عبد الكريم الزبيدي... طبيب ولاؤه للدولة لا للأحزاب

وزير الدفاع التونسي في السباق لخلافة قائد السبسي

عبد الكريم الزبيدي... طبيب ولاؤه للدولة لا للأحزاب
TT

عبد الكريم الزبيدي... طبيب ولاؤه للدولة لا للأحزاب

عبد الكريم الزبيدي... طبيب ولاؤه للدولة لا للأحزاب

تولى وزير الدفاع والمرشح البارز للرئاسة التونسية الدكتور عبد الكريم الزبيدي مسؤوليات عليا في المؤسسات العلمية والإدارة التونسية منذ عام 1981 في عهد كل رؤساء تونس، من الحبيب بورقيبة، وزين العابدين بن علي، إلى الباجي قائد السبسي، مروراً بفؤاد المبزّع، والمنصف المرزوقي، بعد الانتفاضة الشبابية الاجتماعية التي فجّرت ثورات ما عُرف بـ«الربيع العربي» مطلع 2011. وكان الزبيدي، وهو طبيب، قد عيّن لأول مرة عضواً في حكومة بن علي مكلفاً بالبحث العلمي عام 1999، ثم عيّن وزيراً للصحّة في 2001 عندما كان محمد الغنوشي رئيساً للوزراء، بيد أنه ارتقى في سلم المسؤوليات خلال السنوات الأربعين الماضية، ليتصدر قائمة المترشحين لرئاسة تونس خلال السنوات الخمس المقبلة.
عبر الرحلة من مهنة الطب إلى عالم السياسة، تولّى الدكتور عبد الكريم الزبيدي مسؤوليات كثيرة، معظمها في قطاعات الطب والتعليم العالي والبحث العلمي. وتفيد السيرة الذاتية للزبيدي الطبيب والجامعي أنه ولد عام 1950 في مدينة الرجيش، بمحافظة المهدية السياحية، على بُعد 200 كلم جنوبي العاصمة تونس.
وحقاً، نشأ الزبيدي في جهة الساحل، بين محافظات المهدية والمنستير وسوسة، التي ينحدر منها الرئيسان السابقان الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، اللذان حكما تونس ما بين 1955 و2011. وكذلك غالبية كبار المسؤولين في الدولة والحزب الحاكم.
ومِثل كثيرين من طلبة النخبة التونسية، تمكّن الزبيدي من إكمال دراساته العليا في أوروبا، فحصل على شهادة دكتوراه في الطب من جامعة كلود برنار - ليون 1 المرموقة في مدينة ليون بفرنسا. كما أنه حصل من الجامعة نفسها على شهادة الماجستير في علم وظائف الأعضاء البشرية، وأيضاً الماجستير في علم الصيدلة الإنسانية، إضافة إلى شهادة الدراسات المعمقة في علم وظائف الأعضاء البشرية، وشهادة دراسات وبحوث في علم الأحياء البشري.
ولقد نجح الزبيدي بفضل تفوقه العلمي في أن يتولى مبكراً مسؤوليات إدارية في الجامعة والمستشفيات التونسية. وعيّن منسقاً لتدريب كبار الفنيين الصحيين في كلية الطب بمدينة سوسة، خلال الفترة بين 1981 و1988. وتحمّل في الفترة ذاتها الكثير من المسؤوليات الرسمية والمناصب داخل الجامعة، بينها رئيس قسم العلوم الأساسية بين 1982 و1989. وحاز رتبة أستاذ في المستشفيات الجامعية العمومية منذ 1987.
بعدها، عيّن الزبيدي رئيساً لخدمة الاختبارات الوظيفية في مستشفى فرحات حشّاد الجامعي في مدينة سوسة بين 1990 و1999. وعيّن منذ 1992 مسؤولاً عن بعثات الخبراء في مجال التطبيقات الطبية النووية لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وترأس الزبيدي كلية علم وظائف الأعضاء والاختبارات الوظيفية التابعة لوزارة الصحة العمومية بين 1994 و1997، ثم عيّن رئيساً لجامعة الوسط برتبة عضو في الحكومة بين 1995 و1999. وبعد مغادرته الحكومة «لأسباب صحية وعائلية» عيّن عميداً لكلية الطب في جامعة الوسط بسوسة بين 2005 و2008.

