مخاوف الترحيل تقلق يوميات السوريين في الأردن

عمان تؤكد تسهيلات العمل والعودة

سوريات لاجئات في مخيم الزعتري للاجئين في الأردن (إ.ب.أ)
سوريات لاجئات في مخيم الزعتري للاجئين في الأردن (إ.ب.أ)
TT

مخاوف الترحيل تقلق يوميات السوريين في الأردن

سوريات لاجئات في مخيم الزعتري للاجئين في الأردن (إ.ب.أ)
سوريات لاجئات في مخيم الزعتري للاجئين في الأردن (إ.ب.أ)

في 28 يونيو (حزيران) الماضي، من العام الحالي، استطاع السوري ثامر العصلان النعيمي، المعروف بـ«أبي محمد»، المقيم في محافظة المفرق الأردنية، أن ينهي في مخيم الزعتري للاجئين السوريين، «صلحة عشائرية» مع عائلة أردنية تسبب أحد أفرادها بوفاة لاجئ سوري قُدّر له أن يقضي في حادث سير خلال ركوبه حافلته على طريق ثغرة الجب (جنوب المفرق) - الزعتري، مؤكداً أن «الصلحة» تمت دون أي ضغوط، ووفقاً للعادات والتقاليد المعمول بها بين العشائر الأردنية.
ومع قسوة الحادثة التي راح ضحيتها السوري الأربعيني الذي كان أباً لـ8 أطفال، وفقاً للنعيمي، لم تلجأ عائلة السائق الأردنية إلى الانتقاص من حقوق المتوفى، مؤكداً أن الوجهاء والوسطاء الأردنيين في الصلحة حرصوا على إيفاء العائلة حقها وتقديم تعويض لها ضمن مفاوضات استمرت لأيام ثلاثة.
قد تُعتبر حادثة الوفاة حالة غير تقليدية للتعاطي معها وفقاً لتقاليد المجتمع الأردني، لكنها تعكس وبدرجة كبيرة، كما يقول النعيمي، حالة التآخي المجتمعي بين اللاجئين السوريين والأردنيين منذ بداية الحرب في سوريا، رغم الأعباء التي رتبها اللجوء السوري على المملكة ضمن مستويات الخدمات والكثافة السكانية.
ولم يشهد المجتمع الأردني حالة اعتداءات جسدية أو على الأملاك خلال السنوات الماضية، باستثناء حالات فردية محدودة في بعض المحافظات، فيما تعتبر الإشكاليات الأبرز التي يواجهها السوريون في الأردن اليوم، تتعلق بحقوق العمل ومعاملات الأحوال الشخصية وإثباتات الزواج والنسب والولادات، إضافة إلى قيود الخروج من مخيمات اللجوء التي أنشأتها مفوضية شؤون اللاجئين، والعودة لها، ومؤخراً الخروج من الأراضي الأردنية والعودة إلى سوريا منذ افتتاح الحدود البرية منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
يقول النعيمي الذي لجأ للأردن في 2013 عبر «الشيك» الحدودي، واستطاع أن يحصل على تصريح عمل ويعيش خارج مخيم الزعتري برفقة أبنائه وزوجته وأبويه، إن السوريين واجهوا تحديات جسيمة مع بدايات اللجوء، بإيجاد السكن والاحتياجات الأساسية والعمل والإقامة، إلا أنها اليوم تقلصت كثيراً، وباتت تقتصر على بعض قضايا محدودة، كالخروج من مخيم الزعتري (أكبر مخيمات اللجوء السوري، ويضم 77447 لاجئاً) والعودة إليه، وقال: «كان يتعذر على اللاجئين السوريين الخروج من المخيم، اليوم أصبحت عملية الخروج أيسر، لكنها بالطبع تتطلب موافقات أمنية لغير حاملي تصاريح العمل، حيث تخشى السلطات أن يخرج اللاجئون منه إلى المدن الأردنية دون عودة»، مشيراً إلى أن القيود لا تزال مفروضة.

- صعوبات معيشية
وترافق العيش داخل مخيمات اللجوء السورية الأربعة، صعوبات معيشية أقل، وفقاً لحقوقيين، حيث يمكن للمقيم داخل المخيم العمل أحياناً دون تصريح عمل، كما تتلاشى معوقات السكن والاستئجار وكذلك بالنسبة لمعاملات الأحوال الشخصية، لا سيما بعد استحداث محكمة شرعية داخل مخيم الزعتري، وفقاً للمديرة التنفيذية لمركز العدل للمساعدة القانونية، المحامية هديل عبد العزيز.
