شذا صباغ... تصميماتها تبدأ بالتكنولوجيا وتستعين بالقصص

للمصممة السعودية د. شذا صباغ لمسة خاصة في تصميم المجوهرات... بالنسبة لها؛ قطع الحلي تمتلك طاقة خاصة تشع منها وتمنحها لمن ترتديها. تجد في حركات وثنيات الجسم الإنساني إلهاماً تعبر عنه بأساور ضخمة تحتضن الكفّ أو المعصم... تموجات الجسد وموجات البحر وحركة الطبيعة، كل ذلك يتمثل في يد المصممة ليصبح قطعاً من المجوهرات تمنح المرأة «القوة والطاقة»؛ حسبما تقول لنا في حوار مع «الشرق الأوسط».
دخلت صباغ مجال تصميم الحلي والمجوهرات عن طريق التقنية الرقمية، ودرست في جامعات بريطانية لمرحلتي الماجستير والدكتوراه بتركيز على التصميم بالتكنولوجيا الحديثة. تقول: «درست في جامعة كوفنتري تقنية تصميم المجوهرات، وتخصصت في الأنيميشن وكيفية إعداد كتالوغ تفاعلي مع دمج الجانب التعليمي فيها، وبمشروع التخرج في مرحلة الماجستير كان موضوعي حول اللؤلؤ والمرجان المستخرجين من البحر الأحمر تحديداً وكيفية تكونهما واستخراجهما واستخدامهما في صنع المجوهرات. ومن خلال فيلم رسوم متحركة مدته أقل من دقيقة موجه للأطفال، يرى الطفل كيف يتكون اللؤلؤ والمرجان في قاع البحر، واستخدامهما لاحقاً في صياغة المجوهرات، وعبر لعبة تفاعلية يبدأ الطفل في محاولة تصميم قلادات من الأحجار الكريمة، بعد ذلك يطبع الرسومات التي صممها لينفذها باستخدام الخيوط والخرز».
على الجانب العملي، بدأت صباغ في صياغة الحلي منذ عام 2006، واختارت أن تكون البداية بالطرق التقليدية؛ حيث درست في «معهد الأحجار الكريمة الأميركي (أميركان جيمولوجي إنستيتيوت)» عبر فرعه في لندن، تقول: «درست ومارست العمل لمدة 6 أشهر في المعامل لأتعلم طريقة تعريف الأحجار وتصنيفها».
في مراحل دراستها المختلفة استهوتها التكنولوجيا الحديثة والطباعة ثلاثية الأبعاد، وتقول إنها في بداية عملها كانت التقنية جديدة ومكلفة جداً، ولكنها، ومن خلال استكمال دراستها لمرحلة الدكتوراه في «كلية لندن للموضة (لندن كوليدج أوف فاشن)»، درست تصميم صياغة المجوهرات «باليد وبالتقنية الرقمية مع تركيز خاص على الجسم الأنثوي وحركته».
مع تطور صناعة الحلي باستخدام التقنيات الرقمية والطابعات ثلاثية الأبعاد وجدت صباغ مجالها الخاص... «كنت أخطو ببطء. بدأت في طباعة تصميماتي بتقنية الأبعاد الثلاثة لآخذ النموذج المطبوع بعد ذلك لأنفذه بالمعدن، ولم يخلُ الأمر من الأخطاء التي كانت تحدث في البداية»، ولكن في نهاية المرحلة قررت أنها وجدت الأسلوب الذي ستستخدمه بعد ذلك؛ «بعد الانتهاء من المرحلة، قررت أن تكون تصميماتي ثلاثية الأبعاد أو بالليزر».
بمجرد الحديث عن التقنيات المختلفة أجدني أتساءل عن الصياغة اليدوية هل انتهى دورها؟ تقول: «لا تستطيعين الاستغناء أبداً عن اليد، فبمجرد أن تخرج القطعة من ماكينة الطباعة يجب تنظيفها باليد لساعات عدة، بعد ذلك تأخذينها لعمل نموذج بالشمع، ثم نأخذها لعملية (الكاستينغ) وحتى بعد تلك العملية ومع الحصول على القطعة النهائية، هناك عمل كثير على تنظيفها وصقلها، حسب القطعة وحجمها وتفاصيلها... بالنسبة لي العملية كلها تعتمد على الصياغة بالتكنولوجيا، ثم التشطيبات النهائية باليد».
كل قطعة لها حكاية عند شذا صباغ، بالنسبة لها تلك الانسيابية في الحركة والحرية التي توحي بها قطعها المختلفة ما هي إلا «حركة الجسم الطبيعية بانسيابيتها وأنثويتها، وهو ما يصنع حكاية كل قطعة».