العودة إلى الحكم
عاد الدكتور الزبيدي إلى الحكومة بعد أسبوعين فقط من ثورة يناير (كانون الثاني) 2011 عندما أسندت إليه حقيبة وزارة الدفاع في الحكومة الثانية التي شكّلها رئيس الحكومة محمد الغنوشي يوم 27 يناير، وسقطت بعد نحو شهر. وبعد الإطاحة بحكومة الغنوشي الثانية وتعيين السياسي المخضرم الباجي قائد السبسي (الرئيس الراحل) رئيساً جديداً للحكومة، بقي الزبيدي في منصبه وزيراً للدفاع.
كذلك ظل الزبيدي وزيراً للدفاع في أعقاب الانتخابات التعدّدية الأولى التي نظمت في تونس يوم 23 أكتوبر (تشرين الأول) 2011، وهي الانتخابات التي أوصلت الدكتور المنصف المرزوقي إلى قصر قرطاج الرئاسي، والأمين العام لحزب «حركة النهضة» حمادي الجبالي إلى قصر الحكومة. واحتفظ الزبيدي بالمنصب مجدداً حتى مارس (آذار) 2013، إلا أنه انسحب في أعقاب الاحتجاجات والاضطرابات السياسية التي عقبت اغتيال الناشط السياسي اليساري شكري بلعيد، ثم استقالة رئيس الحكومة حمادي الجبالي، وتعويضه بوزير الداخلية آنذاك علي العريّض.

رفض رئاسة الحكومة وحقيبة الداخلية
وعُين الزبيدي من قبل رئيس الحكومة الجديد علي العريّض (مارس 2013 - يناير 2014) مستشاراً لوزير الصحة عبد اللطيف المكي برتبة وزير، إلا أنه اختار الانسحاب، وبرّر موقفه بأسباب صحية وعائلية. كذلك رفض الزبيدي طوال 4 سنوات عروضاً كثيرة قدّمها الرئيس الباجي قائد السبسي، من بينها رئاسة الحكومة الأولى في عهده بعد انتخابات 2014. ولقد حاول صديقه الوزير المخضرم الحبيب الصيد إقناعه بقبول عرض قائد السبسي، لكنه تمسك بموقفه الرافض.
وفي المقابل، يؤكد المقرّبون منه أنه لعب دوراً كبيراً في إقناع الصيد بالموافقة على اقتراح تولي رئاسة الحكومة، بحكم تجربته الطويلة في الإدارة، وعلى رأس مؤسسات استراتيجية في الدولة، من بينها الداخلية والتنمية المحلية والفلاحة والبيئة.
وبعد إسقاط حكومة الحبيب الصيد في أغسطس (آب) 2016، تلقّى الزبيدي عروضاً لتشكيل الحكومة الجديدة، أو دخول حكومة يوسف الشاهد الأولى وزيراً للداخلية والأمن، لكنه اعتذر.

في حكومة الشاهد
واصل الزبيدي رفض العودة إلى الحكومة حتى سبتمبر (أيلول) 2017 عند تشكيل حكومة يوسف الشاهد الثانية، وذلك بعد مفاوضات شملت معظم الأحزاب السياسية والنقابات، وأسفرت عمّا سُمّي بـ«وثيقة قرطاج»، وعن إدخال تغييرات شملت حقائب وزارات الدفاع والعدل والداخلية.
ولقد أكد يوسف الشاهد أنه عرض على الزبيدي حقيبة الداخلية والأمن، إلا أنه رفضها وقبل بحقيبة الدفاع، التي تشرف على تأمين حدود تونس وأمنها الخارجي والمشاركة في الحرب على الإرهاب، ولكن دون التورط مباشرة في الملفات الأمنية والسياسية الداخلية المعقّدة.
وبالفعل، بقي الزبيدي في هذا المنصب طوال سنتين بعيداً عن الانخراط في المعارك السياسية، مكرّساً مواقف المؤسسة العسكرية التونسية منذ عهد الرئيس الحبيب بورقيبة وثوابتها؛ الجيش في الثكنات، وتثبيت الحياد السياسي، والتفرغ للملفات الوطنية المشتركة.

