هل يخضع الإنفاق بسخاء في الدوري الإنجليزي لمعايير واقعية؟

يمكن القول إن مالك نادي نيوكاسل يونايتد، مايك آشلي، في الدوري الإنجليزي الممتاز هو المكافئ للكابتن روم، ذلك البحار الذي يدير سفينته بطريقة مختلفة عن «جميع القباطنة الآخرين»، في الوقت الذي يشعر فيه جمهور نيوكاسل يونايتد بالإحباط بسبب رحيل هداف الفريق أيوزي بيريز بعد أيام قليلة من رحيل المدير الفني الإسباني رفائيل بينيتيز.
وفي الحقيقة، يعرف مالك نيوكاسل أكثر من غيره فيما يتعلق بالأمور التجارية، والدليل على ذلك أنه حقق الكثير من المكاسب المالية بفضل خبراته الكبيرة في الأسواق والأوراق المالية. ورغم أن النقاد قد يتهمونه بأنه لا يلقي بالاً للأمور الأخرى، فلا يمكن إنكار أن نجاح آشلي في بيع لاعب مقابل 30 مليون جنيه إسترليني لم يكلف النادي سوى 1.5 مليون جنيه إسترليني فقط قبل خمس سنوات يعد شيئاً لافتاً للنظر.
ومن المؤكد أن هناك حالة من الجدل حول بيع النادي للمهاجم الذي ساعدت أهدافه نيوكاسل يونايتد على البقاء في الدوري الإنجليزي الممتاز في الموسم الماضي، مثلما هو الحال فيما يتعلق بتخلي النادي عن خدمات المدير الفني رفائيل بينيتيز، لكن طالما أن آشلي مستمر في شراء لاعبين بأسعار زهيدة وبيعهم بأسعار مرتفعة فإنه سيشعر بأنه قادر على التغلب على كل الاحتجاجات والنتائج السيئة الأخرى.
وكان آلان بارديو يتولى قيادة نيوكاسل يونايتد عندما تعاقد النادي مع بيريز قادماً من نادي تينيريفي الإسباني في عام 2014. وكان غراهام كار لا يزال في مهمة البحث عن لاعبين جدد للنادي. ولم يدم كار، الذي اكتشف لاعبين مهمين مثل يوهان كاباي وبابيس سيسيه وشيخ تيوتي، في منصبه طويلاً بعد تعاقد النادي مع رفائيل بينيتيز. وكان جمهور النادي قد بدأ يتساءل عما إذا كان كار لا يبحث عن المواهب الشابة في أماكن أخرى غير فرنسا وألمانيا، لكن بعد فترة وجيزة وجد نيوكاسل يونايتد وسيلة للتغلب على الأسعار الخرافية للاعبين في الدوري الإنجليزي الممتاز من خلال البحث عن لاعبين في أماكن جديدة.
وبدأ ستيف وولش يفعل الشيء نفسه في ليستر سيتي بعد بضع سنوات، فلم يتعاقد فقط مع جيمي فاردي من نادي فليتوود المغمور، لكنه كون فريقاً قوياً حصل على لقب الدوري الإنجليزي الممتاز بفضل تعاقده مع الجزائري رياض محرز والفرنسي نغولو كانتي من لوهافر وكاين، على التوالي. ولم تتكلف خزينة ليستر سيتي سوى أقل من 7.5 مليون جنيه إسترليني فقط للتعاقد مع هؤلاء اللاعبين الثلاثة (كان كانتي هو الوحيد الذي تجاوز سعره مليون جنيه إسترليني، حيث وصل إلى 5.6 مليون جنيه إسترليني)، بينما باع ليستر سيتي محرز وكانتي مقابل 92 مليون جنيه إسترليني. ومن الواضح أن هذه هي الكيفية التي يجب بها إدارة الأعمال التجارية في عالم كرة القدم، خاصة عندما تكون الفرصة في المنافسة على لقب الدوري الإنجليزي الممتاز صعبة. لكن ستيف وولش ورونالد كومان فشلا في تكرار نفس التجربة في نادي إيفرتون.
وقد عين إيفرتون كومان مديراً فنياً للفريق بسبب التطور الذي أحدثه في نادي ساوثهامبتون، وبسبب اعتماده على اللاعبين الشباب من أكاديمية الناشئين بالنادي وتعاقده مع المدافع الهولندي العملاق فيرجيل فان دايك من سيلتك الأسكتلندي مقابل 13 مليون جنيه إسترليني. وعندما انتقل فان دايك إلى ليفربول بعد ثلاث سنوات مقابل 75 مليون جنيه إسترليني، تم تهنئة ساوثهامبتون على الطريقة التي يعمل بها كشافو اللاعبين في النادي وعلى تحقيق مكاسب مالية كبيرة من بيع اللاعبين، رغم أن نادي سيلتك هو الآخر قد حقق مكاسب مالية كبيرة من صفقة فان دايك، الذي تعاقد معه من غرونينغن الهولندي في عام 2013 مقابل 2.6 مليون جنيه إسترليني فقط.
