الـ«كولفي»... آيس كريم هندي من العصور الوسطى

يعتبر الكولفي من الحلوى المجمدة التي تشبه الآيس كريم التقليدي المعروف مع اختلافات تميزه عنه. فهو نوع من الآيس كريم الهندي المحلي الأكثر ثراء بالفاكهة الطبيعية ويتميز بالقوام الكثيف. فهو غير مخفوق مثل الآيس كريم الغربي العادي، وهو من العوامل الأخرى المضافة إلى كثافته الرائعة، وعلاوة على ذلك، فهو يُصنع باستخدام كريمة الحليب أو ما يمكن اعتباره الحليب المبخر. ومن العوامل الأخرى التي تميز آيس كريم كولفي عن الآيس كريم التقليدي هو تفرده بطعم الكراميل نظرا لتسخين اللاكتوز أثناء إعداده.
- الأصول والتاريخ
ترجع شهرة آيس كريم كولفي إلى العصور الوسطى الهندية، حيث كانت أساليب التبريد لا تزال في مراحلها الأولى المبكرة. كان الناس في تلك الأوقات يضيفون النكهات المتنوعة إلى الحليب الصافي ثم يقومون بدفنه في أعماق الأرض في المواضع الباردة أو هم يغمرونه في الثلج من جميع الجهات. وكانت درجات الحرارة المنخفضة للغاية تؤدي إلى تجميد الحليب فيخرج عنه حلوى مجمدة لذيذة للغاية ومرتفعة الثمن وقتذاك. وتتحدث الكثير من النظريات عن الأصول الأولى لآيس كريم كولفي الهندي. لكن الروايات الأكثر شعبية وحضورا هناك تفيد بأنه من ابتكارات الشرق الأوسط القديم ثم جرى جلبه بواسطة التجار إلى الهند من تلك المنطقة.
تُشتق كلمة «كولفي» من اللغة الهندية ويقال إنها مرادفة لكلمة «الثلج». وعند نطقها «كُلفي» - بضم الكاف وإهمال الواو - باللغة الفارسية فإن معناها يُترجم ويقصد به معنى «الكأس المغطاة»، التي ترجع بأصلها إلى اللغة العربية. وكان مزيج الحليب الكثيف المبخر من المكونات شائعة الاستخدام بالفعل في إعداد أطباق الحلوى الفاخرة في شبه القارة الهندية قديما. وإبان حكم سلالة المغول الملكية، كانت النكهات المتنوعة مثل الفستق والزعفران غالبا ما تُضاف إلى مزيج الحليب المكثف ثم يُعبأ في أقماع معدنية محكمة الغلق ثم تُغمر في أعماق الجليد، مما أسفر في نهاية المطاف عن اختراع آيس كريم كولفي. جاء في كتاب «آئين أكبري»، وهو سجل مفصل لأيام حكم الملك «أكبر» إمبراطور المغول، استخدام مقياس الملوحة في التبريد فضلا عن نقل الثلج من جبال الهيمالايا إلى المناطق الدافئة لاستخدامها في المطابخ المغولية القديمة.
ومن المثير للاهتمام أيضا، أن طريقة صناعة وتجميد آيس كريم كولفي اليوم لا تختلف عن الطريقة القديمة، وذلك من بين عوامل جاذبية هذه الحلوى لمن يتوقون لتذوق الآيس كريم الهندي بالطريقة القديمة. وغني عن القول، إن صناع آيس كريم كولفي المحترفين، وأولئك الذين يواصلون صناعته داخل البيوت اليوم، يقومون بتجميده داخل مبردات الثلاجات.
آيس كريم كولفي معروف في كافة أرجاء شبه القارة الهندية، وفي سريلانكا، وباكستان، وبنغلاديش، ونيبال، وبورما (ميانمار)، وبلدان الشرق الأوسط. كما أنه متوافر على نطاق كبير في المطاعم المعنية بتقديم المأكولات من شبه القارة الهندية في جميع أنحاء العالم. وأضيفت الكثير من التعديلات على هذه الحلوى اللذيذة في الزمن المعاصر، ولدينا اليوم الكثير والكثير من أنواع ونكهات آيس كريم كولفي الرائع. ويمكن تقديم الكولفي في أوعية مجمدة يُعرف في الهند باسم «الماتكا»، أو بأسلوب الآيس كريم التقليدي اعتمادا على عصي الخيزران القصيرة. وبعض المطاعم الراقية تقدمه مقطعا في حلقات صغيرة موزعة على أطباق الحلوى. أما آيس كريم كولفي المصنوع في المنازل، فغالبا ما يُقدم في قوالب بلاستيكية عادية.
أما بالنسبة إلى البائعين الجائلين المحليين فإنهم يبيعون آيس كريم كولفي المحلي من دون مزيد زخارف أو علامات تجارية براقة، وهم يحافظون على القوالب مجمدة عن طريق حفظها مغمورة في مزيج من الجليد والملح داخل عرباتهم. ولدى الكثير من العائلات، فمن المألوف والتقليدي لديهم تناول هذه الحلوى اللذيذة أثناء العودة إلى المنازل بعد قضاء أمسية جميلة في الخارج.
