إعادة اللاجئين السوريين رسالة إلى خصوم إردوغان في الداخل والخارج

مصنع أنسجة يعتمد على الأيدي العاملة من سوريا في غازي عنتاب (نيويورك تايمز)
مصنع أنسجة يعتمد على الأيدي العاملة من سوريا في غازي عنتاب (نيويورك تايمز)
TT

إعادة اللاجئين السوريين رسالة إلى خصوم إردوغان في الداخل والخارج

مصنع أنسجة يعتمد على الأيدي العاملة من سوريا في غازي عنتاب (نيويورك تايمز)
مصنع أنسجة يعتمد على الأيدي العاملة من سوريا في غازي عنتاب (نيويورك تايمز)

شرعت تركيا في عكس مسارها المعتمد منذ أكثر من ثماني سنوات من حيث الترحيب بملايين اللاجئين السوريين على أراضيها وبدأت، خلال الأسابيع الأخيرة، في إجبار الآلاف منهم على سرعة مغادرة المدن التركية الرئيسية مع نقل الكثير منهم إلى المناطق المتاخمة للحدود التركية السورية في حافلات بيضاء اللون ترافقها سيارات الشرطة المحلية.
ويحاول الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الدفع في مسار أحد الحلول الجذرية المتمثل في إعادة توطين اللاجئين السوريين في المناطق السورية الخاضعة لسيطرة الولايات المتحدة وحلفائها الأكراد داخل البلاد. وإن تعذر تحقيق ذلك، فإنه يهدد بإرسال طوفان من اللاجئين السوريين إلى أوروبا.
وكان الرئيس التركي يطالب منذ فترة طويلة بإنشاء منطقة عازلة على طول الحدود التركية مع سوريا للحيلولة دون تقدم القوات الكردية التي يعتبرها تشكل تهديداً أمنياً خطيراً على بلاده. بيد أنه أعاد النظر في تلك الفكرة، بحسب صحيفة «نيويورك تايمز»، لاستخدامها منطقة يتجمع فيها المواطنون السوريون الهاربون من ويلات الحرب الأهلية في بلادهم - وذلك مع ارتفاع حالة الاستياء الشعبي داخل تركيا من تواجد السوريين بكثرة في البلاد، فضلاً عن الهجوم العسكري الروسي - السوري، الذي ما زال يدفع بمئات الآلاف من اللاجئين الفارين من أعمال القتال المستعرة في اتجاه الحدود التركية.
وكان الاتحاد الأوروبي قد منح تركيا نحو 6.7 مليار دولار منذ عام 2015 للمساعدة في السيطرة على تدفقات المهاجرين الذين يقصدون مختلف المدن الأوروبية. لكن تركيا، التي وفرت الملاذ الآمن لأكثر من 3.6 مليون لاجئي سوري منذ بدء الحرب الأهلية السورية، تقول إن مشاكل المهاجرين في زيادة مطردة.
وشرع اللاجئون السوريون في تحويل أنظارهم صوب أوروبا مرة أخرى. وذكر المسؤولون الأتراك والدوليون، أن هناك زيادة ملحوظة في عدد المهاجرين واللاجئين الذين يحاولون العبور بالقوارب من تركيا إلى أوروبا، وأن الكثيرين منهم مواطنون سوريون يغادرون مدينة إسطنبول منذ بدء حملة الشرطة التركية هناك. وتمكن أكثر من 500 لاجئ من الوصول إلى جزيرة ليسبوس اليونانية على متن أحد القوارب الأسبوع الماضي.
وتتخذ السلطات التركية إجراءات صارمة في الآونة الأخيرة بحق السوريين الذين يعملون بشكل غير قانوني أو من دون أوراق رسمية، مع فرض الغرامات المالية على أرباب الأعمال، وإجبار المصانع والورش على الإغلاق. وواصلت وسائل الإعلام التركية الموالية للحكومة الهجوم على اللاجئين السوريين، واتجه أصحاب العقارات والممتلكات إلى رفع القيم الإيجارية التي يتقاضونها منهم، كما تعج مختلف منصات التواصل الاجتماعي التركية بالتعليقات المناهضة، وربما المسيئة لوجود اللاجئين السوريين في البلاد.
أما بالنسبة إلى السوريين الذين يعيشون حالياً في تركيا، فإن تحول الموقف السياسي للحكومة التركية ضدهم يشكل صدمة عنيفة ومؤلمة للغاية. يقول مهند غباش، أحد النشطاء العاملين لدى منظمة غير حكومية في مدينة غازي عنتاب التركية الجنوبية القريبة من الحدود السورية لـ«نيويورك تايمز»: «إنها كارثة جديدة حلت على رؤوس الشعب السوري».
وأضاف، أن السلطات أبلغت العمال السوريين في البلاد بضرورة الحصول على تصاريح قانونية للعمل مع سداد رسوم الضمان الاجتماعي للإقامة، غير أن الكثيرين من اللاجئين السوريين لا تتحمل ظروفهم الراهنة سداد التكاليف الإضافية، وحتى إن تمكنوا من ذلك بطريقة أو بأخرى، فإنهم يخشون من فرض المزيد من القواعد عليهم، ومن بينها إحدى اللوائح التي تطالب بتوظيف خمسة مواطنين أتراك في مقابل تعيين كل لاجئ سوري في أي شركة عاملة في البلاد.
