الانتخابات الإسرائيلية: نتنياهو يفشل في إحراز الأكثرية

دلت النتائج الأولية للانتخابات الإسرائيلية، التي تعتمد على صناديق نموذجية، على أن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، تلقى ضربة كبيرة تهدد مستقبله السياسي أمس. فهو لم يحقق أكثرية برلمانية تتيح له الحصول على كتاب تكليف الحكومة الجديدة. لكن العصمة باتت بأيدي أفيغدور ليبرمان، رئيس حزب اليهود الروس. فإذا أصر على موقفه ضد حكومة يمين صرف، فإن الاحتمال الأكبر له سيكون في حكومة من دون نتنياهو، أو حكومة تبدأ عهد نهاية نتنياهو السياسية.
وكانت القنوات التلفزيونية الثلاث في إسرائيل قد وضعت صناديق نموذجية بالقرب من صناديق اقتراع حقيقية، طالبة من كل ناخب أن يصوت في الصندوق النموذجي مثلما صوت في الصندوق الحقيقي. وجاءت النتائج متقاربة لدى القنوات الثلاث، لكن إحداها (القناة 13) دلت على أن أحزاب الوسط واليسار والعرب تصل إلى 61 مقعداً وتستطيع أن تشكل حكومة، فيما لو أرادت ذلك أحزابها.
ويتضح من مجمل نتائج القنوات الثلاث أن حزب الجنرالات، «أزرق أبيض»، برئاسة بيني غانتس تغلب على نتنياهو بمقعد واحد أو مقعدين (إحدى القنوات قالت إنهما تساويا بـ32 مقعداً)، وأن القائمة المشتركة بقيادة أيمن عودة، التي تضم أربعة أحزاب وطنية رفعت تمثيلها إلى 11 - 13 مقعداً وعادت لتكون ثالث أكبر قوة في الساحة الحزبية الإسرائيلية، وأن حزب «عوتصماة يهوديت» اليميني المتطرف، الذي يدعو لترحيل الفلسطينيين عن وطنهم، قد سقط ولم يعبر نسبة الحسم.
وجاءت النتائج التفصيلية على النحو التالي:
- القناة الأولى الرسمية: منح استطلاعها معسكر اليمين من دون ليبرمان 56 مقعداً، من مجموع 120. وقد منح الاستطلاع كلا من حزب الجنرالات وحزب الليكود 32 مقعدا. ومنح القائمة المشتركة 12 مقعدا. وحزب اليهود الشرقيين المتدينين شاس 9 مقاعد وحزب اليهود المتدينين الغربيين يهدوت هتوراة 8 مقاعد وحزب «يمينا» (إلى اليمين) المتطرف 7 مقاعد وكلا من حزب العمل وحزب ميرتس اليساريين 5 مقاعد.
- القناة الثانية عشرة التجارية: منحت معسكر اليمين من دون ليبرمان 57 مقعداً. وقد منحت حزب الجنرالات 34 مقعدا مقابل الليكود 33 مقعدا. وحصلت القائمة العربية على 11 مقعدا، فيما حصل كل من الحزبين الدينيين على 8 مقاعد و«يمينا» على 8 مقاعد والحزبان اليساريان على 5 مقاعد لكل منهما.
- القناة الثالثة عشرة التجارية: منحت معسكر اليمين من دون ليبرمان 54 مقعدا، مقابل 61 لمعسكر الوسط واليسار مع العرب. فقد حصل حزب الجنرالات على 33 مقعدا مقابل 31 مقعدا لليكود. وحصلت القائمة المشتركة على 13 مقعدا، وهبط «يمينا» إلى 6 مقاعد، فيما حصل ليبرمان وكذلك الأحزاب الدينية على 8 مقاعد لكل منها، وحصل الحزبان اليساريان على 6 مقاعد لكل منهما.
لكن المراقبين يتحفظون من البناء على هذه النتائج لأنها تعتبر استطلاعا. ففي الانتخابات الماضية احتفل غانتس بالنصر بعد نشر نتائج مشابهة ولكن أمله خاب لاحقا. وسخر منه نتنياهو وأعلن أنه هو الذي حقق نصرا غير مسبوق، ولكنه لم يستطع أن يشكل حكومة وقاد إسرائيل إلى هذه الانتخابات. وستنشر النتائج الأولية اليوم الأربعاء، والنتائج شبه الرسمية غدا الخميس، والنتائج الرسمية يوم الأربعاء في الأسبوع المقبل.
وجرت الانتخابات أمس في ظل قلق من خطر تكرار تجربة الانتخابات الإسرائيلية السابقة، نتيجة لتقارب حصص الحزبين المتنافسين: اليمين بقيادة نتنياهو، والوسط واليسار بقيادة غانتس، وعجز أي منهما عن تشكيل حكومة.