وتقول عبد العزيز لـ«الشرق الأوسط»: «هناك تحديات كبيرة لا يزال يواجهها اللاجئون السوريون في الإطار القانوني، سواء في النزاعات مع السكان في حالات استئجار المنازل، أو مع السلطات في قضية إثباتات الزواج والنسب، صحيح أن معدل إنجاز القضية في حالات المعاملات الشخصية يستغرق ما معدله شهر إلى شهرين أمام المحاكم، لكن هناك حالات معقدة قد تستغرق 6 أشهر».
وتشير عبد العزيز التي استقبلت 2970 قضية، العام الماضي (2018) تشكل قضايا السوريين ما نسبته 20 في المائة منها، إلى قضايا كثيرة ترافع فيها كادر المركز، ضمن الحالات الصعبة، كإثبات نسب مولود إحدى السيدات السوريات التي «هربت» من مخيم الزعتري هي وعائلتها، وجاء موعد ولادتها، حيث رفضت نقلها إلى المستشفى أو طلب الطبيب إلى المنزل، خشية المساءلة القانونية، كما أنها رفضت طلب سيارة الدفاع المدني الأردني لنقلها، وتمّت الولادة في المنزل.
وفي هذا السياق، بيّنت عبد العزيز أن قضية إثبات نسب طفلها استغرقت أشهراً عدة قبل أن يتمكن فريق المحامين من استصدار ورقة رسمية تؤكد أن طلباً سُجّل لدى الدفاع المدني يوم ميلاد الطفل، بعد محاولات كثيرة، فضلاً عن استفادة عائلتها لاحقاً من تصويب أوضاعها، حيث مدّدت السلطات المحلية للاجئين السوريين الموجودين في المدن ممن خرجوا من المخيمات، حتى نهاية مارس (آذار) من العام الحالي.
وتعتقد المحامية عبد العزيز التي يعمل لدى مركزها فريق مساعدة قانوني في المحاكم مؤلف من 44 محامياً، أن مخاوف وهواجس الترحيل أو قرارات الإبعاد، لا تزال تسيطر على اللاجئين السوريين، خصوصاً ممن خرج من المخيمات ويحتاج إلى تصويب أوضاعه قانونية، وكذلك الجهل بالقوانين والأنظمة والتعليمات الأردنية التي طرأ عليها كثير من التحسينات منذ بداية اللجوء السوري، وفقاً لها.
وتضيف عبد العزيز: «في بدايات الأزمة، كان بعض السوريين يواجهون خطر الترحيل، أو ما يُعرف بالإبعاد إلى سوريا، على خلفية إشكاليات قد تُعتبر من الجرائم البسيطة، وكان لدينا العديد من القضايا من هذا النوع، لكن في السنوات الأخيرة توقفت قرارات الإبعاد من هذا النوع باستثناء بعض الحالات ذات التهديد الأمني الكبير، ولكن بعض المخاوف لا تزال تسيطر على اللاجئين من اللجوء إلى القانون أو المعاملات الرسمية».
ونوهت عبد العزيز بأن إشكاليات اللاجئين خارج المخيمات شائكة أكثر، حيث سجلت عدة قضايا تتعلق مثلاً بإخلاء مستأجرين سوريين من أصحاب شقق من دون تراضٍ، وقبل انتهاء عقود الإيجار، مبينة أن البعض منهم يتردد في اللجوء إلى المحاكم للتقاضي، لاعتبارات كثيرة، من بينها ضعف الوضع الاقتصادي، وكذلك تجنباً لتبعات أي نزاعات قانونية. وتعرب عن قلقها من تسجيل حالات عنف أسري لدى عائلات سورية حالت المخاوف ذاتها أو الأوضاع غير القانونية لبعضها في المناطق الحضرية، من التظلم لدى إدارة حماية الأسرة، معتبرة أن هناك حاجة لحملات توعية بأهمية اللجوء إلى الجهات الرسمية لطلب المساعدة.
وأظهرت دراسة أصدرتها «منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية» (أرض) في يونيو الماضي، حول رضا اللاجئين السوريين عن قطاع العدالة في المملكة الأردنية، شملت عينة من 600 لاجئ سوري في محافظات المفرق وعمان والزرقاء وإربد والكرك، ميلاً أقل من الأردنيين للتوجه نحو القضاء والمحاكم، رغم ما أبدوه من ارتياح نحو المحاكم الشرعية بدرجة أكبر من المحاكم النظامية.