على صفحتها بموقع «إنستغرام» تضع صباغ عدداً محدوداً من التصميمات، بعضها يبدو كأنه منحوتات فنية معقدة، وبعضها يبدو ضخماً قد لا يصلح للارتداء كل يوم، ولكن للمصممة رأي خاص؛ فالقطع المتفردة بحجمها وتعقيداتها «فنية خالصة، تصلح للاستعراض أو للمناسبات الخاصة أو حتى للمسرح. هذه القطع هي رسالتي الفنية». وتشير إلى أن هناك مجموعات أخرى مثل تشكيلة باسم «سيكونس02» تصلح للاستخدام اليومي، وتشكيلة أخرى باسم «سيكونس كريستال»، وتعتمد على الماس، وطريقة تصميم وتشكيل الذهب المحيط بالحجر الثمين «بيت الماس»، عبارة عن سلاسل أو أساور وخواتم كلها تعتمد على قطع ماس وحيدة. تتميز المجموعة بذلك التصميم البسيط والكلاسيكي لـ«بيت الماس» وتعلق: «بالعين المجردة قد لا تظهر تفاصيل التصميم، وبالنظر المقرب تستطيعين رؤية التصميم وهو مميز، لأن هناك من تريد ارتداء قطعة بسيطة بحجر ماس وحيد أو إسوارة بها حجر وحيد، وجاءتني فكرة أن أنفذ مجموعة كلاسيكية التصميم بطريقتي نفسها في التركيب وانسيابية القطع».
من القطع التي تلفت النظر في مجموعات صباغ، خاتم يحتضن الأصبع بكرة ذهبية من ناحية؛ ومن الناحية الأخرى يتدلى على ظاهر اليد ليماثل كائناً بحرياً غريباً مطعماً بأحجار الماس. الخاتم مميز بتصميمه وأيضاً بالاسم الذي اختارته له المصممة: «خاتم بلقيس ملكة سبأ». تعدّ صباغ الخاتم بمثابة توقيعها الخاص، وهو من أكثر القطع رواجاً بين عملائها، تقول: «اخترت شخصية الملكة بلقيس لأنها ذكرت في القرآن الكريم. امرأة قوية الشخصية لها جاه وسلطان ولها مجلس شورى، ويمكن القول إنها أسست دولة ديمقراطية». تضيف أنها اختارت أن تكون القطعة باسم ملكة سبأ لتعبر بها عن قوة المرأة، وفضلت أن تبدأ ما تبدو كأنها تشكيلة كاملة تحمل اسم «ملكة سبأ»، بالخاتم... لماذا؟ عندها تفسير بسيط ومنطقي، فاليد هي أكثر ما يلفت النظر في المرأة؛ حين تتحدث تستخدم اليد للتعبير، وأيضاً سبب آخر يرتبط بالمجتمع وبالطقس؛ فمثلاً في الخليج ترتدي النساء الأكمام الطويلة من خلال العباءة ولا تظهر سوى اليد.
أسألها: تعبرين دائماً عن موضوعات مرتبطة بالمرأة وقوتها والطبيعة، هل تأثرتِ في ذلك بمصممين آخرين أو فنانين أو أي عامل آخر قد يكون لعب دوراً في مخيلتك؟ تقول: «بصراحة أنا منذ صغري كنت أحب الرسم وأنفذ لوحات بالألوان الزيتية، وكان فناني المفضل سلفادور دالي، كنت أحب السرياليزم في لوحاته وكل شكل خرج عن المألوف، تأثيره عليّ كان أساسياً؛ بعد ذلك طورت أسلوبي الخاص». ترى في مصممة مجوهرات بريطانية اسمها نعومي فيلمر أسلوباً في التصميم يروق لها ويتوافق مع أفكارها... «فيلمر لها تصميمات عضوية تستوحيها من حركات الجسم الإنساني، أفكارها قريبة مني، غير أنها تفضل أن تنفذ عملها باليد ولا تلجأ للتكنولوجيا».
سؤال يراودني عند الحديث عن الأفكار والمفاهيم القابعة خلف تصميمات صباغ: هل تحسين بأن رسالتك ومفهومك للمجوهرات ينتقلان لمن تقتنيها... هل تنجذب العميلة للشكل أم للمضمون؟ تجيب: «هناك مثال في خاتم (بلقيس ملكة سبأ)؛ كل من اقتنته أحبت الشكل وأحبت القصة وسبب اختياري له، لاحظت أن كل من ارتدت الخاتم تتمتع بشخصية قوية. إحدى السيدات اختارت أن ترتدي الخاتم في مناسبة مهمة جداً بالنسبة لها، وكانت تضع عليها آمالاً في أن تحصل على منصب معين؛ بعدها قالت لي: «أحسست ليلتها أني شخصية مختلفة وقوية. أكثر من عميلة قالت لي الشيء نفسه، وكأنما انتقل إليهن الإحساس الذي أردت تجسيده، وكأنهن يرتدين قطعة فنية منحوتة تحدثت إليهن على مستوى مختلف ومنحتهن طاقة معينة».