وأعلن الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين، أمس، أنه سيبذل كل ما بوسعه من أجل أن يتم تشكيل حكومة، والامتناع عن معركة انتخابية ثالثة في هذه السنة. واعتبر هذا التصريح بمثابة تحذير من ريفلين موجه بالأساس إلى نتنياهو الذي يتوقع أن يتصرف مرة أخرى بالطريقة ذاتها، ويحاول منع أي إمكانية لتشكيل حكومة من دونه. ومعروف أن ريفلين هو الذي يقرر تكليف أحد النواب بتشكيل الحكومة، بحسب ما ينص عليه القانون. وهو ملزم بتكليف عضو الكنيست الذي يجمع 61 نائباً يوصون به لتشكيل الحكومة. ولكن إذا لم يكن هناك نائب جمع هذا التأييد، وحصل نتنياهو أو غانتس على عدد أقل من التوصيات بتشكيل الحكومة، فإن الرئيس يصبح صاحب الحق الوحيد بتعيين رئيس حكومة مكلف. وعندما يقول إنه لن يسمح بإعادة الانتخابات مرة ثالثة في هذه السنة، فإنه يقصد أنه لن يعطي نتنياهو التكليف إلا إذا حصل على 61 توصية. فقد سبق له أن أعطى التكليف لنتنياهو، وعندما فشل هذا في تشكيل الحكومة، رفض إعادة كتاب التكليف، والتف على رئيس الدولة باللجوء إلى الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، وسن قانوناً خاصاً فرض بموجبه على الجميع التوجه إلى انتخابات جديدة. ولذلك فقد قصد ريفلين أنه سيكلف غانتس بتشكيل الحكومة، في حال عدم حصوله أو منافسه نتنياهو على 61 توصية من النواب.
وكانت الانتخابات الإسرائيلية الثانية في هذه السنة قد بدأت، أمس (الثلاثاء)، بأجواء ساخنة أثرت على الشارع، وبدا منها أن نسبة التصويت ستكون مرتفعة، وهذا هدف وضعه قادة جميع الأحزاب نصب عيونهم. وكما كان متوقعاً، جرى التركيز في اليمين واليمين المتطرف على تخفيض نسبة التصويت بين العرب. وقاد هذه الحملة بنيامين نتنياهو بنفسه، الذي نشر عدة تغريدات في «تويتر» وغيره من الشبكات الاجتماعية يرمي من خلالها معلومات بدا أنها كاذبة عن نسبة التصويت. فكتب في ساعات الظهر مثلاً: «أعلى نسبة تصويت سُجّلت الآن في كفر مندا». والجمهور اليهودي يعرف أن كفر مندا هي قرية عربية، لكنه لا يعرف أن في هذه القرية يحصل حزب المتدينين اليهود الشرقيين «شاس» على أعلى نسبة تصويت في القرى العربية. وعملياً، هذه القرية لا تهدد حكم اليمين. ولكن إضافة إلى ذلك، فإن فحصاً للأرقام بيّن أن نتنياهو لم يقل الحقيقة، وأن هناك بلدات كثيرة فاقت كفر مندا في نسبة التصويت، مثل المستعمرات اليهودية في الضفة الغربية المحتلة، وكذلك في البلدات اليهودية المتدينة بيتار عيليت وموديعين عيليت وغيرهما.
وفي الحقيقة، فإنه عندما كان نتنياهو يحذر من نسبه تصويت عالية عند العرب، كانت النسبة العامة في إسرائيل 28 في المائة، ونسبة التصويت عند العرب 16 في المائة فقط. ولكن هذا لم يمنع نشطاء اليمين من مواصلة استخدام هذه الكذبة للتحريض على العرب. وقامت حركة يمينية متطرفة تدعى «إم ترتسو» بمتابعة أوضاع التصويت بين العرب في النقب، حيث توجد 40 قرية غير معترف بها، ويحتاج سكانها السفر 20 - 30 كيلومتراً حتى يدلوا بأصواتهم. ولذلك كانت نسبة التصويت لديهم دائماً منخفضة، لا تتعدى 30 - 35 في المائة. وقد تبرعت جمعيات عدة بتوفير حافلات ركاب منظمة لجلبهم إلى صناديق الاقتراع، لكن «الليكود» اعترض على ذلك، بحجة أنها رشوة انتخابية. فأصدر رئيس لجنة الانتخابات المركزية، القاضي حنان ميلتسر، أمراً بمنع هذا النقل. وعندها، تبرع عشرات المواطنين اليهود والعرب في النقب بنقل المصوتين العرب في هذه القرى بسياراتهم الخاصة. وبالمقابل، راحت حركة «إم ترتسو» تراقب الأمر، وتقدم الشكوى تلو الأخرى للشرطة ضد من يخرق القانون.