وبحسب الرئيسة التنفيذية للمنظمة، سمر محارب، فإن 43.8 في المائة من اللاجئين السوريين في العينة «يشعرون» بأن حقوقهم محمية بالكامل في الأردن، مقابل 39.8 في المائة لا يعتقدون أن حقوقهم محمية بالكامل، و15.6 في المائة غير متأكدين من ذلك، فيما يلجأ فعلياً للقضاء ما نسبته 18 في المائة منهم، بحسب الدراسة.
وتقول محارب لـ«الشرق الأوسط»: «الحالات الأبرز تتعلق بإثباتات الأحوال الشخصية للاجئين، ولكن شهدنا ارتفاعاً مؤخراً في قضايا الانتهاكات العمالية، وقضايا أخرى تتعلق بإخلاء المأجور».
وتشير دراسة محارب، إلى تسجيل نسبة أعلى بين اللاجئات السوريات عن نظيراتهن الأردنيات من المدينات (مالياً)، وبما نسبته للسوريات تُقدر بـ92 في المائة، حيث يسجل الدين غالباً لصالح أحد الذكور في العائلة. وتعزو الدراسة عزوف السوريين عن التقاضي لاعتبارات عدة، أهمها ضعف القدرة المالية، وما وصفته الدراسة بالشعور بعدم التوازن بينهم وبين الفاعلين الأساسيين ضمن قطاع العدالة، والخوف من الترحيل، مع التأكيد، كما أظهرت الدراسة، في الوقت ذاته، ميل اللاجئين ممن سبق لهم الاستعانة بأحد المراكز القانونية للجوء مجدداً إلى القضاء.

- رأي حكومي
على الجانب الرسمي، أطلقت الحكومة الأردنية، العام الماضي، حملةً لتصويب أوضاع اللاجئين السوريين ممن خرجوا من المخيمات إلى المدن دون تصاريح، وهو ما كان محل ترحيب من مفوضية شؤون اللاجئين كمبادرة للتسهيل عليهم والتسجيل لدى المفوضية والحصول على بطاقة الخدمة الخاصة الصادرة عن وزارة الداخلية الأردنية.
ومنذ افتتاح المعبر الحدودي، منتصف أكتوبر الماضي، تولت الحكومة الأردنية بالتنسيق مع المفوضية تأمين حافلات أسبوعياً لنقل اللاجئين الراغبين في العودة إلى سوريا، يومي الاثنين والخميس، بحسب ما أكدت مصادر حكومية مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، وهو ما أكده لاجئون سوريون أيضاً.
وتأتي هذه الخطوة في إطار منح التسهيلات اللوجيستية للسوريين من أجل العودة، مع تأكيد التزام الأردن بالعودة الطوعية للاجئين، وفقاً لتصريحات رسمية كثيرة، من بينها ما أكدته مجدداً وزيرة الدولة لشؤون الإعلام والاتصال في الحكومة الأردنية، جمانة غنيمات، لـ«الشرق الأوسط».
وأكدت غنيمات، من جهتها، أن تعهُّد الأردن بخيار العودة الطوعية للاجئين السوريين، يشكّل التزاماً أردنياً بمواثيق الأمم المتحدة، ويعكس روابط الأخوة بين الشعبين الأردني والسوري، وذلك عبر سنوات طويلة من التصاهر بين الشعبين، وتلاقي العادات والتقاليد والمصالح لاجتماعية.
وحول تسجيل انتهاكات بحق اللاجئين السوريين في الأردن، أكدت الوزيرة الأردنية، في حديثها، أن الانتهاكات قد تحصل نتيجة اندماج السوريين في المجتمع الأردني، ووجود بعض الإشكالات بينهم يحميه ويحصنه حق التقاضي أمام المحاكم الأردنية، وذلك تحت عنوان سيادة القانون على جميع مَن هم على أرض المملكة.
لكن غنيمات رفضت الحديث عن المخاوف التي ينقلها بعض اللاجئين السوريين، من خطر الترحيل في حال لجوئه لحق التقاضي، أو ممارسة أي ابتزاز له تحت هذا الادعاء، على حد تعبيرها، وشددت على أن وجود السوريين خارج مخيمات اللجوء، وانتشارهم بين محافظات المملكة، ونتيجة الاحتكاك اليومي بسوق العمل والتعليم والصحة، قد يولد حالات يحتاج فيها السوري للجوء إلى القضاء، وهو سلطة مستقلة تطبّق القانون على الجميع، دون النظر إلى جنسية المشتكي أو أصله، وفقاً لغنيمات.