- كيفية صناعة آيس كريم كولفي
لإعداد هذه الحلوى اللذيذة، يُطهى الحليب المُضاف إليه السكر أو النكهات المفضلة ببطء شديد مع التحريك المستمر حتى لا يلتصق الحليب بالإناء. والنتيجة المنتظرة هي الكريمة الثخينة الأكثر سمكا، ودسما، والغنية بالبروتين، فضلا عن السكر واللاكتوز الذي يُضفي إلى آيس كريم كولفي نكهة الكراميل الطبيعية الساحرة. ومع اكتمال عملية التسخين، تُضاف إليه نكهات ماء الورد، والهيل، والقرفة، والزعفران، واللوز، والفستق، والفواكه الموسمية المجففة. ثم يُضاف إليه قدر من الملح لتعزيز النكهات المركزة بالفعل. ويمكن تناول آيس كريم كولفي في الكثير من النكهات المتنوعة مثل الكريمة، والورد، والمانغو، والفانيليا، والهيل، والزعفران، والفستق.
يجري تجميد المزيج شبه المكثف في قوالب محكمة الغلق من المعدن أو الفخار ثم تُغمر في الثلج المملوء بالملح لتسريع عملية التجميد. ثم يوضع مزيج الثلج والملح، جنبا إلى جنب مع قوالب آيس كريم كولفي المغمورة، في أوعية فخارية توفر العزل عن الحرارة الخارجية وتزيد من بطء ذوبان الثلج.
وآيس كريم كولفي، الذي يجري تحضيره بأسلوب التجميد البطيء، يترك شعورا لذيذا وفريدا في الفم أثناء التذوق وخاليا من بلورات الثلج المزعجة. كما يسمح القوام الكثيف لآيس كريم كولفي بالذوبان ببطء كبير مقارنة بالآيس كريم الغربي المعروف. وتجري اليوم صناعته باستخدام الكريمة الثقيلة، أو الحليب المبخر، أو الحليب المكثف المُحلى وذلك من أجل تسريع عملية الإعداد. كما يمكن أيضا إضافة حشوات من اختيارك إلى آيس كريم كولفي مثل فتات الخبز الطازج، أو العجين المصنوع من الماء ونشا الذرة، من أجل تسريع كثافة المزيج، برغم أن هذه الطريقة لا تترك الآيس كريم نقيا مثل الكولفي المصنوع بالطريقة التقليدية.
وهناك طريقة أسهل لإعداد آيس كريم كولفي تتمثل في غلي الحليب مع إضافة فتات الخبز الطازج، مع «الماوا» (وهي الحليب المجفف كامل الدسم)، والسكر، مع التحريك المستمر. ثم تُقشط طبقة الكريمة المتكونة من التحريك والغلي المستمر مع إضافتها مرة أخرى في النهاية من أجل زيادة كثافة الحليب.
ومن المثير للاهتمام في الأمر أن الأساطير الشعبية الهندية تقول إن آيس كريم كولفي له خصائص معززة للقدرات الجنسية بسبب ما يُضاف إليه بسخاء من المكسرات المتنوعة مثل اللوز، والفستق، والجوز بمختلف أنواعه. وهذا هو السبب في أن الكثير من الأفلام الهندية الجنوبية القديمة كانت تستعين بوصول بائع آيس كريم الكولفي إلى أحد الأحياء للإشارة إلى إيحاءات غير صريحة!
منافذ بيع الكولفي الشهيرة
يمكن بكل بساطة إطلاق اسم «عاصمة الكولفي» على العاصمة الهندية نيودلهي. فليست هناك ندرة أبدا في أكشاك بيع آيس كريم الكولفي هناك. وهناك متجر أو كشك في كل حي من أحياء العاصمة يقدم مجموعة متنوعة ومغرية لا تقاوم من هذه الحلوى الرائعة التي تساعدك على إرواء الظمأ وتمنحك جرعة من السكريات التي تشتد حاجة الجسم إليها لا سيما في شهور الصيف الساخنة. إلا أن هناك بعضا من منافذ بيع آيس كريم كولفي الشهيرة التي تعمل في هذا المجال منذ عقود.
ففي مدينة دلهي القديمة، وهي العاصمة القديمة لعهد حكم المغول والمعروفة باسم «شاهان آباد»، هناك متجر يرجع تاريخه إلى 113 عاما مضت لم يُغلق أبوابه منذ افتتاحه، وهو «كوريمال موهان لال كولفي والي»، الذي تأسس في عام 1906، وكان من بين أبرز عملاء المتجر القديم رئيسة الوزراء الهندية الراحلة أنديرا غاندي وكذلك إيتال بيهاري فاجبايي رئيس وزراء البلاد الأسبق. ويعد متجر الآيس كريم الكولفي من نكهات متعددة بالكريمة المكثفة والفواكه الطازجة حتى أنه يصعب على أي علامة تجارية أخرى أن تواكب ما برع هذا المتجر العتيق في تقديمه.
