صناعة الإعلام والترفيه الهندية... ميزانيات ضخمة وأهداف كبيرة

أرباح الوسائط الرقمية تتخطى المرئية والمطبوعة بحلول 2021

من المتوقع أن يصل حجم السوق الإعلامية الهندية إلى 52.68 مليار دولار في عام 2022
من المتوقع أن يصل حجم السوق الإعلامية الهندية إلى 52.68 مليار دولار في عام 2022
TT

صناعة الإعلام والترفيه الهندية... ميزانيات ضخمة وأهداف كبيرة

من المتوقع أن يصل حجم السوق الإعلامية الهندية إلى 52.68 مليار دولار في عام 2022
من المتوقع أن يصل حجم السوق الإعلامية الهندية إلى 52.68 مليار دولار في عام 2022

تحقق صناعة الإعلام والترفيه الهندية قفزات نمو عالية، ومن المتوقع أن تحتل مركزاً بارزاً بين أفضل 10 أسواق للإعلام والترفيه على مستوى العالم بحلول عام 2021، من حيث الأرقام المطلقة.
ويواصل قطاع الإعلام إحراز التقدم بمعدل أسرع من إجمالي ما يحققه الناتج المحلي الإجمالي الهندي، ومن المتوقع أن يصل حجم السوق الإعلامية الهندية إلى 52.68 مليار دولار في عام 2022، من أصل 31.5 مليار دولار في عام 2018.
ووفقاً إلى دراسة مشتركة أجرتها «رابطة غرف التجارة والصناعة الهندية» مع مؤسسة «برايس واتر هاوس كوبرز الهند»، فإن صناعة الإعلام الهندية كانت مدفوعة إلى درجة كبيرة عبر الوسائط الرقمية، التي سوف تتجاوز ما يحققه قطاع الترفيه المرئي في عام 2019، والترفيه المطبوع في عام 2021.
ومن المنتظر لسوق «موفري محتويات البث المرئي الحي بالاشتراك عند الطلب» أن تحقق نمواً بمعدل سنوي مركب يبلغ 10.1 في المائة، ومن المتوقع أن تصل قيمته الإجمالية إلى 5 مليارات دولار بحلول عام 2023.
وفي حين أن التقانة الرقمية تتصدر المسار، فإن الشرائح التقليدية، مثل التلفاز والإعلام المطبوع، تقتطع جزءاً كبيراً من إجمالي قيمة السوق الإعلامية في البلاد. وسجلت صناعة التلفاز الهندية نمواً من 9.47 مليار دولار في عام 2017 إلى 10.62 مليار دولار في عام 2018، مسجلة بذلك نسبة 12 في المائة من إجمالي النمو.
وحققت إعلانات التلفاز نمواً بنسبة 14 في المائة، بينما حققت الاشتراكات نسبة نمو بلغت 11 في المائة. كما كان هناك ارتفاع بنسبة 7.5 في المائة في معدل المشاهدة الأسرية لبرامج التلفاز في الهند.
كما حققت الألعاب الإلكترونية عبر الإنترنت، من خلال ألعاب النقود الحقيقية والألعاب الافتراضية العادية، نمواً بنسبة 52 في المائة بين المهتمين بتلك الأنواع من الألعاب. وشهدت الأفلام، والبرامج التلفزيونية والموسيقية، نسبة نمو تراوحت بين 10 و12 في المائة خلال العام الماضي.
وتفسح تلك الصناعة المجال أمام فرص التوظيف لنحو 4 إلى 4.5 مليون مواطن، بما في ذلك التوظيف المباشر وغير المباشر.
وتملك الهند كذلك صناعة كبيرة للبث والتوزيع الإعلامي، وهي تتألف من نحو 900 قناة فضائية، و6 آلاف مشغل متعدد الأنظمة، ونحو 60 ألفاً من مشغلي خدمات الكابل المحلي، فضلاً عن 7 مشغلين للخدمات المنزلية المباشرة، إلى جانب عدد محدود من موفري خدمات التلفاز عبر بروتوكول الإنترنت.
ومما يضاف إلى ذلك أن هناك في الهند نحو 114820 مطبوعة مسجلة (من الجرائد والدوريات المتنوعة)، وما يقرب من 2500 مجمع لدور العرض السينمائية، وأكثر من 400 مليون مستخدم لشبكة الإنترنت (وهي ثاني أكبر قاعدة لذلك، بعد الصين).
