تونس: سعيد يتحدث عن «ثورة شرعية» بعد تأكيد تصدره والقروي سباق الرئاسة

أكدت الهيئة التونسية العليا المستقلة للانتخابات ما كشفته استطلاعات رأي ونتائج غير رسمية عن خوض المرشحين قيس سعيد ونبيل القروي الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، بعد تصدرهما الجولة الأولى من الاقتراع التي جرت الأحد الماضي.
وقال رئيس الهيئة نبيل بافون في مؤتمر صحافي في العاصمة التونسية، أمس، إن سعيد، أستاذ القانون الدستوري المحافظ، جاء في المرتبة الأولى بحصوله على 18.4 في المائة من أصوات الناخبين، يليه القروي، قطب الإعلام المسجون بشبهة تبييض أموال، بـ15.6 في المائة من الأصوات.
وستجرى الجولة الثانية من الانتخابات قبل منتصف الشهر المقبل، لكن تحديد موعدها يتطلب انتهاء هيئة الانتخابات من الإجراءات القانونية المتعلقة بإعلان نتائج الجولة الأولى. واعتبر سعيد أن الناخبين قاموا بـ«ثورة شرعية». وقال: «وجه الناخبون رسالة واضحة وجديدة تماماً. لقد قاموا بثورة في نطاق الشرعية، ثورة في إطار الدستور. يريدون شيئاً جديداً. نحتاج فكراً سياسياً جديداً. وأنا اليوم في المرتبة الأولى لأنني لم أقم بحملة انتخابية تقليدية، قمت بحملة تفسيرية تتمحور حول الوسائل القانونية التي تتيح للشبان تحقيق أحلامهم وتطلعاتهم، وأن يكونوا أفراداً يمارسون سيادتهم كل يوم».
ورأى أن «المشكلات الاجتماعية لن تحل بالسلطة المركزية. ستكون قضية الشعب الذي سيجد الحلول. أنا لا أبيع برنامجاً، على المواطنين تحديد البرنامج والخيارات الكبرى لتجاوز البؤس. يجب أن ينبع ذلك منهم... في سيدي بوزيد والقصرين (مناطق مهمشة في وسط تونس الغربي) بإمكان الشبان أن يحددوا برنامجهم انطلاقاً من مشاغلهم ومعيشهم اليومي. لديهم حلول».
وأشار إلى أنه في حال فوزه «سيكون المجتمع المدني الفاعل الرئيسي. نحتاج تنظيماً سياسياً وإدارياً جديداً يتمحور حول الديمقراطية المحلية ويكون عماده المجالس المحلية مع أعضاء منتخبين يمكن إقالتهم أثناء ولايتهم». وحاول طمأنة المخاوف من مواقفه المحافظة، قائلاً إن «تونس كانت دائماً بلداً منفتحاً، وهي مجتمع معتدل. أنا منفتح على الأفكار الحداثية كافة. يمكن أن نتحاور».
وأشار رئيس هيئة الانتخابات إلى أن مرشح «حركة النهضة» عبد الفتاح مورو فاز بالمرتبة الثالثة بـ12.9 في المائة من أصوات الناخبين، فيما حل عبد الكريم الزبيدي رابعاً بنسبة 10.7 في المائة، وآلت المرتبة الخامسة إلى رئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي لم يحصل سوى على 7.4 في المائة من الأصوات.
وتمثل النتائج هزيمة كبيرة للأحزاب الرئيسية ومرشحيها، خصوصاً الشاهد والزبيدي ومورو الذين كانوا ينظر إليهم باعتبارهم الأوفر حظاً قبل الاقتراع. وينتظر أن تؤدي إلى مراجعات في هذه الأحزاب وربما تغييرات في قيادتها.
وأعلن القيادي في «حركة النهضة» زبير الشهودي استقالته من مهامه القيادية، ودعا رئيس الحزب راشد الغنوشي إلى «اعتزال السياسة وملازمة بيته وإبعاد صهره رفيق عبد السلام (وزير الخارجية السابق) وكل القيادات التي دلست إرادة كبار الناخبين داخل الحركة».