علاقته بقائد السبسي
استفاد الزبيدي من دستور تونس الجديد، الصادر في يناير 2014، الذي يجعل وزراء السيادة - وبينهم وزير الدفاع - تحت إشراف مباشر من رئيس الجمهورية، على الرغم من انتمائهم إلى الفريق الحكومي الذي يقوده رئيس الحكومة، وعلى الرغم من مشاركتهم في اجتماعات مجلس الوزراء بإشرافه، وخضوعهم لمراقبة مباشرة من البرلمان.
هذه العلاقة المميزة بمؤسسة رئاسة الجمهورية، مكّنت وزير الدفاع الزبيدي من أن يكون أحد أكثر الوزراء تواصلاً مع الرئيس ومستشاريه، وبينهم مستشاروه في قطاعات الأمن والدفاع. ومكّنه هذا الموقع من أن يتابع مباشرة تطورات التنسيق الأمني والعسكري الإقليمي والدولي في مجالات مكافحة الإرهاب، والتطورات الأمنية والسياسية في ليبيا ومناطق التوترات الأمنية في شمال أفريقيا ودول الساحل والصحراء، بما فيها ما يتعلق بالحرب ضد تنظيمات مسلحة مثل «القاعدة في المغرب الإسلامي» و«داعش» وعصابات التهريب للأسلحة والسلع والأموال والمهاجرين غير القانونيين.
وبالتالي، مع دعم قائد السبسي دور مؤسسة الرئاسة في متابعة الملفات الاستراتيجية والأمنية والعسكرية، اقترب الزبيدي أكثر من مؤسسة الرئاسة والتأثير في بعض قراراتها.

خلافات رأسي السلطة
ولكن، قبل سنة ونصف السنة، عندما اندلعت الخلافات بين قائد السبسي والشاهد، وتطوّرت إلى أزمة مفتوحة بين رأسي السلطة التنفيذية في قصري الرئاسة والحكومة... بل إلى صراع سياسي علني داخل الحكومة والبرلمان ووسائل الإعلام، التزم الزبيدي الحياد، وحاول مراراً الانسحاب من المشهد واعتزال السياسة والتفرّغ لحياته الخاصة والعائلية.
وبالفعل، ينقل مقربون من الشاهد والسبسي أن الطرفين كانا يحرصان على وساطته في عدد من الملفات. وعندما استفحل «الخلاف الرئاسي» عام 2018 وفشلت جهود قائد السبسي لإسقاط رئيس الحكومة، عرض الزبيدي مجدداً استقالته، لكن الرئيس تمسك به وقرّبه أكثر.
وهكذا، بقي الزبيدي في منصبه، لكنه كان يؤكد للمقربين منه موقفه المتمسك بحياد المؤسسة العسكرية، المعارض للاصطفاف ضد رئيس الجمهورية القائد العام للقوات المسلحة... أو ضد رئيس الحكومة الذي يمنحه الدستور والبرلمان أكبر الصلاحيات في تسيير شؤون الدولة ومؤسسات الحكم.