يقول راجيب باسو، رئيس شعبة الإعلام والترفيه لدى مؤسسة «برايس واتر هاوس كوبرز الهند»: «تعد الهند من أسرع أسواق الترفيه والإعلام نمواً على مستوى العالم، ومن المتوقع لها المحافظة على هذا الزخم لفترة معتبرة من الوقت. وتعكس أبحاثنا أنه خلال السنوات الخمس المقبلة سوف تشهد الهند نمواً كبيراً في الفيديوهات المرئية، والألعاب، والإعلانات عبر الإنترنت. وينشأ النمو المحقق في هذه القطاعات الفرعية عن النمو الذي تشهده الاتجاهات المتنامية حول التخصيص وزيادة الرقمنة».
ولا يزال قطاع التلفاز الهندي يحقق نمواً مطرداً، ويزيد من إيراداته بصورة جيدة وسليمة. وإحقاقاً للحق، ما زال التلفاز يحتل مكانة جيدة للغاية على المستوى العالمي، غير أن الصحافة كانت المنفذ الإعلامي الذي عانى كثيراً خلال الفترة الماضية.
وما يميز الهند عن غيرها في هذا المجال هو مواصلة النمو من دون شك. ومع أن حصتها من هذا النمو تراجعت الشيء القليل، فإنها ما تزال تحصل على دولار واحد من كل 3 دولارات إعلانية. ولا أرى أن كثيراً من الأسواق الأخرى تحقق ما تحققه الهند في مجال الإعلانات المطبوعة من حيث النمو، فلا يزال الشعب الهندي يفضل الجرائد والمجلات على أي شيء آخر.
وبالنسبة إلى الإعلام المطبوع، الذي يشكل ثاني أكبر حصة في قطاع وسائل الإعلام الهندية، فإنه يحول تركيزه في الآونة الأخيرة نحو التقانة الرقمية. يقول شاشي سينها، المدير التنفيذي لشركة «آي بي جي ميديا براندز»: «تحقق الطباعة النمو المطرد بسبب المصداقية التي توفرها في عصر الأخبار المزيفة. وتعد الهند السوق الوحيدة في العالم التي تحتل فيها الطباعة مكانة كبيرة، وتواصل النمو في شتى المجالات، مثل التداول، ومعدلات القراء، والتوزيع الجغرافي. وينمو قطاع الطباعة بقوة مؤثرة على خلفية اللغة، ما أدى إلى نمو عدد الصحف اللغوية».
وليس هناك شك في وجود المنصات التي تسبب ضغوطاً هائلة على قطاع الإعلام المطبوع، لكن سمات المحتويات المدروسة جيداً المتصفة بالموثوقية لا يمكن اعتمادها إلا من خلال الطباعة، مما يجعل ذلك المجال أكثر مصداقية لدى الرأي العام، وبالتالي يزيد ارتباطها بالجهات الإعلانية المختلفة.
ومن المتوقع لصناعة الإعلانات الهندية أن تحتل المرتبة الثانية، كأسرع الصناعات نمواً في أسواق الإعلان الآسيوية، بعد الصين. وفي الآونة الراهنة، تمثل أرباح الإعلانات نحو 0.38 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في الهند.
كما أنه من المنتظر أن تنمو صناعة الألعاب عبر الإنترنت في الهند بمعدل سنوي مركب يبلغ 22 في المائة في السنة المالية 2018 إلى 2023، وصولاً إلى 1.68 مليار دولار بحلول السنة المالية 2023. ومن المتوقع أيضاً أن تبلغ إيرادات الإعلانات 18.39 مليار دولار بحلول السنة المالية 2023، من أصل 9.44 مليار دولار في السنة المالية 2018.
وقالت كانشان سامتاني، الشريكة المديرة لدى «بوسطن كونسولتينغ غروب إنديا»: «تعد الهند واحدة من البلدان القليلة في العالم التي تشهد فيها أغلب الوسائط الإعلامية نمواً مطرداً جنباً إلى جنب، ونحن نرى ذلك المسار مستمراً في المستقبل المنظور. وعلى العكس من البلدان المتقدمة، كان هذا النمو مضافاً بدرجة كبيرة، ولم تكن له آثار سلبية على وسائل الإعلام التقليدية في البلاد».
ومن شأن هذا النمو أن يؤدي إلى تغيير كبير في طريقة عمل وسائل الإعلام الهندية بصورة أساسية. وسوف تتراوح التغييرات المشهودة من إعادة التفكير في محتويات الصدارة، التي تتضمن الصياغة واللغة، إلى إعادة تنظيم المحتويات الخلفية بمجموعة من المهارات ونماذج الشراكة الحديثة. ويزداد تأصل التقنيات الحديثة، مثل الذكاء الصناعي والتحليلات، في كل وظيفة من وظائف وعمليات وسائل الإعلام الحديثة.
