الرئيس الغواتيمالي يلغي رحلته إلى واشنطن بعد رفض المحكمة الدستورية اتفاقية الهجرة

في العام الماضي، أعادت الولايات المتحدة إلى غواتيمالا ما يزيد على 100 ألف مهاجر غير شرعي، كانوا قد دخلوا الأراضي الأميركية، بعضهم مباشرة والبعض الآخر عن طريق المكسيك. ومنذ مطلع الشهر الماضي، تحطّ في مطار العاصمة الغواتيمالية كل يوم 4 أو 5 طائرات محمّلة بالمهاجرين الذين تلقي القبض عليهم السلطات الأميركية، وترفض طلباتهم للجوء أو الإقامة، وتعيدهم إلى بلادهم. ويوم الاثنين الماضي، كان من المقرر أن يسافر رئيس غواتيمالا، جيمي موراليس، الصديق الحميم للرئيس الأميركي ولرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، للتوقيع على اتفاقية مشتركة تنظّم حركة الهجرة بين البلدين، لكنه اضطر لإلغاء رحلته بعد أن تقدمت مجموعة من النواب المعارضين والحقوقيين بطعن عاجل في شرعيّة الاتفاقية أمام المحكمة الدستورية التي قررت قبوله.
كل ذلك لم يمنع موراليس من الإشادة بـ«العلاقات الممتازة التي تربط حكومة غواتيمالا بالإدارة الأميركية، والتنسيق الدائم الوثيق بين البلدين على كل المستويات، وفي المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية»، في الوقت الذي كان فيه الرئيس الأميركي يقرر المزيد من الإجراءات التي تشدّد شروط الهجرة على الوافدين من أميركا الوسطى، ويرشّ المزيد من الملح على الجرح العرقي المفتوح، بانتقاداته لأربع سيّدات من أصول أجنبية وأعضاء في الكونغرس لوقوفهن ضد إجراءات ملاحقة المهاجرين غير الشرعيين الذين ينتمون في غالبيتهم الساحقة إلى بلدان أميركا اللاتينية.
وكانت الإدارة الأميركية قد أصدرت مطلع هذا الأسبوع مرسوماً تنفيذياً يمنع المهاجرين الذين يعبرون دولة أخرى قبل الوصول إلى الولايات المتحدة من طلب الحماية والمساعدة، ويُسقِط حقهم في طلب اللجوء من الحكومة الأميركية. ومن شأن هذا المرسوم، الذي سيبدأ تطبيقه فوراً على الحدود الجنوبية مع المكسيك، أن يقطع الطريق على المهاجرين الذين يعبرون الأراضي المكسيكية للوصول إلى الولايات المتحدة، ومعظمهم من غواتيمالا. ويطبَّق هذا المرسوم أيضاً على الأطفال الذين يعبرون الحدود وحدهم، ولا يستثني سوى أولئك الذين تكون قد رُفضت لهم طلبات لجوء في بلدان أخرى، أو الذين يقعون ضحيّة منظمات إجرامية تتاجر بالأطفال.
موضوع الساعة الذي يتداوله الغواتيماليون هنا منذ أسابيع هو الإجراءات التي تتخذها الإدارة الأميركية لمنع دخول المهاجرين، وترحيل الذين يقيمون بصورة غير شرعية، إذ لا تكاد توجد أسرة في غواتيمالا ليس بين أفرادها واحد أو أكثر مرشح للتأثر بهذه الإجراءات. ورغم عدم وجود إحصاءات رسميّة حول هذه الظاهرة، تقدّر منظمة الهجرة العالمية أن نحو 400 ألف مهاجر من غواتيمالا يحاولون الدخول سنوياً إلى الولايات المتحدة، معظمهم عبر المكسيك التي تضاعفت طلبات اللجوء إليها 3 مرات منذ مطلع العام الجاري، إلى أن بلغت 31 ألفاً حتى نهاية الشهر الماضي، 88 في المائة منهم يحملون الجنسية الغواتيمالية، حسب الوكالة المكسيكية لمساعدة اللاجئين.
