الفرق بين البدعة والإبداع

في مجلس أحد المسؤولين الكبار، دار الحديث عن (البدعة). فقال أحدهم إن هناك بدعة حسنة، وضرب مثلاً بما فعله عمر بن الخطاب لصلاة التراويح.
ومثبت عن الرسول عليه الصلاة والسلام، أنه لم يصلها سوى مرة واحدة، خوفاً من أن يكررها كل ليلة فيعتقد البعض أنها فرض.
فتدخل المسؤول مصححاً: أولاً، ليست هناك بدعة حسنة بالدين، فكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، أما خارج الدين فهناك ما يسمّى (إبداع) سواء كان حسناً أو غير حسن، وما فعله عمر الفاروق هو مجرّد (ترتيب أو تنظيم)، عندما شاهد القوم يصلون: هنا واحد، وهناك اثنان، وهناك خمسة، فجمعهم كلهم خلف إمام واحد.
وأيد كلامه آخر قائلاً: كان الأقوام المسلمون الذين يحضرون إلى مكة المكرمة قديماً من كل أنحاء الدنيا.
وإذا رفع الأذان في المسجد الحرام لفرض من الفروض، كان هناك أربعة من الأئمة يصطف المصلون خلفهم، فالشوافع يصلون خلف إمامهم، وكذلك الأحناف والمالكية والحنابلة، كل يصلي خلف إمامه ولا يرضى عنه بديلاً، واستمروا على هذا المنوال إلى وقت الملك عبد العزيز.
وهنا تدخل المسؤول مرّة أخرى، مؤكداً أن الملك، رحمه الله، لم يكن راضياً عن ذلك التفرق، وأراد أن يجمعهم كلهم في صلاة واحدة ووراء إمام واحد، وخشية منه في أن يظن البعض أنه أراد أن يأتي بإمام هو يرتضيه، جمع كبار العلماء من مختلف الأعراق والجنسيات الإسلامية، وطلب منهم أن يختاروا هم من يتفقون عليه.
وفعلاً استقر قرارهم على اختيار إمام بعينه، ومن الصدف أنه لم يكن سعودياً، وهنا تجلت سماحة الملك وبُعد نظره، ومن يومها إلى الآن لا تقام الصلاة إلا خلف إمام واحد.
وبعيداً عن تلك الجلسة علمت أن أحدهم يسكن في مكة ويعمل في جدة، ويأتي كل يوم ذهاباً وإياباً، وكان يجمع ويقصر طوال الوقت في صلاته، وعندما شاهد استغرابي منه قال: لقد قرأت في (مجمع الفتاوي 267-12) رأياً للشيخ ابن باز رحمه الله يقول فيه إنه يحق للمسافر أن يجمع ويقصر في طريق مسافته 16 فرسخاً - أي 80 كيلومتراً - سواء كان على راحلة أو سيارة أو باخرة أو طائرة.
وأردف قائلاً: بما أنني على سفر متواصل فإنني أفطر في شهر رمضان أيام العمل، وأقضي صيامي الخميس والجمعة من كل أسبوع حينما أكون في منزلي بمكة حيث لا عمل.
وختم كلامه معي مردداً الحديث الشريف: إن الله يحب أن تؤتى رخصه، كما يحب أن تؤتى فرائضه.