وفي حين أن معرفة كومان بكرة القدم الهولندية هي التي أقنعته بالتعاقد مع فان دايك في صفقة كان ينظر إليها في ذلك الوقت على أنها تحمل الكثير من المغامرة، إلا أنه كان من الواضح أن عدداً قليلاً من الكشافة من الأندية الكبرى في الدوري الإنجليزي الممتاز كانوا يراقبون كرة القدم الأسكتلندية بحثاً عن المواهب الشابة هناك، وإلا لكانوا قد اكتشفوا أندي روبرتسون، الذي حصل على لقب دوري أبطال أوروبا مع ليفربول، قبل أن يحضره هال سيتي إلى إنجلترا من نادي دندي يونايتد مقابل 2.85 مليون جنيه إسترليني في عام 2014.
وحتى بعد قضاء ثلاثة مواسم حافلة بالأحداث مع نادي هال سيتي، لم يكن روبرتسون هدفاً واضحاً للأندية الكبرى، رغم أن صفقة انتقاله إلى ليفربول والتي بلغت ثمانية ملايين جنيه إسترليني أصبحت الآن واحدة من أفضل صفقات انتقال اللاعبين خلال العشر سنوات الأخيرة. فهل ستكون صفقة انتقال بيريز إلى ليستر سيتي مقابل 30 مليون جنيه إسترليني صفقة مميزة أيضاً، أم أن ليستر سيتي قد دفع أكثر من اللازم للتعاقد مع هذا اللاعب لأنه يعتقد أنه سيحصل على الكثير من الأموال مقابل بيع هاري ماغواير الذي يمكن أن يكون في طريقه إلى مانشستر يونايتد؟ في الحقيقة، لا توجد وسيلة لمعرفة ذلك الأمر بالتأكيد.
وعلى سبيل المثال، لم يكلف النجم المصري محمد صلاح خزينة ليفربول سوى 37 مليون جنيه إسترليني، لكن هل يتمكن بيريز من تقديم نفس الأداء الذي يقدمه صلاح مع الريدز؟ ومع ذلك، يجب الإشارة إلى أن 37 مليون جنيه إسترليني كان رقماً قياسياً في تاريخ ليفربول في عام 2017. وفي حين أنه لا يمكن إنكار أن هناك موهبة في اكتشاف اللاعبين والتعاقد معهم بأسعار زهيدة، فقد يكون التمسك بالتعاقد مع لاعب معين ولو بسعر كبير نجاحاً كبيراً أيضاً، والدليل على ذلك إصرار ليفربول على التعاقد مع فان دايك وجعله المدافع الأغلى في العام، لكن اللاعب الهولندي قدم مستويات تثبت أنه يستحق تماماً المبلغ الذي دفعه ليفربول للتعاقد معه.
وفي الآونة الأخيرة، حطم مانشستر سيتي الرقم القياسي لأغلى صفقة في تاريخه للمرة الثانية على التوالي. ورغم كل ما يقال عما ينفقه مانشستر سيتي على التعاقد مع اللاعبين، فإنه لا يزال بعيداً كل البعد عن الأرقام القياسية المسجلة باسم الأندية الإنجليزية الأخرى في هذا الصدد، ويبدو أنه تردد في الدخول في مزايدة مع مانشستر يونايتد من أجل التعاقد مع ماغواير.
ورغم أن مانشستر سيتي قد دفع قيمة الشرط الجزائي في عقد اللاعب الإسباني رودري مع أتليتكو مدريد والتي تصل إلى 62 مليون جنيه إسترليني، فإن ليفربول ومانشستر يونايتد لديهما لاعبان تتجاوز قيمة انتقالهما أكثر من ذلك. إن احتمال رحيل بول بوغبا وروميلو لوكاكو عن مانشستر يونايتد، ربما بمقابل مادي أقل مما دفعه النادي للتعاقد معهما، يعكس بشكل واضح مخاطر دفع مبالغ مالية كبيرة للتعاقد مع اللاعبين.
وينظر إلى فان دايك على أنه يستحق تماماً المبلغ المالي الضخم الذي دفعه ليفربول للتعاقد معه، وبالتالي اعتقد ليستر سيتي أنه يجب أن يحصل على مقابل مادي كبير من أجل التخلي عن خدمات ماغواير، لكن ذلك لا يعني أن كل مدافع يصل سعره إلى 75 مليون جنيه إسترليني سيقدم نفس الأداء الذي يقدمه فان دايك.
ويعتمد نجاح الخطوة التالية لهاري ماغواير إلى حد كبير على النادي الذي سينضم إليه في نهاية المطاف، رغم ضرورة التأكيد على أن ماغواير قد تألق في جميع الأندية التي لعب لها حتى الآن، فمع نادي شيفيلد يونايتد، الذي بدأ معه مسيرته الكروية، حصل ماغواير على لقب أفضل لاعب في العام في كل موسم من المواسم الثلاثة التي لعبها للفريق. لكن من الواضح أن ستان تيرننت، رئيس الكشافة بنادي هال سيتي، كان هو الوحيد الذي يتابع اللاعب في ذلك الوقت! والآن، قد ينتهي الأمر بأن يدفع أحد الأندية الغنية مبلغاً قياسياً من أجل التعاقد مع ماغواير، رغم أنه قبل خمس سنوات من الآن كان يمكن التعاقد معه مقابل 2.5 مليون جنيه إسترليني فقط!