طهران رأس حربة في استهداف دائرته أوسع!

أعتقد أن المسألة الحوثية يجب أن تنتقل من كونها قضية سعودية إيرانية، إلى مرحلة أخرى تصبح فيها قضية عربية إيرانية، وأن يكون كل عربي طرفاً فيها، فلسنا في حاجة إلى تعريف البديهيات لنقول إن اليمن دولة عربية، وإن كل ما يخصها هو شأن عربي مائة في المائة!
ذلك أن السكوت عن العربدة الإيرانية في بلاد اليمن السعيد لم يعد ممكناً، وما ترتكبه وتمارسه طهران هناك صار فوق طاقة الاحتمال، وإذا سكت العرب عن هذه الممارسات والعربدات، فعليهم أن يتوقعوا العواقب، وأن يتحملوها!
وماذا أكثر من أن يعلن محمد عبد السلام، المتحدث باسم الجماعة الحوثية، تعيين القيادي إبراهيم الديلمي سفيراً فوق العادة ومفوضاً لدى إيران؟!
هذا إجراء يستخف بكل ما هو عربي، ويكاد يشطب دولة عربية اسمها اليمن من الخريطة العربية، ليلحقها ببلاد فارس!
بل ماذا أكثر من أن تجد وسائل إعلام حكومة الملالي في قرار الديلمي فرصتها التي تنتظرها، فتذهب إلى الترويج له كل مذهب، وتتلقفه في ساعته وهي متلهفة، وكأنها وقعت على غايتها التي كانت تترقبها وتفتش عنها في كل صباح؟!
وإذا كانت حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، قد قررت الذهاب بشكوى رسمية إلى الأمم المتحدة ضد ما حدث من الحوثي، على اعتبار أنها الحكومة الشرعية، وأنها هي التي عليها أن تتعامل مع الأمر بشكل مباشر، فهذا إجراء مطلوب طبعاً، ولا بد منه من جانب الحكومة المسؤولة في العاصمة اليمنية، ولكنه سوف يظل شكلياً في نهاية الأمر، في ظل قانون دولي في العالم يبدو أن الذين صاغوا مواده ووضعوها، قد فعلوا ذلك ليجري انتهاكه في العلن كل يوم!
إن دائرة رد الفعل على مثل هذا القرار، لا بديل عن أن تتسع، فلا تظل في حدودها اليمنية، ولا بديل عن أن تمتد لتكون عربية باتساع بلاد العرب؛ لأن القانون الدولي الذي ذهبت الحكومة اليمنية تشكو انتهاكه، إنما يتعرض لمن يدوس عليه في أرض اليمن كل ساعة، بينما العالم أو ما يسمى «المجتمع الدولي» يتفرج!
وقد كانت للقرار مقدمات سبقته بخمسة أيام، عندما استقبل المرشد الإيراني علي خامنئي، المتحدث محمد عبد السلام في العاصمة الإيرانية، وعندما نقلت عنه وكالة الأنباء الإيرانية هذه العبارة: إنني أعلن دعمي للمجاهدين في اليمن!
مجاهدون في اليمن؟!
هل وصل الأمر إلى حد وصف الخارجين على بلد وعلى أهله بالسلاح، بأنهم مجاهدون؟! وإذا كانوا مجاهدين حقاً، فضد مَنْ يتوجهون بالجهاد؟!
هل يتوجهون بالجهاد ضد الأماكن المقدسة في مكة المكرمة وفي المدينة المنورة؟! أم يتوجهون به ضد مطار أبها السعودي الذي وجهوا إليه طائراتهم المُسيّرة عدة مرات؟! أم يتوجهون بالجهاد الإيراني ضد حقل بترول الشيبة السعودي الذي استهدفوه قبل أيام؟! أم يتوجهون به إلى الشعب اليمني الذي نام يوماً ثم استيقظ على جماعة حوثية تريد الاستيلاء على مقدراته دون وجه حق؟!
هذا كله يمس السعودية أولاً بطبيعة الحال، بحكم الجوار المباشر بينها وبين اليمن، ويجعلها تقود حرباً مع قوات التحالف مضطرة، فلا أحد يذهب إلى الحرب متطوعاً، ولا أحد يذهب إلى الحرب إلا إذا رآها آخر الحلول، دفاعاً عن نفسه، وعن أرضه، وعن بلده في غاية المطاف!
ولكن هذا نفسه يمس عواصم العرب كلها، بالقدر الذي يمس الرياض؛ لأن القضية في أصلها لدى إيران ليست شيعية سنية كما تحاول هي تصويرها، وكما يحاول أعداء هذه الأمة توصيفها في كل وقت، لا، إنها قضية إيرانية عربية بالأساس، وليست حكاية السنة والشيعة سوى شكل خارجي يتزين به الموضوع الأساسي، ويستتر ويتخفى به عن العيون!
وهذا نفسه أيضاً يفرض على العواصم العربية درجة من المسؤولية، لا بد من النهوض بها عربياً، وعلى مستوى جاد من التحرك، لوقف التمدد الإيراني عند حده. وإذا لم نكن نرى في قرار السفير الحوثي فوق العادة، شهية إيرانية مفتوحة في التوسع لا تشبع، ولا تريد أن تشبع، فنحن، كعرب، في حاجة إلى أن نعيد النظر وندققه إلى أبعد مدى، لعلنا نرى الأمور على حقيقتها كما هي!
إيران لم تعد تخجل من أن تظل تقول الشيء وتفعل عكسه، وقد كررت هذا طويلاً إلى درجة صار الأمر مكشوفاً وداعياً إلى السخرية، ثم داعياً إلى الحيرة، ومع الحيرة دهشة بالغة من أن تتصرف دولة معاصرة بهذه الطريقة في محيطها ومع دول الجوار!
وعندما استقبل المرشد في مكتبه الحوثي عبد السلام، متحدث الجماعة الحوثية، خرج الرئيس الإيراني حسن روحاني بعد المقابلة يتحدث إلى الإعلام، عن أن بلاده ترغب في علاقات من الود والصداقة مع جميع الدول الإسلامية، وبالذات مع دول الخليج في الجوار المباشر!
وفي اليوم التالي، كانت الجماعة تسمي الديلمي سفيراً فوق العادة ومفوضاً لها في طهران، وكانت تستهدف حقل الشيبة، وكانت تفعل هذا كله ولسان حالها يقول إنها تفعل ما تفعله، مستندة إلى عبارة خامنئي عن الدعم الذي يقدمه للمجاهدين في اليمن!
كانت تسمي سفيراً، وتستهدف حقلاً، مع أن الذي تحدث عن علاقات الود والصداقة هو رئيس الجمهورية الذي أدى اليمين الدستورية رئيساً منتخباً، والمفروض أنه يعني ما يقول تماماً، ولكنه قال كلاماً، ثم جاء الفعل على نقيض الكلام!
إننا ننسى دائماً أن الكلمة في إيران ليست للرئيس، ولا لوزير الخارجية، ولا لأي مشتغل لديهم بالسياسة الخارجية. إن الكلمة الأولى والأخيرة هي للمرشد، وليست لأحد سواه، وهذه ليست حقيقة مخفية، وإنما يكتبها وزير الخارجية محمد جواد ظريف صريحة بخط يده، في مذكراته «سعادة السفير»، ويصف خامنئي كلما جاءت سيرته بأنه السيد القائد!
القضية لدى إيران هي العرب، أكثر مما هي السعودية، والاستهداف في ظني دائرته أوسع، وطهران رأس حربة فيه!