واعتبر الاستقالة «استجابة لرسالة مضمونة الوصول من الشعب العظيم»، في إشارة إلى النتائج التي أفرزتها الانتخابات الرئاسية واحتلال مرشح الحركة المرتبة الثالثة. وأضاف: «أعتذر من موقعي عن تقصيري في المساهمة في تحقيق أهداف الثورة التونسية في التنمية والرفاه والعدالة الاجتماعية الثانية لإخواني في حركة النهضة الغالبية الخلص منهم دون الأقلية الفاسدة والمفسدة».
وكانت هيئة الانتخابات أجلت موعد إعلان النتائج ساعتين لمراجعة المخالفات الانتخابية. وعقد مجلس الهيئة اجتماعاً مغلقاً لدراسة التقارير المتعلقة برصد الإخلالات خلال حملة الانتخابات الرئاسية وفترة الصمت الانتخابي ويوم الاقتراع.
كما اطلعت الهيئة على التقارير الواردة من هيئة رصد التغطية الإعلامية في الصحف الورقية والإلكترونية ومن الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري وتقارير مراقبة الحملة، قبل إصدار النتائج الأولية للدور الأول من الانتخابات الرئاسية.
وأكد ائتلاف «شركاء من أجل نزاهة الانتخابات» المكون من 26 جمعية من بينها منظمة «أنا يقظ» رصد 120 حادثاً «حرجاً» خلال يوم الاقتراع. وتوزعت الحوادث في مجملها على 30 واقعة فوضى في مكتب بمركز تصويت، و27 نشاطاً لحملة في مكتب مركز التصويت، و19 واقعة شراء أصوات أو رشوة. ورصدت 8 حالات عدم سماح لملاحظين بدخول مركز الاقتراع، بينما توزعت بقية الحوادث بين عنف (7 حالات) وحضور غير مبرر لقوات الأمن (5 حالات أخرى). لكن الائتلاف اعتبر أن «هذه الإخلالات التي شابت العملية الانتخابية لم تنعكس سلباً على إرادة الصندوق».
وقالت بعثة مراقبي الاتحاد الأوروبي في تونس، أمس، إن الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية كانت «شفافة»، لكنها أعربت عن أسفها لعدم تمكن مرشحين من القيام بحملتهم، في إشارة إلى قطب الإعلام الموقوف نبيل القروي.
وقال رئيس بعثة المراقبين نائب رئيس البرلمان الأوروبي فابيو كاستالدو إن الاقتراع «شكّل مرحلة إضافية في بناء الديمقراطية التونسية التي تتكرس كنموذج في المنطقة». وبحسب المراقبين الأوروبيين فإن الحملة الانتخابية كانت «تعددية»، مبدين مع ذلك تحفظاً بشأن إنصاف الاقتراع للجميع.
وقالت البعثة في بيان نقلته وكالة الصحافة الفرنسية: «مع الإقرار باستقلالية السلطة القضائية، تعتبر البعثة أن السلطات المعنية لم تتخذ الإجراءات الضرورية التي تتيح للمرشحين القيام بحملتهم في احترام لمبدأ تساوي الفرص المضمن في القانون التونسي». وأضافت أن «ما نراه مهماً هو ضمان أن تتيح الحملة الفرص ذاتها للمترشحين كافة. ومتى كان لهم وضع مرشح فيجب أن تكون لهم الحقوق والواجبات ذاتها».
يُشار إلى أن القروي مؤسس قناة «نسمة» الخاصة موضع شبهات قضائية منذ 2017، بعد شكوى بتهمة تهرب ضريبي وتبييض أموال من جمعية «أنا يقظ» التونسية غير الحكومية التي تعمل في مكافحة الفساد. وأوقف في 23 أغسطس (آب) الماضي قبل عشرة أيام من بدء الحملة الانتخابية، ما دفع مراقبين إلى الحديث عن تسييس القضاء.
وقال كاستالدو إن «الغضب على الأحزاب السياسية التقليدية والصعوبات الاجتماعية والاقتصادية تظل مصدر قلق كبير». وستنشر بعثة المراقبة الانتخابية للاتحاد الأوروبي التي نشرت مائة مراقب، تقريرها بعد إعلان النتائج النهائية.