«أبعاد» اللبنانية تحقق إنجازاً عالمياً من خلال باص «جينا الدار»

باص «جينا الدار» الذي تتمحور حوله مبادرة «أبعاد» في التنمية المستدامة
باص «جينا الدار» الذي تتمحور حوله مبادرة «أبعاد» في التنمية المستدامة
TT

«أبعاد» اللبنانية تحقق إنجازاً عالمياً من خلال باص «جينا الدار»

باص «جينا الدار» الذي تتمحور حوله مبادرة «أبعاد» في التنمية المستدامة
باص «جينا الدار» الذي تتمحور حوله مبادرة «أبعاد» في التنمية المستدامة

من بين 960 مبادرة تبغي تحقيق أهداف لتنمية مستدامة تندرج على أجندة الأمم المتحدة فازت منظمة «أبعاد» اللبنانية وبمبادرتها «جينا الدار» كواحدة من أهم 10 مبادرات مبتكرة. وبذلك ستشارك «أبعاد» ممثلة بمديرتها غيدا عناني في قمة الحلول الخاصة في الأمم المتحدة وهي تعقد سنوياً في مقرها في نيويورك. وتهدف هذه القمة التي ستجري في أواخر سبتمبر (أيلول) الجاري - حيث يعرّف فيها الفائزون عن مبادراتهم أمام الكثير من روّاد ورائدات الابتكار من القطاعين الخاص والعام وقادة الأعمال الخيرية - إلى إلقاء الضوء على عمل الفرق والمنظمات الاستثنائية التي تشارك في وضع حلول مبتكرة تتناول التنمية المستدامة.
وتتمثل مبادرة «جينا الدار» من خلال باص يحمل هذا الاسم ويتنقل في مناطق وبلدات لبنانية نائية مع فريق عمل متخصص. فيقدم خدمات حول الوقاية والحد من جميع أشكال العنف ضد النساء والفتيات. وتتضمن اللقاءات والجلسات التي يوفرها الباص توعية على الحقوق القانونية للنساء وعلى أخرى تشمل التوعية الصحية والإنجابية لدى النساء. فتقدم «أبعاد» خدمات مجانية متخصصة في مجالات الدعم النفسي والاجتماعي والقانوني والطبي.
«إن هذا الإنجاز الذي حققه لبنان وحده على صعيد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هو بمثابة إقرار أو اعتراف بالقيمة الابتكارية لدى (أبعاد)... وهو ما سيزودنا بالمصداقية والثقة مع شركاء يستثمرون في لبنان ضمن مشاريع تنموية». تقول غيدا عناني مديرة منظمة «أبعاد» في حديث لـ«الشرق الأوسط». وتضيف: «هذه الجائزة هي كناية عن مكافأة لقدرة التغيير التي نتمتع بها. والقيمون على هذا الموضوع أخذوا بعين الاعتبار الأثر الإيجابي الذي تتركه مبادرة باص (جينا الدار) وراءها وليس على الفكرة وحدها».
ومن بين الدول العشر التي فازت على هذا الصعيد بلدان أفريقية كغانا ومن أميركا اللاتينية وتشيلي وكولومبيا، إضافة إلى دول أخرى أوروبية.
«ما لفتنا هو أن اسم منظمة (أبعاد) يتصدّر هذه اللائحة وجاء في المرتبة الأولى فيها. فالمبادرات الأخرى الفائزة التي تأتي بعدنا على اللائحة المذكورة لم يتم إدراجها وفقاً للتسلسل الأبجدي وهو ما يؤكد نظريتنا بأننا كنا في الطليعة». توضح عناني في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط».
تراوحت موضوعات باقي المبادرات حول المناخ والمياه والتكنولوجيا والتربية وتعليم الفتيات وغيرها من المبادرات. «لقد مر المتقدمون على هذه الجائزة في مرحلتين متتاليتين تمثلت بمرحلة التصفية نصف النهائية والأخيرة. ومن بين 65 مبادرة اجتازت المرحلة الأولى استطعنا أن نتصدر لائحة الفائزين المؤلفة من 10 بلدان في العالم». تؤكد غيدا عناني التي تتابع: «المنافسة كانت صعبة وكنا الوحيدين في المنطقة الذين استطاعوا تحقيق هذا الإنجاز على منصة دولية».
والمعروف بأن مبادرة باص «جينا الدار» يعود تاريخ تأسيسها إلى عام 2016، واستطاعت منذ ذلك الوقت حتى اليوم زيارة نحو 60 قرية في مناطق الشمال والجنوب والبقاع، وأخرى في جبل لبنان والمخيمات الفلسطينية. والتقت بأكثر من 13000 شخص من نساء ورجال وأطفال. وإضافة إلى نشاطها التوعوي فهي تلحظ برنامج نشاطات ترفيهية وتثقيفية فتقدم في تلك القرى فنون المسرح التفاعلي ومسرح الدمى تطال 5 قرى مجاورة.
«ما لاحظناه في جولاتنا هو عدم الأخذ بعين الاعتبار المرأة المعاقة وكذلك الأمر بالنسبة للمرأة المسنة وهو ما أدرجناه على أجندة نشاطاتنا أيضاً». تقول عناني التي تلخص رؤيتها المستقبلية لـ«أبعاد» فتوضح: «ما نطمح إلى تحقيقه في المستقبل القريب هو التركيز على موضوع الخدمات المتخصصة من طبية وصحة نفسية. وكذلك زيادة قدراتنا على دعم فئات محددة تعاني من إعاقة بصرية وسمعية. وسنلجأ إلى أساليب تكنولوجية متقدمة لخلق شبكة مع مقدمي خدمات مختلفة في جميع المناطق اللبنانية».
وتضيف في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «إن هذا الفوز يؤكد على تمتعنا في لبنان ورغم حملات التشويه التي تلاحقه، بقدرات وطاقات كثيرة بحيث لا نحتاج إلى منظمات دولية لتحقيقها. فهناك لبنانيون لا يزالون يؤمنون بقدرات لبنان على التغيير، وهو الأمر الذي يتيح لنا الفرص لإضافة إمكانيات جديدة على إدارة موارد ومشاريع تنموية كبيرة يستفيد منها البلد بأكمله في مجال العمل التنموي».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».