إلى ذلك، تشير الإحصاءات الأحدث التي حصلت عليها «الشرق الأوسط» من مفوضية شؤون اللاجئين في الأردن إلى عودة 22 ألف لاجئ سوري من الأردن، منذ افتتاح المعبر البري، بحسب الناطق الإعلامي في المفوضية، محمد الحواري، وذلك حتى نهاية شهر يونيو (حزيران) من العام الحالي، سواء من المناطق الحضرية أو المخيمات، وهو ما أشار إلى مطابقته للأرقام الرسمية الأردنية.
ويقول الحواري لـ«الشرق الأوسط» إن أغلبية اللاجئين قدموا من المناطق الجنوبية لسوريا، وإن 40 في المائة من اللاجئين السوريين في الأردن هم من منطقة درعا، منوهاً بأنه لم تُسجّل أي أعداد للاجئين جدد إلى الأردن منذ افتتاح المعبر.
وعن رغبة اللاجئين بالعودة، قال الحواري إنها متذبذبة وشهدت تزايداً في فصل الصيف، مؤكداً في الوقت ذاته أنها تبقى متغيرة.
وفي الوقت الذي اتهمت فيه أطراف سورية الأردن بمنح تسهيلات أكبر للاجئين السوريين لحثهم على البقاء في المملكة، كالتسهيلات الممنوحة على تصاريح العمل المرنة، فإن مصادر حكومية رفيعة أكدت أن السبب لعدم عودة السوريين إلى بلادهم هو الخشية من الأوضاع الأمنية هناك، مبينةً أن إحصاءات لم تعلن عنها الجهات الأممية والمفوضية إلى الآن، تشير إلى عودة أعداد «أقل قليلاً» من المغادرين إلى الأردن مجدداً، بعد رحلة استطلاع لا تشجع على العودة.
وأضافت المصادر: «الأردن فتح أبوابه للعودة الطوعية، ولكن أعداداً مقاربة لتلك التي تغادر من الأردن الآن تعود عبر المعبر الحدودي الرسمي، والفئات التي تغادر إما من كبار السن ممن سقطت عنهم الخدمة العسكرية، أو صغار السن، أو أحد أفراد الأسرة، بهدف الاستطلاع».
وتؤكد المصادر أن دراسات بعض الجهات الدولية والأممية التي تتحدث عن رغبة السوريين بالعودة خالفتها الوقائع على الأرض.
كما تشير الأرقام الرسمية إلى أن عدد اللاجئين المسجلين في سجلات المفوضية حتى العام الحالي يبلغ 650 ألف لاجئ، مقابل 750 ألف سوري مسجلين قبل الأزمة السورية وخلالها، قائلاً إن هؤلاء رفضوا منحهم صفة لاجئ، كما أن أعداداً كبيرة منهم وُجِدوا على الأرض الأردنية خلال سنوات أطول من سنوات الأزمة.
وتشترط السلطات الأردنية على اللاجئين السوريين، استصدار إذن خروج وعودة عبر المطار الدولي، لكن لاجئين سوريين أكدوا أن إذن الخروج والعودة مشروط بحالات ثلاث هي: الزواج بأردنية، أو الالتزام بمقاعد الدراسة، أو تصريح العمل، وأن هناك إجراءات مشددة حيال ذلك، فيما رأى آخرون أنه إجراء روتيني.
وفي قطاع العمل، طبّقت الحكومة الأردنية سياسات جديدة لتسهيل إصدار تصاريح عمل للاجئين السوريين، وأصدرت وزارة العمل أكثر من 135 ألف تصريح عمل، حتى شهر آذار (مارس) الماضي، وفق أرقام رسمية منشورة، حيث استحدثت الوزارة تصاريح عمل مرنة في قطاعات الإنشاءات والزراعة غير مقترنة بأصحاب عمل محدد، وذلك بالتنسيق مع اتحاد النقابات العمالية.

- قرارات
ويقول المدير التنفيذي لـ«مركز الفينيق للدراسات والمعلومات»، الباحث المتخصص في شؤون العمال أحمد عوض، إن العاملين السوريين في الأردن (لاجئين وغير لاجئين) يُعاملون معاملة العامل الوافد (المهاجر)، حيث لم تصدر سياسات عمل جديدة لتنظيم عملهم في سوق العمل. ويشير إلى أن المهن المغلقة للأردنيين بقيت كما هي مغلقة أمام العمالة الأجنبية، بما فيها السورية، لا بل قامت الحكومة الأردنية بإدخال مفهوم «تصريح العمل شبه المرن»، أي من دون «كفيل كامل مثل باقي العمال الأجانب»، في قطاعي الإنشاءات والزراعة، بحيث يكون اتحاد نقابات العمال هو كفيلهم في قطاع الإنشاءات والجمعيات التعاونية العاملة في الزراعة هي كفيلتهم، كما تم إعفاؤهم من دفع رسوم إصدار تصاريح العمل هذه وفقاً لعوض، وكذلك تم تقديم تسهيلات في قيمة الرسوم بالقطاعات الأخرى.
