ومنذ بدء قوات النظام بدعم روسي هجومها في جنوب إدلب ومناطق محيطة في شمال حماه وغرب اللاذقية، نزح أكثر من 400 ألف شخص إلى مناطق أكثر أمناً، خصوصاً بالقرب من الحدود التركية، وفق الأمم المتحدة. وأسفرت الضربات السورية والروسية التي مهدت ورافقت الهجوم عن مقتل نحو ألف مدني، وفق «المرصد السوري لحقوق الإنسان». ويسري منذ نهاية أغسطس (آب) الماضي وقف لإطلاق النار لا يخلو من الخروقات.
على غرار زوجها، تصر ولاء (25 عاماً) على ضرورة الانتقال إلى تركيا. وتقول الشابة المنتقبة: «السبب الرئيسي لخروجي هو طموحي لعلاج ابنتي (...) إضافة إلى الخوف والرعب من القصف وأجواء الحرب». وتضيف: «نخاطر بحياتنا وأرواحنا مقابل أن نصل إلى تركيا، ولا نتمكن من الدخول». بعد ساعات قليلة في المخيم، كانت انطلاقة العائلة مجدداً، ترافقهم أصوات أقاربهم: «إن شاء الله تصلون بالسلامة».
وتستقبل تركيا بين الدول المجاورة لسوريا، العدد الأكبر من اللاجئين السوريين، ويقدر عددهم بنحو 3.6 مليون شخص. وأغلقت أنقرة أبواب اللجوء، فيما اتهمتها منظمات حقوقية الشهر الماضي بترحيل مئات السوريين إلى إدلب بحجة عدم حيازتهم مستندات إقامة في إسطنبول. وتصر أنقرة على أنها تدعم العودة «الطوعية». وأعرب الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الشهر الحالي مجدداً عن رغبته بإعادة 3 ملايين سوري إلى «منطقة آمنة» يسعى إلى إقامتها بالتعاون مع الأميركيين في مناطق بشمال وشمال شرقي سوريا.
قبل شهرين، فرّ أبو سلوم النعسان (45 عاماً) مع زوجتيه وأولاده الثمانية من بلدة لطمين في شمال حماه إلى منطقة محاذية للحدود تبعد نحو 50 متراً فقط عن جدار إسمنتي بنته أنقرة على طول الحدود.
اشترى أبو سلوم أرضاً، وبنى منزلاً صغيراً لعائلته، إلا إن حلم الذهاب إلى تركيا لم يغب عن باله. في باحة المنزل المتواضع، يدخن أبو سلوم سيجارته ويحتسي الشاي، فيما تنهمك زوجته في إضافة الأخشاب إلى نيران أحاطتها بحجارة إسمنتية لتبقيها مشتعلة تحت قدر ملأته بالباذنجان المحشوّ.
تعيش العائلة اليوم تحت نظر جنديين تركيين موجودين في غرفة المراقبة فوق السور الإسمنتي، ويقول أبو سلوم إنه شاهدهما يطلقان نيرانهما أو يوجهان إهانات لكل من يقترب من الجدار. واختار أبو سلوم هذه المنطقة لأنها في رأيه «الأكثر أمناً» لقربها من تركيا التي يأمل في أن يعبر إليها، لكن تكاليف التهريب «الباهظة» تحول دون ذلك. ويقول الرجل الذي رسمت التجاعيد ملامح وجهه الأسمر: «أدخلونا إلى تركيا أو جدوا لنا حلاً (...) الحياة هنا لا تطاق».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.