شعبية المؤسسة العسكرية
لقد استفاد الزبيدي من شعبية الجيش التونسي نتيجة تحاشي قياداته التورط مباشرة في قضايا الرشوة والفساد والاستبداد طيلة السنوات الـ60 الماضية، خلافاً لبعض القيادات الأمنية المدنية و«لوبيات» المال والأعمال والسياسة.
وعندما تدهورت الحالة الصحية للرئيس قائد السبسي يوم 27 يونيو (حزيران) الماضي إلى درجة استحالة نقله للعلاج في الخارج، طلب الزبيدي مع أطبائه نقله إلى المستشفى العسكري الكبير في العاصمة تونس؛ حيث تتوفر نخبة من الأطباء العسكريين والمدنيين والتجهيزات الطبية المتقدمة. ونُقل السبسي إلى المستشفى العسكري في اليوم الذي كانت فيه قوات الجيش والأمن الوطني تتصدّى لمجموعة إرهابية هاجمت مركز إرسال إذاعي وتلفزيوني في جنوب تونس على الحدود مع الجزائر، ولمجموعة إرهابية نظّمت عمليتين انتحاريتين وسط العاصمة تونس. ويومها كانت الأولى أمام مقر إدارة مكافحة الإرهاب، والثانية بالقرب من وزارة الداخلية والسفارة الفرنسية بتونس.
وأدى التعاطف الشعبي مع الرئيس المريض الذي يُعالج في المستشفى العسكري، ومع القوات التي تحارب الإرهابيين، إلى ترفيع التعاطف الشعبي مع المؤسسة العسكرية ومع وزير الدفاع الذي اختاره السبسي وأفراد عائلته صباح اليوم الموالي، ليكون الشخصية الرسمية التي أجرى معها اتصالاً هاتفياً لطمأنة الشعب وتفنيد إشاعة وفاته.
كذلك كان الزبيدي آخر مسؤول في الدولة قابله قائد السبسي صباح يوم الاثنين 22 يوليو (تموز) قبل 3 أيام فقط من نقله مريضاً للمرة الثالثة إلى المستشفى العسكري، ثم الإعلان عن وفاته. وأفاد الزبيدي أن المقابلة شملت الحديث عن الوضع الأمني والعسكري في البلاد.
بعد تلك المقابلة، التي بدا فيها السبسي منهكاً ولم يخاطب الشعب، التقى وزير الدفاع رئيس البرلمان محمد الناصر والسفير الأميركي لدى تونس دونالد بلوم، وأوردت وسائل الإعلام التونسية أن قائد السبسي كلّفه بذلك، في خطوة فهم المراقبون أنها محاولة جديدة من الرئيس وعائلته ومستشاريه لتهميش دور رئيس الحكومة و«ابنه الروحي» المتمرد عليه يوسف الشاهد، وإبراز الزبيدي بصفته «رجل ثقة الرئيس والأب الكبير».

الجيش ومراسم التشييع
ويوم وفاة قائد السبسي فوجئ العالم والتونسيون بسلاسة نقل السلطات من الرئيس الراحل إلى رئيس البرلمان، وفق ما ينص عليه الدستور. ونقلت وسائل الإعلام موكب أداء الرئيس الجديد في البرلمان، بعد ساعات من إعلان وفاة قائد السبسي، بعد جلسة عمل جمعته برئيس الحكومة الشاهد، ومشاورات مع وزيري الدفاع والداخلية، أُعلن في أعقابها أن جنازة وطنية ستنظم للرئيس الراحل بعد يومين فقط. وبعد مراسم التشييع فهم الجميع أن قادة الجيش ووزير الدفاع شخصياً كانوا وراء النجاح الأمني والسياسي، لأن كبار الضباط من القوات البحرية والبرية والجوية كانوا في صدارة المشهد طوال مراسم الدفن التي تواصلت نحو 5 ساعات.

دعوات للترشيح
ونوّهت المواقع الاجتماعية ووسائل الإعلام المختلفة بنجاح المؤسسة العسكرية، وتوالت بسرعة الدعوات إلى ترشيح وزير الدفاع لرئاسة الجمهورية. وانخرط في حمّى المساندة لترشيح الزبيدي عائلة قائد السبسي، بزعامة نجله الأكبر حافظ، رئيس حزب «نداء تونس»، ثم قيادات حزبية وسياسية علمانية، بينها ياسين إبراهيم ورفاقه في حزب «آفاق».
أيضاً، صدرت تصريحات بالجملة مساندة لمبدأ ترشيح الزبيدي من داخل حزب «حركة النهضة»، قبل أن تقرر قيادته الموسّعة في اجتماع جديد ترشيح النائب الأول لرئيس الحركة ورئيس البرلمان بالنيابة عبد الفتاح مورو.