وتقول غابرييلا آرفيلو، التي تشرف على برنامج مشترك بين الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وحكومة غواتيمالا لمساعدة المهاجرين العائدين، في حديث مع «الشرق الأوسط»: «مشكلة العائدين أو المرحّلين من الولايات المتحدة تحوّلت إلى أزمة اقتصادية واجتماعية وأمنية، وأصبحت تتصدر اهتمامات الحكومة التي لا تستطيع مواجهتها بمفردها. غواتيمالا من أفقر بلدان أميركا اللاتينية، وأكثرها اضطراباً على الصعيد السياسي، في العقود الأخيرة. ومن النتائج المباشرة لأزمة المهاجرين ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب إلى مستويات غير مسبوقة، بدأت تظهر تداعياتها الخطيرة على الصعيدين الاجتماعي والأمني».
وتقول آرفيلو: «معظم المهاجرين من الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 17 و26 سنة يعبرون الأراضي المكسيكية إلى الولايات المتحدة، غالباً بمساعدة منظمات تحقق أرباحاً طائلة، إذ تبلغ تكلفة الرحلة نحو 10 آلاف دولار، تشكّل ثروة كبيرة هنا بالنسبة للعائلات التي يتقاسم أفرادها عادة أعباء تمويل الرحلة»، وتضيف: «تشمل الرحلة 3 محاولات للدخول إلى الأراضي الأميركية، لأن الذين يرحّلون يعيدون الكرّة بأقصى سرعة لتحقيق الحلم الأميركي».
كانت الإدارة الأميركية قد أعلنت أنها تعمل على التقدم في مسعاها لتحويل غواتيمالا إلى «بلد ثالث آمن»، بحيث إن المهاجرين الذين يعبرون أراضيها من السالفادور وهوندوراس باتجاه الولايات المتحدة ينتظرون في الأراضي الغواتيمالية، ريثما تبتّ واشنطن في طلبات لجوئهم. وقد أثار ذلك الإعلان موجة من السخط والاحتجاج في غواتيمالا، وإحالة القضية إلى المحكمة الدستورية، لمنع الرئيس من التوقيع على مثل هذه الاتفاقية مع الولايات المتحدة. وجاءت تصريحات الرئيس الأميركي الأخيرة لتؤكد أن المهاجرين الذين يعبرون دولة أخرى قبل الوصول إلى الولايات المتحدة عليهم أن يطلبوا اللجوء أولاً في تلك الدولة.
تجدر الإشارة إلى أن للولايات المتحدة اتفاقاً واحداً حول ما يعرف في مصطلحات الهجرة بالبلد الثالث الآمن، وقّعته منذ سنوات مع كندا. وفي مطلع الشهر الماضي، قبلت المكسيك مبدأ التفاوض على اتفاقية مماثلة، ضمن المطالب التي قدمتها واشنطن للحد من تدفق المهاجرين الذين يعبرون الحدود المكسيكية الأميركية، كشرط لعدم فرض رسوم جمركية تصاعدية على صادرات المكسيك إلى الولايات المتحدة.
وفي سياق متصّل، أعلن جيمي موراليس أن بلاده بصدد توقيع اتفاق مع حكومة تل أبيب لمنح الغواتيماليين تأشيرات للعمل بصورة مؤقتة في تل أبيب. ويذكر أن غواتيمالا كانت قد قررت في العام الماضي نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس، واحتفلت في شهر مايو (أيار) الفائت بالذكرى السنوية الأولى لنقلها، بحضور زوجة موراليس الذي وجّه رسالة إلى بنيامين نتنياهو، جاء فيها: «أحمد الله على أن علاقات الإخوة التي تربط بين بلدينا تتوطّد باستمرار من خلال التعاون الثنائي».