«العسكري» السوداني يلمح للتخلي عن الحصانات ويتوقع اتفاقاً سريعاً مع «التغيير»

البرهان أكد إنهاء دور الجيش في السياسة بعد الفترة الانتقالية... أحزاب اليسار تتراجع عن موقفها الرافض للوثيقة السياسية

محتجون سودانيون خلال مظاهرة بالساحة الخضراء بالخرطوم لتأبين شهداء الثورة أول من أمس (أ.ف.ب)
محتجون سودانيون خلال مظاهرة بالساحة الخضراء بالخرطوم لتأبين شهداء الثورة أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

«العسكري» السوداني يلمح للتخلي عن الحصانات ويتوقع اتفاقاً سريعاً مع «التغيير»

محتجون سودانيون خلال مظاهرة بالساحة الخضراء بالخرطوم لتأبين شهداء الثورة أول من أمس (أ.ف.ب)
محتجون سودانيون خلال مظاهرة بالساحة الخضراء بالخرطوم لتأبين شهداء الثورة أول من أمس (أ.ف.ب)

قال المجلس العسكري الانتقالي الحاكم في السودان، إن «الحصانات» الواردة في مسودة «الإعلان الدستوري» ليست «مطلقة»، مؤكدا أن دور العسكريين في المسائل السياسية سينتهي مع انتهاء الفترة الانتقالية الممتدة لثلاث سنوات وثلاثة أشهر. فيما تراجعت الأحزاب اليسارية (من بينها الحزب الشيوعي)، المنضوية في قوى الإجماع الوطني (أحد مكونات قوى إعلان الحرية والتغيير)، عن موقفها المتشدد الرافض للاتفاق السياسي الذي جرى توقيعه الأربعاء الماضي مع المجلس العسكري، وأعلنت وجود تحفظات فقط على الشكل الإجرائي، وهو أن الوفد المفاوض وقع دون اتفاق وتفويض من كل كتل الحرية التغيير.
ووصف رئيس المجلس العسكري الانتقالي السوداني، عبد الفتاح البرهان «الحصانات» بأنها ليست «مطلقة»، مشيرا إلى أن وثيقة «الاتفاق السياسي» التي جرى توقيعها «إطار عام» لأجهزة الحكم، وتؤسس للوثيقة الدستورية التي تحكم الفترة الانتقالية.
ووقع العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير بالأحرف الأولى، الأربعاء الماضي، وثيقة «الاتفاق السياسي»، التي تحدد هياكل الحكم، واقتسام السلطة بين الطرفين، وواجهت تحفظات واعتراضات من بعض القوى داخل الحرية والتغيير والحركات المسلحة، فيما تحدد وثيقة الإعلان الدستوري المزمع بحثها وتوقيعها صلاحيات مستويات الحكم الثلاثة.
وقال البرهان في مقابلة مع «بي بي سي» إنه يتوقع التوصل لاتفاق سريع مع قوى الحرية والتغيير، على وثيقة الإعلان الدستوري، لجهة أن «القضايا المطروحة في الإعلان جرى نقاشها في وقت سابق والتوافق على معظمها». وتناول البرهان «الحصانات التي وردت في الإعلان الدستوري، وأنها وضعت من قبل اللجان القانونية المشتركة بين المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير»، نافياً أن يكون لقيادة مجلسه دور أو معلومات حول إيرادها.
وقال البرهان: «الجميع متفقون على حكومة كفاءات وطنية مستقلة في الفترة الانتقالية لحساسية العمل المنوط بها من أجل التأسيس لفترة مقبلة، وليست حكومة محاصصة حزبية». ونوه إلى أن تحفظ المجلس العسكري على تشكيل المجلس التشريعي وتأجيله لثلاثة أشهر من بدء الفترة الانتقالية، الغرض منه ألا تستأثر به مجموعة محددة ويجب أن يشارك فيه الجميع.
وأوضح أن المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير متفقان على الحكم البرلماني خلال المرحلة الانتقالية رغم المحاذير على هذا النظام، وتابع: «نريد أن نؤسس لحكم محصن، ضد الانقلابات العسكرية ويتراضى عليه الجميع». وبشأن الجدل حول تكوين لجنة التحقيق المستقلة في أحداث القتل التي صاحبت الاحتجاجات، أوضح البرهان أن النيابة العامة الجهة المسؤولة عن هذا الأمر، وأضاف: «هي كيان مستقل ومحايد لا تخضع للسلطات التنفيذية أو السيادية، وتستطيع أن تؤسس للجنة المستقلة، التي يمكن أن تضم مختلف فئات الشعب السوداني».
وأكد رئيس المجلس العسكري على محاسبة كل من يثبت تورطه في أي جريمة، مضيفاً: «بدأنا إجراءات التحقيق في كل الحوادث التي حدثت منذ الحادي عشر من أبريل (نيسان) الماضي، وجرى التحفظ على أعداد كبيرة من المتورطين في هذه الأعمال من كل القوات النظامية».
في غضون ذلك، تراجعت الأحزاب اليسارية، وبينها الحزب الشيوعي، المنضوية في تحالف قوى الإجماع الوطني (أحد مكونات قوى إعلان الحرية والتغيير)، عن موقفها السابق الرافض للاتفاق السياسي الذي جرى توقيعه الأربعاء الماضي مع المجلس العسكري، مبدية تحفظات فقط على الشكل الإجرائي بأن الوفد المفاوض وقع دون اتفاق وتفويض من كل كتل الحرية التغيير. وشدد الحزب في بيان أصدره أمس أن الحوار حول وثيقة الإعلان الدستوري يجب أن يعالج الاختلالات التي جرت في وثيقة الاتفاق السياسي لتعبر عن الموقف الوطني لاستكمال إرادة الثورة في التغيير الشامل، وضرورة استصحاب رؤية الفصائل الموقعة على إعلان قوى الحرية والتغيير ومواقف الحركات المسلحة بمختلف مكوناتها.
من جهتها، أعلنت لجنة أطباء السودان المركزية في تعميم صحافي أمس أن (246) شخصاً قتلوا منذ بداية الاحتجاجات في ديسمبر (كانون الأول) الماضي وبداية الثورة، وجملة الإصابات المسجلة بلغت (1353) مصابا وجريحا، في الوقت نفسه أعلن المكتب الموحد الذي يضم الأجسام الطبية رفع الإضراب عن العمل الذي تجاوز استمراره ستة أشهر. وأوردت اللجنة القريبة من الحراك في البيان إحصاءات تفصيلية لأعداد القتلى والجرحى منذ التاسع عشر من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وحتى «مجزرة فض الاعتصام» من أمام القيادة العامة للجيش في الثالث من يونيو (حزيران) الماضي، وسقوط 127 قتيلا خلال العملية التي وصفت على نطاق واسع «بالمجزرة».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.