مرشح الحداثة
واليوم، بعد حسم «النهضة» موقفها بترشيح زعيمها التاريخي الثاني عبد الفتاح مورو لخوض السباق، فإنه من بين الأسئلة المطروحة؛ هل سينجح الزبيدي وأنصاره في إقناع غالبية المرشحين للرئاسة المحسوبين على تيار الحداثة بالانسحاب لصالحه، كي يتزعم «جبهة التحديثيين» المعارضة لمرشح الإسلاميين؟
ثم كيف سيتفاعل الزبيدي وأنصاره مع رئيس الحكومة يوسف الشاهد، المرشح بدوره للرئاسة، مدعوماً من قبل حزب كبير، انخرط في قياداته المركزية والمحلية عدد كبير من كوادر الدولة والحزب الحاكم قبل انتفاضة 2011 وبعدها.
في أي حال، فإن ترشح وزير دفاع للرئاسة، واستقالته في اليوم نفسه من الحكومة للتفرغ لحملته الانتخابية، حدث يحصل لأول مرة في تونس. إذ بات القانون الانتخابي يسمح فيها للعسكريين والأمنيين بالمشاركة في الاقتراع العام - أي في الحياة السياسية - بحجة المساواة في الحقوق والواجبات مع المدنيين.



تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
TT

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد الخريجي، وترأس الجانب الصيني نظيره نائب الوزير دنغ لي. وبحث الجانبان تطوير العلاقات الثنائية، مع مناقشة المستجدات التي تهم الرياض وبكين. يذكر أن العلاقات السعودية الصينية شهدت تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، إذ تعززت الشراكة بين البلدين على مختلف الأصعدة الاقتصادية والسياسية والثقافية. وتعود العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية الصين الشعبية إلى عام 1990، عندما افتتحت سفارتا البلدين رسمياً في العاصمتين بكين والرياض. مع أن علاقات التعاون والتبادل التجاري بين البلدين بدأت قبل عقود. وعام 1979، وقّع أول اتفاق تجاري بينهما، واضعاً الأساس لعلاقات قوية مستمرة حتى يومنا هذا.

 