وتقول كاريشما بهالا، الشريكة الأخرى لدى «بوسطن كونسولتينغ غروب إنديا»: «يتعين على الصناعة إعادة صياغة كثير من التعاريف والاتفاقيات، ولو بصورة يومية تقريباً».
- الجاذبية العالمية
> بلغت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في قطاع المعلومات والبث (بالإضافة إلى الإعلام المطبوع)، في الفترة بين أبريل (نيسان) عام 2000 وديسمبر (كانون الأول) عام 2018، ما مقداره 7.5 مليار دولار، وذلك وفقاً للبيانات الصادرة عن وزارة الترويج الصناعي والتجارة الداخلية.
ووفرت الحكومة الهندية الدعم لنمو صناعة الإعلام والترفيه، من خلال إطلاق المبادرات المختلفة، مثل رقمنة قطاع توزيع خدمات الكابلات بهدف جذب المزيد من التمويل المؤسسي، وزيادة مستويات الاستثمار الأجنبي المباشر من 74 إلى 100 في المائة في خدمات الكابل ومنصات خدمات الأقمار الصناعية المنزلية المباشرة، ومنح قطاع الأفلام وضعية الصناعة المستقلة لتيسير الوصول إلى التمويل المؤسسي. وحددت هيئة تنظيم الاتصالات الهندية نظام التسعير الجديد لكل قناة تلفزيونية، بتخصيص سعر التجزئة الأقصى عند مستوى 19 روبية في الشهر، وهو سعر رخيص للغاية. والشعار الجديد يتعلق بأن يدفع المستهلكون مقابل ما يشاهدونه عبر التلفاز.
وقال جيمس أنغوس، مدير الخدمات العالمية بـ«هيئة الإذاعة البريطانية»، في لقاء إعلامي حديث: «الهند من الأسواق التي يمكن لنمو محدود المجال فيها أن يؤدي إلى زيادة الامتداد العالمي للمنصة الإعلامية بصورة هائلة. وقد شهدت الهند، حيث تعمل (هيئة الإذاعة البريطانية) هناك بتسع لغات، زيادة في أعداد المشاهدين من 20 إلى 50 مليون مشاهد، لتصبح بذلك أكبر سوق خارجية للهيئة».
وفي حديث حصري مع شبكة «exchange4media»، تحدث السيد أنغوس حول السوق الهندية المتنامية، وخطط «هيئة الإذاعة البريطانية» المقبلة في البلاد. وقد حققت كل من قناة «بي بي سي للغات الهندية»، وقناة «بي بي سي وورلد نيوز»، عدداً قياسياً من المشاهدين، بواقع 50 مليون و101 مليون مشاهد على التوالي. وتعد الهند من أكبر المساهمين في جمهور قناة «بي بي سي وورلد نيوز»، بواقع 50 مليون مشاهد يومياً.
وفي الأثناء ذاتها، يتنافس اللاعبون الأجانب، من شاكلة شبكة «نتفليكس» و«أمازون»، في قطاع «موفري محتويات البث المرئي»، الذي من المتوقع أن تتجاوز أرباحه مبلغ 5 مليارات دولار بحلول عام 2023. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن للشركات الوافدة الجديدة، أمثال «ديزني» و«آبل»، أن تشارك في المنافسة على قطعة جيدة من الفطيرة الإعلامية الهندية الكبيرة.


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عربية المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر (صفحة المجلس على «فيسبوك»)

مصر: قرارات جديدة لمواجهة «فوضى الإعلام الرياضي»

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مجموعة قرارات، اعتماداً لتوصيات لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق صورة تذكارية لعدد من أعضاء مجلس الإدارة (الشركة المتحدة)

​مصر: هيكلة جديدة لـ«المتحدة للخدمات الإعلامية»

تسود حالة من الترقب في الأوساط الإعلامية بمصر بعد إعلان «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» إعادة تشكيل مجلس إدارتها بالتزامن مع قرارات دمج جديدة للكيان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.