ويرى عوض أن هذه القرارات جاءت لتشجيع السوريين لإصدار أكبر عدد من تصاريح العمل، إنفاذاً لالتزام الحكومة الأردنية المعلن أمام المجتمع الدولي، بتشغيل 200 ألف سوري، في إطار اتفاق لندن، ضمن خطة الاستجابة للأزمة السورية، وإثبات ذلك بمؤشر عدد تصاريح العمل الصادرة لهم من وزارة العمل.
ويشير عوض إلى أنه تم تخفيض عدد التصاريح المطلوبة إلى 60 ألفاً خلال مؤتمر لندن لعام 2019، بعدما أظهر كثير من اللاجئين السوريين عدم رغبتهم بإصدار تصاريح عمل لأسباب متنوعة، ولكن على أرض الواقع هم يعملون وبكثافة، بحسب عوض.
ويلفت إلى أن تقديرات تشير إلى أن أعداد العاملين فعلياً منهم تقارب الـ150 ألف عامل وعاملة، غالبيتهم الكبيرة لا يحملون تصاريح عمل، أي يعملون بشكل غير نظامي.
ويؤكد عوض أن هناك انتهاكات تُمارس على اللاجئين السوريين في سوق العمل، لكن تلك الانتهاكات تكون أسوة بغيرهم من العاملين الأجانب الآخرين، أو حتى العاملين الأردنيين، ولكن العمال الأجانب وخصوصاً اللاجئين السوريين يكونون عرضة للاستغلال أكثر من غيرهم، بسبب حاجتهم الماسة للعمل، على حد تعبيره.
وتتفق الأربعينية صفاء مع الباحث عوض في أن ثمة صعوبات لا تزال قائمة تواجه اللاجئين السوريين في البلاد، على مستوى استصدار تصاريح العمل خاصة للاجئات لاعتبارات اجتماعية وقانونية، فضلاً عن محدودية المهن التي يمكن للاجئات العمل فيها، ما دفعها إلى تأسيس مشروع «للسباكة والصيانة المنزلية» يضم فريقاً من اللاجئات.
وتقول صفاء في حديث مع «الشرق الأوسط» التي نزحت من دمشق مع 3 أطفال في شهر أكتوبر 2012 وقد حصلت قبلها على الجنسية الأردنية لزواجها من أردني: «لقد نزحت مع أطفالي عبر الشيك، ولكن الحظ حالفني، لأنني اكتسبتُ الجنسية من زوجي الأردني، وعلَّمتني تجربة اللجوء أن أبحث عن فرصة لتأسيس مشروع أساعد به اللاجئات».
وتروي صفاء الحاصلة على شهادة في الفنون الجميلة من جامعة دمشق، المقيمة حالياً في محافظة إربد شمال البلاد، بعضاً من تفاصيل نجاح مشروعها في السباكة: «كنتُ ممن تقدَّم للمحاكم لإصدار وثائق وإثباتات أول أيام اللجوء، ومع مرور الأيام حاولتُ الاستفادة من هوايتي في سباكة المجوهرات والإكسسوارات فتقدمت إلى مركز تدريب (سباكة)، واكتشفت أنها (سباكة) بمعنى (المواسرجي)، رفضت في البداية ولكن تدربت وعملت على تأسيس مشروع صغير».
وتشير صفاء إلى أن فكرة المشروع استوحتها من حاجة مجتمع اللاجئين السوريين، خصوصاً النساء، للحصول على خدمات من هذا النوع في منازلهن، لا سيما الأرامل اللواتي لجأن دون أزواجهن ويرفضن دخول عمال صيانة لبيوتهن.
وتعتبر صفاء مشروعها من المشاريع الريادية التي نمت خلال السنوات القليلة الماضية، حيث عملت على تطويره إلى مكتب خدمات وتدريب مرخص منذ أكثر من عام، ويضم فريقاً نسوياً من اللاجئات السوريات المتخصصات في السباكة والصيانة. وتقول: «كنتُ قبلها أول من وثّق سجلاً تجارياً للمجموعة قبل نحو 6 سنوات، وتطور المشروع كفكرة ريادية، وسعيتُ بجد لخدمة مجتمع اللاجئين، مستفيدةً من دراستي الجامعية ومن تجربة النزوح، واليوم يعمل لدى المشروع لاجئات بعضهن حَمَلة شهادات لا يمكنهنّ العمل في مجال اختصاصهن».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.