ويقدم هذا المتجر أيضا آيس كريم كولفي الخالي من الحليب والمعروف باسم «كولفي جولبيب»، وهو مثالي للأشخاص الذين يعانون من مشاكل مع اللاكتوز ولا يتحملون هضمه بسهولة. و«كولفي جولبيب» عبارة عن آيس كريم مثلج منزوع الحليب ومفعم بالفاكهة الطازجة، ويقدم مع رشة سخية من مسحوق «تشات ماسالا» الذي يمنحه مذاقا حلوا ولاذعا في آن واحد، وهو من الحلوى التي لا غنى عنها في الأيام الرطبة. ولدى المتجر أيضا مجموعة واسعة من «كولفي جولبيب» مع نكهات التوت الأزرق، والتمر الهندي، والجوافة، والكيوي، والليتشي، والسابوديلا، من بين نكهات أخرى. كما يقدم متجر «كوريمال» آيس كريم كولفي المحشو المكون من ثمرة الفاكهة الحقيقية، وقدم «موهان لال»، صاحب المتجر، هذه النوعية الجديدة والمصنوعة عن طريق تفريغ (تجويف) قطعة الفاكهة الكاملة، مع خفق اللب مع كريمة الحليب، ووضع المزيج مرة أخرى داخل الفاكهة المجوفة. ويقتصر هذا النوع المبتكر من آيس كريم كولفي على التفاح، والأناناس، والرمان، والبرتقال، والمانغو، حيث يقوم نادل المتجر أمام الضيوف بقطع الفاكهة، ثم تجويفها، ثم خفقها، ثم إضافة المزيج الجديد داخل الكولفي.
يقول موهان لال: «كولفي المانغو والرمان هما الأكثر مبيعا حاليا، ولكننا نجهز الكولفي المحشو بكافة نكهات الفواكه تقريبا لطلبات العملاء المسبقة. وفي العام الحالي، قدمنا كولفي الخوخ الجديد». وأضاف أن منتجات المتجر طبيعية 100 في المائة، وبصناعة يدوية بارعة، وذات جودة عالية. وفي أي وقت من الأوقات، يكون في المتجر من 50 إلى 60 موظفا يشرفون على خدمة العملاء، ويرتفع العدد خلال فصل الصيف وفي موسم الزفاف.
وتعد الطلبات الكبيرة هي المصدر الأول والرئيسي لإيرادات المتجر، لا سيما في حفلات أعياد الميلاد، وحفلات الزفاف الشهيرة، بما في ذلك حفلات زفاف نجوم بوليوود المشهورين أمثال «توينكل خانا» و«أكشاي كومار» في عام 2001.
وحفل زفاف كريمة «برامود ميتال» (شقيق قطب صناعات الصلب الهندي لاكشمي ميتال) في مدينة فينيسيا الإيطالية في عام 2011، وتأتي مختلف الطلبات الخارجية إلى المتجر الهندي قادمة من إيطاليا، وجزر موريشيوس، وتايلاند، وغيرها من البلدان.
ومن أبرز العلامات التجارية الشهيرة الأخرى العاملة في مجال آيس كريم كولفي هناك «روشان دي كولفي» في نيودلهي. ويرجع هذا المتجر بتاريخه العريق إلى باكستان عندما هاجر «روهان لال سوني» من لاهور إلى دلهي إبان التقسيم في عام 1947. وحتى يومنا هذا، يأتي المئات من الزبائن يوميا إلى متجر «روشان دي كولفي» لتذوق نكهات الزعفران، واللوز، والفستق الممتزج بالفالودة (وهي الشعرية المصنعة من النشا).
يجري تحضير حلوى الألبان عن طريق تكثيف الحليب بتسخينه ببطء شديد. وبعد أن يهدأ، تُضاف المكسرات الجافة مثل اللوز والفستق إلى جانب الزعفران وماء الورد، وتترك لتتجمد في أقماع مخروطية الشكل. ثم تُضاف إليها رقائق الفالودة قبل التقديم. وظل المتجر يعمل في مكانه الحالي منذ عام 1951 وحتى الآن وليس له فرع آخر في البلاد.
يقول إيشان، حفيد مؤسس المتجر: «كان جدي يهتم كثيرا بجودة المنتجات المستخدمة في صناعة الكولفي، ولا يتنازل عن ذلك أبدا. وقبل ذلك، كان يعتاد حمل الحليب على كتفه ويسير به طوال الطريق من شاكتي ناغار إلى كارول باغ، في مسافة تتجاوز خمسة كيلومترات يوميا. نحن لا يمكننا مجرد التفكير في ذلك الآن».
ويضيف إيشان «هناك الكثير من المشاهير الذين زاروا متجرنا من قبل مثل رئيس الوزراء الأسبق إيتال بيهاري فاجبايي، ولاعب الكريكت الشهير قابيل ديف، اللذين كانا من أشهر عملائنا».