التصعيد في الخليج... مشهد التهديدات في مستوى هدير الحرب

الاعتداء الثالث خلال خمسة أشهر فقط، على منشآت نفطية سعودية، عبر طائرات «درون» تحمل البصمة الإيرانية، استهداف غير مسبوق على خطوط الطاقة وعلى أحد أهم معامل النفط. إيران الدولة لا تقوم بعمل عسكري، عادة ما ترمي المهام لأطرافها وميليشياتها في المنطقة، الذين يتواجدون في العراق، ولبنان، وسوريا، واليمن. من سبق أذرع النظام الإيراني في محاولة استهداف منشآت النفط كان «حزب الله الحجاز» وكذلك حاول تنظيم «القاعدة»، وأيضاً «داعش»، لكن تكتيكات الحرب الأخيرة واستخدام «الدرون» أعطى زخماً للتنظيمات والميليشيات بمغامرات غير محسوبة العواقب.
ما سبقت استهداف حقل «بقيق» وحقل «خريص» النفطيين، حالة التصعيد في الخليج، وإيران طرفها في كل منحى، وجانب أميركي، وحولهما بعض من الأوروبيين الذين أرادوا إعادة وضع العناوين الجديدة لاتفاق نووي، وكذلك إغاثة الإيرانيين، بينما يظل الخليج ودوله في مستوى الترقب، وهم من يرفعون دائماً للإيرانيين طلباً بسيطاً يتمثل في «حسن الجوار».
ما قبل الاستهدافين، على خريص وبقيق، اللذين تسببا في تقليص إمداد السوق بأكثر من 50 في المائة من إنتاجهما من النفط والغاز، كانت ملامح أخرى، وبخاصة من بداية هذا العام، فتصاعدت حدة المواجهات غير المباشرة: اختطاف ناقلات نفط، استهداف أخرى، ومواجهة عبر الطائرات المسيرة، واستهداف أنابيب نفط.

محور الاعتدال

السعودية قررت المواجهة أمام إيران، وكسرت كل طوق من الممكن أن تسعى إيران ومعها حلفاء لها في المنطقة لتشكيله، حيث شكلت «عاصمة الحزم»، كما يراها محللون، منعطفاً في المنطقة ومواجهة نظام إيران الذي سيطر على عواصم عربية، تحقيقاً لأهداف الدولة الدينية ومحاولة فرض اللادولة في مواقع حول السعودية. قادت الرياض توجهاً جديداً في حماية الإقليم، بعد تراخي سياسات الولايات المتحدة في إدارات سابقة في مكافحة «داعش» والسكوت عن إرهاب إيران وأذرعها في الشمال عبر «حزب الله» وجنوباً من خلال الحوثي، ومحاولتهم ضرب استقرار الخليج من الكويت والبحرين وحتى السعودية.
ما قبل الانقلاب الحوثي على الشرعية، كانت السعودية (البلد الأكبر بامتداد جغرافي على الحدود مع اليمن) تراقب عن كثب ما يدور في الداخل؛ لأن أي شرارة تعنيها مباشرة، وأي هدف للحوثيين هو هدف لإيران المحرك الأكبر لميليشيات في المنطقة؛ لذلك لا تزال حتى اليوم في عملين عسكري وتنموي. عكس الحالة الإيرانية التي تهدف عبر الآيديولوجيا إلى فرض آخر بدعم التنظيمات التي عززت «داعش» والقاعدة. نهجت الرياض الطريق بإعلان رؤية اقتصادية، وجعلت خطتها تطوير الإقليم معها، عبر استنهاض المنطقة بالعمل مع قادة وحكومات الدول العربية، في منطقة وصفها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بـ«أوروبا الجديدة»، مستفيدة من إرادة سياسية وزخم في الموارد البشرية، وهذا ما تحققه السعودية في طريقها رغم حرب اليمن، لكن إصلاحاتها تسير في طريق التحقق.