تُعدّ الصين اليوم الشريك التجاري الأكبر للمملكة العربية السعودية، وانعكست العلاقات المتنامية بين البلدين بشكل كبير على التعاون الاقتصادي والتجاري بينهما؛ إذ أسهمت في وصول حجم التبادل التجاري إلى أكثر من 100 مليار دولار أميركي في عام 2023. تستورد الصين النفط الخام من السعودية بشكل رئيسي، وتعدّ المملكة أكبر مورد للنفط إلى الصين، إذ تصدر ما يقرب من 1.7 مليون برميل يومياً. ولقد تجاوزت الاستثمارات الصينية في المملكة حاجز الـ55 مليار دولار. وبحسب تقرير لـ«edgemiddleeast»، ضخّت الصين 16.8 مليار دولار في المملكة في 2023 مقابل 1.5 مليار دولار ضختها خلال عام 2022، استناداً إلى بيانات بنك الإمارات دبي الوطني، وهي تغطي مشاريع في البنية التحتية والطاقة والصناعات البتروكيماوية. وفي المقابل، استثمرت المملكة في عدد من المشاريع داخل الصين، منها الاستثمارات في قطاعات التكنولوجيا والنقل. واستضافت الرياض أيضاً في شهر يونيو (حزيران) من هذا العام «مؤتمر الأعمال العربي الصيني» الذي استقطب أكثر من 3600 مشارك. وبعد أسبوعين فقط، أرسلت السعودية وفداً كبيراً بقيادة وزير الاقتصاد السعودي إلى مؤتمر «دافوس الصيفي» في الصين. وبالإضافة إلى هذا الزخم الحاصل، دعت الصين المملكة العربية السعودية كضيف شرف إلى «معرض لانتشو الصيني للاستثمار والتجارة» الذي أقيم من 7 إلى 10 يوليو (تموز) من هذا العام. وكانت وزارة الاستثمار السعودية حثّت الشركات على المشاركة بفاعلية في المعرض، والجناح السعودي المعنون «استثمر في السعودية». كذلك وقّعت السعودية والصين اتفاقيات متعددة لتعزيز التعاون في قطاع الطاقة، بما في ذلك مشاريع الطاقة المتجددة. وتسعى المملكة لتحقيق «رؤية 2030» التي تهدف إلى تقليص الاعتماد على النفط وتعزيز استخدام الطاقة المتجددة، في حين تسعى الصين إلى تأمين إمدادات الطاقة اللازمة لتنميتها الاقتصادية. وبالفعل، جرى أخيراً توقيع اتفاقية بين شركة «تي سي إل تشونغ هوان» لتكنولوجيا الطاقة المتجددة الصينية، وشركة توطين للطاقة المتجددة، وشركة «رؤية للصناعة» السعوديتين، لتأسيس شركة باستثمار مشترك، من شأنها دفع توطين إنتاج الرقائق الكهروضوئية في المملكة العربية السعودية. ووفقاً للاتفاقية، يبلغ إجمالي حجم الاستثمار في المشروع المشترك نحو 2.08 مليار دولار. التعاون السياسي والدبلوماسي تتعاون المملكة والصين على مستوى عالٍ في القضايا الدولية والإقليمية. وتستند العلاقات السياسية بين البلدين إلى احترام السيادة الوطنية والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية. كذلك تتبادل الدولتان الدعم في المحافل الدولية، مثل الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، ولقد لعبت الصين دوراً محوَرياً في الوساطة بين السعودية وإيران، ما أدى إلى تحقيق نوع من التوافق بين البلدين، أسهم في توطيد الاستقرار، وقلّل من حدة التوترات، وعزّز من الأمن الإقليمي. الزيارات الرسمية والقمم المعروف أنه في مارس (آذار) 2017، قام الملك سلمان بن عبد العزيز بزيارة رسمية للصين حيث التقى الرئيس الصيني شي جينبينغ. وخلال الزيارة، وُقّعت 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم، تضمنت التعاون في مجالات الطاقة والاستثمارات والعلوم والتكنولوجيا. وفي وقت سابق، كان خادم الحرمين الشريفين الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز قد زار الصين رسمياً عام 2006، كانت تلك الزيارة بمثابة نقطة تحوّل في تعزيز العلاقات الثنائية، وشملت مباحثات مع القيادة الصينية وشهدت توقيع اتفاقيات عدة في مجالات الطاقة والتجارة والاستثمار. كما زار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الصين في فبراير (شباط) 2019 كجزء من جولته الآسيوية. خلال هذه الزيارة، وقّعت 35 اتفاقية تعاون بين البلدين بقيمة تجاوزت 28 مليار دولار، وشملت مجالات النفط والطاقة المتجددة والبتروكيماويات والنقل. بعدها، في ديسمبر (كانون الأول) 2022، قام الرئيس الصيني شي جينبينغ بزيارة تاريخية إلى الرياض، حيث شارك في «قمة الرياض»، التي جمعت قادة دول مجلس التعاون الخليجي والصين. وتركّزت هذه القمة على تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والأمنية بين الجانبين، وخلالها وقّع العديد من الاتفاقيات في مجالات الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا. من الزيارات البارزة الأخرى، زيارة وزير الخارجية الصيني إلى السعودية في مارس (آذار) 2021، حيث نوقش التعاون في مكافحة جائحة «كوفيد 19» وتعزيز العلاقات الاقتصادية،