الاستخبارات الأميركية تكشف عن استخدامها الحمام في التجسس أثناء الحرب الباردة

بحلول عام 1967 أنفقت الوكالة أكثر من 600 ألف دولار على برامج توظف الحيوانات

ارتأت وكالة المخابرات المركزية أن الحيوانات والطيور يمكن أن تؤدي المهام السرية «الفريدة»
ارتأت وكالة المخابرات المركزية أن الحيوانات والطيور يمكن أن تؤدي المهام السرية «الفريدة»
TT

الاستخبارات الأميركية تكشف عن استخدامها الحمام في التجسس أثناء الحرب الباردة

ارتأت وكالة المخابرات المركزية أن الحيوانات والطيور يمكن أن تؤدي المهام السرية «الفريدة»
ارتأت وكالة المخابرات المركزية أن الحيوانات والطيور يمكن أن تؤدي المهام السرية «الفريدة»

كشفت وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه) عن تفاصيل مهامها السرية خلال سنوات الحرب الباردة.
وأعلنت أنها دربت الحمام على القيام بمهام سرية لتصوير مواقع حساسة داخل الاتحاد السوفياتي. وكشفت كذلك عن استخدام الغربان في زرع أجهزة التنصت على النوافذ، وعن تدريب الدلافين للقيام بمهام تحت الماء. فقد ارتأت وكالة المخابرات المركزية أن الحيوانات والطيور يمكن أن تؤدي المهام السرية «الفريدة» لخدمة الوكالة.
هناك داخل مقر «سي آي إيه» بمنطقة لانغلي بولاية فيرجينيا متحف، لكنه للأسف مغلق أمام عامة الناس. وخلال زيارة لمراسل «بي بي سي» للشؤون الأمنية غوردن كوريرا إلى هناك، لاحظ شيئاً غير عادي وسط جميع أجهزة التنصت وأدوات التجسس المعروضة، لم يكن ذلك الشيء سوى نموذج لحمامة مثبت بها كاميرا.
ما زاد اهتمامه بهذا الأمر، وفق تقرير نشره على موقع «بي بي سي» أول من أمس، هو أنه ألّف في السابق كتاباً عن حمام التجسس البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية. لكن جرى إخباره مراراً وتكراراً بأن تفاصيل مهام حمام التجسس التابع لوكالة الاستخبارات المركزية لا تزال سرية.
وأطلق اسم «تاكانا» على العملية التي جرت في السبعينات، وكان الهدف منها تجربة استخدام الحمام عن طريق تثبيت كاميرات دقيقة لالتقاط الصور تلقائياً، وهو ما أظهرته الملفات التي أفرج عنها مؤخراً.
ويعود استخدام الحمام في الاتصالات إلى آلاف السنين، لكن في الحرب العالمية الأولى بدأ استخدامه في جمع المعلومات الاستخبارية.
وفي الحرب العالمية الثانية، كان لفرع الاستخبارات البريطانية إدارة سرية مستقلة للحمام، وقامت بدورها بإسقاط الحمام مرفقاً باستبيانات في حاوية باستخدام مظلة فوق أوروبا. وعادت أكثر من 1000 حمامة برسائل بما في ذلك تفاصيل مواقع إطلاق الصواريخ ومحطات الرادار الألمانية.
إحدى الرسائل الصادرة عن مجموعة مقاومة تحمل اسم «ليوبولد الانتقامية» كتبت تقريراً استخباراتياً من 12 صفحة أرسل مباشرة إلى تشرشل. وبعد الحرب، نظرت «لجنة الحمام الفرعية» التابعة للجنة الاستخبارات البريطانية المشتركة في خيارات الحرب الباردة. وفي حين جرى إغلاق ملف العمليات البريطانية، فقد واصلت «سي آي إيه» استغلال قوة الحمام في التجسس.
وكشفت الملفات أن «سي آي إيه» دربت غراباً على تسليم وتسلم أشياء صغيرة لا يتعدى وزنها 40 غراماً من عتبة النوافذ بأحد المباني التي يتعذر الوصول إليها.
واستخدم شعاع ليزر أحمر للإشارة إلى الهدف، واستخدم مصباح لإرشاد الغراب إلى طريق العودة. وفي إحدى المرات، أرسلت «سي آي إيه» سراً بجهاز تنصت إلى شخص ما في أوروبا بواسطة الطيور تلقاه عن طريق النافذة.