وقام ضباط الشرطة التركية بزيارة أحد محال البقالة والمعجنات السورية في غازي عنتاب، وطلبوا من أصحابه إزالة اللافتات المكتوبة باللغة العربية على واجهة المتجر أو مواجهة الغرامة المالية، محاولين في ذلك إنفاذ القانون المحلي الذي يتجاهلون تنفيذه منذ ثماني سنوات كاملة. ولقد امتثل السوريون لتلك التعليمات، وأزالوا اللافتة العربية واستبدلوها بأخرى تحمل الحروف التركية ورفعوا الأعلام التركية كذلك إعلاناً منهم عن تضامنهم، لكن البعض منهم أعرب عن غضبه واستيائه؛ لأن ذلك سوف يُفقدهم بعض الزبائن الذين لا يفقهون اللغة التركية.
وتمكن المواطنون السوريون، الذين باتوا يشكلون الآن نسبة 20 في المائة من مواطن مدينة غازي عنتاب التركية، من تحويل وجه المدينة تماماً مع استثمار رؤوس الأموال، وجلب المزيد من مهارات العمل، فضلاً عن العمالة الرخيصة.
وأغلب اللاجئين السوريين في هذه المدنية قدموا من مدينة حلب السورية المنكوبة، ثاني أكبر المدن في البلاد التي شكلت في الماضي أحد أبرز المراكز التجارية والثقافية المتطورة. واستطاعوا إنشاء حي متخصص في صناعة المنسوجات في غازي عنتاب، حيث تتقاسم فيه الشركات السورية والتركية العمل والمباني والعمالة والأرباح. وذلك فضلاً عن مئات المقاهي، والمطاعم، والمتاجر، ومحال الحلويات التي تلبي احتياجات السكان هناك.
واستطاع عمال البناء السوريون ترميم بعض المواقع الأثرية المتهدمة في المدينة القديمة، ووجد عمال النحاس السوريون المهرة مكاناً لهم إلى جانب العمال الأتراك، وضربوا أروع الأمثلة بالتصاميم اليدوية المعقدة في أباريق النحاس والأطباق المزخرفة من داخل ورش العمل الصغيرة.
وتمكن نور موصللي، صانع المنسوجات الذي خسر مصنعاً بقيمة 12 مليون دولار في حلب بسبب الحرب، من جلب العمالة المدربة بصحبته، فضلاً عن قاعدة جيدة من العملاء في الشرق الأوسط عندما حاول البدء من جديد في مدينة غازي عنتاب، حيث يعمل في صناعة الملابس الداخلية للرجال.
وهو يقول عن أوضاعه الحالية هناك: «لدينا عملاؤنا وشركاؤنا الدوليون، فإن وضعتنا في أي مكان فسوف نعمل وننتج، مما يعود بالأرباح الصافية على الاقتصاد التركي».
وكانت العمدة فاطمة شاهين، وهي من كبار المسؤولين في حزب إردوغان الحاكم، من أبرز المؤيدين لوجود اللاجئين السوريين في البلاد من أجل دعم الاقتصاد عبر الأعمال التي جلبوها إلى المدينة، لكنها أضافت أنه يتعين عليهم احترام القوانين التركية. وقالت شاهين، من مدينة غازي عنتاب، إنها تؤيد الخطة الحكومية بإنشاء المنطقة الآمنة في سوريا، كما تتوقع انتقال نصف عدد اللاجئين السوريين في المدينة، والبالغ عددهم نحو نصف مليون لاجئ، إلى هذه المنطقة. وأضافت تقول: «سوف يمضي نصفهم إلى هناك، وإذا كانت الفرص جيدة وبدأت المدارس في العمل فسوف يشعرون بالأمان».
غير أن اللاجئين السوريين يرون أن الخطط والسياسات الجديدة تهدف أولاً إلى مغادرتهم البلاد. وقال عبد الكريم الرحمون، الذي يدير فرعاً لأحد متاجر العطور السورية المعروفة في غازي عنتاب: «يريدون منا الاعتقاد بأنه من الأفضل لنا ولمستقبلنا العودة إلى تلك المنطقة الآمنة».
هذا، ويتتابع على مدار الساعة وصول الشاحنات والحافلات التي تنقل اللاجئين السوريين إلى المعبر الحدودي بالقرب من بلدة كيليس المتاخمة للمنطقة الخاضعة للسيطرة التركية من شمال غربي سوريا.
ويمثل اللاجئون السوريون الذين جرى ترحيلهم جزءاً يسيراً من إجمالي اللاجئين السوريين المتواجدين حالياً في تركيا. غير أن عمليات الترحيل تبعث برسالة صارمة إلى خصوم إردوغان السياسيين بأنه يتخذ الإجراءات الرامية إلى تخفيض عدد اللاجئين في البلاد، فضلاً عن إشارة إلى أوروبا والولايات المتحدة الأميركية بأنه في حاجة ماسة إلى حلول جديدة لتلك المشكلة.
وقالت لانا والش، الناطقة الرسمية باسم المنظمة الدولية للهجرة: «لا تسفر الظروف الراهنة عن العودة المنظمة للاجئين السوريين إلى بلادهم وإعادة توطينهم بكرامة وأمان».

* خدمة «نيويورك تايمز»



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».