مبادئ البيت الأبيض

زادت وتيرة العقوبات الاقتصادية على إيران، بسياسة جديدة من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وشكّل ترمب مبدأه، ليس كما كان روزفلت المشهور عنه القول «تحدث بلين... واحمل عصا غليظة»، بل كان أكثر اختلافاً؛ إذ يخلط بين القول اللين وإشهارات العصا الغليظة، كان شيئاً مختلفاً، وإن لامس مبدأ الرئيس الأميركي آيزنهاور في ظلال خطابه والمعروف هذا المبدأ بـ«حماية الخليج».
هذا عوضٌ عن مواقف إدارات أميركية متشددة بالخطاب، أن العمل العسكري القوي سيكون متاحاً حال تهديد الخليج... كارتر وريغان مثالين، لا مبدأ من سبقهما الرئيس ريتشارد نيكسون (1953 - 1961) الذي كان يركز على «سياسة الركيزتين المحوريتين» وتوسيع إمكانات إيران العسكرية.

خيار واشنطن

لكن مع كل هذا التصعيد الإيراني واستهدافات إمدادات الطاقة، يظهر السؤال، لماذا لا تزال واشنطن ترمب في موقف الخطابة دون مواقف أخرى؟ أو لماذا هذا اللين مع أعداء واشنطن وخشونة الموقف مع الحلفاء؟
يصف غلين كاري، الباحث في شؤون أفريقيا والشرق الأوسط، بأن استهداف حقلين سعوديين هو «لعبة إيران الخطيرة»، مشيراً إلى أن موقف إدارة الرئيس دونالد ترمب اليوم لا يخرج عن نسق الأمل الأميركي باستراتيجية جديدة. مضيفاً أن متلازمة حربي أفغانستان والعراق أعطت نهجاً جديداً لسياسة البيت الأبيض؛ لأن الدخول في معتركات يمكن للدبلوماسية الفاعلة حلها سيكون ذلك غير جدير بالنظر بالنسبة للأميركيين.
وأضاف في حديث مع «الشرق الأوسط»، أن مشهد اليوم في المنطقة تجاوز كل أمر، وتجاوز ما كان يعرف في الثمانينات بـ«حرب الناقلات»، بل وأطلق رسائل التحذير بضغط أكبر على إيران التي تحاول توجيه رسائلها للداخل عبر استعراضات خطف السفن وإطلاق الطائرات المسيرة من دول تسيطر على عواصمها.
كاري يرى أن الأزمة مع إيران مهيأة للحل الدبلوماسي السياسي، وأن الحوار مع الإدارة الأميركية بدأ منذ 15 يوليو (تموز) بلقاء وزير الخارجية الإيران جواد ظريف، مع السيناتور الأميركي راند بول، مفيداً بأن الموقف العسكري لترمب كان واضحاً عند حديثه عن التراجع من القيام بضربة عسكرية؛ لأنه كان مرشحاً أن يسقط فيها 150 فرداً، مضيفاً أن قرار مثل هذا ستكون أبعاده شاملة، وأن الخبراء العسكريين سيراجعون تكلفة الزمن والآثار قبل تقديم العمل العسكري على أي قرار.

سيناريوهات للمواجهة

الأحداث المتتالية، فتحت التساؤلات عن السيناريوهات المستقبلية، مع أن الحديث عن التجاوزات الإيرانية أخذ أبعاده منذ شهر مايو (أيار) الماضي، وحتى استهداف يتصف بالمغامرة تجاه حقول سعودي، وإن أصبح الحديث يشابه نذر الحرب.
الخبير العسكري السعودي، عمرو العامري، قال إن ما نعيشه اليوم هو «حرب تجاه السعودية والاقتصاد العالمي»، وعلى العالم أن يكون في مستوى المسؤولية للمواجهة أمام إيران لتحقيق الغايات التي تكف يد إيران عن التمادي.
العامري قال لـ«الشرق الأوسط»، إن الولايات المتحدة في عهد ترمب ومنذ الانسحاب من الاتفاق النووي، وإيران هددت بعدم ترك نفط الخليج، وهو ما لم يجد المواجهة الحقيقية من المجتمع الدولي، وهذا الصمت هو ما جعل الإيرانيين يتمادون.
التحليلات السياسية تشير إلى معاودة الضغط الاقتصادي بعقوبات شاملة، وإن كان الخبراء العسكريون يرون أن استهداف الأذرع الإيرانية في اليمن ولبنان وسوريا، سيكون مساهماً في انكفاء الصورة الإيرانية والتوقف عن استهداف المنطقة أو زراعة الألغام في مسارات السلام.