وقامت «سي آي إيه» أيضاً بتجارب لمعرفة إمكانية استخدام الطيور المهاجرة لوضع أجهزة استشعار لمعرفة ما إذا كان الاتحاد السوفياتي قد اختبر أسلحة كيماوية، أم لا. ويبدو كذلك أن بعض التجارب قد جرت على التحفيز الكهربائي لأدمغة الكلاب لتوجيهها عن بعد، رغم أن كثيراً من التفاصيل في هذا الصدد لا تزال سرية، وفق تقرير «بي بي سي».
كذلك جرى الإبلاغ عن عملية تحمل اسم «القطة المتنصتة» وذلك بزرع أجهزة تنصت داخل جسم قطة. وفي الستينات، أظهرت الملفات أن «سي آي إيه» نظرت في استخدام الدلافين لـ«اختراق الموانئ»، سواء كانت مأهولة أو غير مأهولة. لكن كانت هناك مشكلة في نقل تبعية الدرفيل من مدرب لآخر.
وبحلول عام 1967، كانت وكالة المخابرات المركزية تنفق أكثر من 600 ألف دولار أميركي (480 ألف جنيه إسترليني) على 3 برامج؛ برنامج «أوكسيجاس» للدلافين، و«أكسيلويت» للطيور، و«كيشل» للكلاب والقطط. التفاصيل في بعض الأحيان تكون هزلية، إذ كشف أحد الملفات عن تدريب الصقور الكندية والخروج بها على متن قارب، ومرة أخرى حاولوا تدريب ببغاء.
وأثبت الحمام فاعلية أكبر، ففي منتصف السبعينات، شرعت «سي آي إيه» في إجراء سلسلة من الاختبارات، كان أحدها فوق أحد السجون، والآخر فوق ساحات القوات البحرية في العاصمة واشنطن.
تكلفت الكاميرا الواحدة آنذاك ألفي دولار وكان وزنها 35 غراماً فقط، ولم يتعدَّ وزن لجام تثبيت الكاميرا 5 غرامات. أظهرت الاختبارات أن نحو نصف الصور التي بلغ عددها 140 كانت ذات نوعية جيدة، حيث أظهرت تفاصيل بالغة الوضوح للأشخاص يمشون وسيارات متوقفة في الشارع.
وجد الخبراء أن جودة الصور الفوتوغرافية أعلى من تلك التي تنتجها أقمار التجسس المستخدمة في ذلك الوقت. وكان أحد المخاوف التي أثيرت خلال الاختبارات هو ما إذا عثر أحد الأشخاص العاديين على «الحمام والكاميرا»، وافترض أن الحكومة كانت تتجسس على الشعب، بحسب التقرير ذاته.
وكان الغرض من استخدام الحمام هو مراقبة أهداف الاستخبارات «ذات الأولوية» داخل الاتحاد السوفياتي. فقد أشارت الملفات إلى أنه كان من المفترض أن يجري إرسال الطيور سراً إلى موسكو. ونظرت وكالة المخابرات المركزية في كثير من الطرق التي يمكن من خلالها إرسالها إلى هناك ثم إطلاقها، وكان التفكير في وضعها أسفل معطف سميك أو إطلاقها من فتحة بأرضية سيارة أثناء توقفها هناك.
نظرت «سي آي إيه» فيما إذا كان يمكن إطلاق الحمام من نافذة جانبية أثناء سير السيارة بسرعة تصل إلى 50 ميلاً في الساعة، أم لا. كان من المفترض أن يجري إطلاق الحمام على بعد أميال قليلة من الهدف، ثم يطير فوقه قبل أن يعود إلى المكان الذي تدرب على العودة إليه.
يظهر من مذكرة كتبت في سبتمبر (أيلول) 1976، أنه جرى تحديد الهدف، وكان الهدف هذه المرة هو أحواض بناء السفن في لينينغراد، حيث جرى بناء الغواصات السوفياتية المتقدمة.
في هذه المرحلة بدا أن العملية مجدية بالفعل. وهنا انتهت قصة الملفات التي رفعت عنها السرية.
كم عدد المهام الفعلية التي طار من أجلها حمام التجسس؟ وما المعلومات التي جمعها؟ يبدو أن الإجابات عن تلك الأسئلة لا تزال سراً.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».