مصر تقدم وجهاً جديداً لعشوائيات «القاهرة التاريخية»

بدأت الحكومة المصرية في تنفيذ مشروع تطوير منطقة سور مجرى العيون بوسط القاهرة، عبر إزالة المساكن العشوائية ومدابغ الجلود، وإعداد مخطط جديد لتحويل المنطقة المحيطة بالسور الأثري إلى منطقة سياحية، على غرار مشروع تطوير المنطقة المجاورة لمبنى التلفزيون المصري المعروفة بـ«مثلث ماسبيرو».
وقال إيهاب الحنفي، المنسق العام لصندوق تطوير العشوائيات، لـ«الشرق الأوسط»: «إن مشروع تطوير سور مجرى العيون هو جزء من مشروع متكامل لتطوير منطقة مصر القديمة بالكامل، وفقاً لرؤية بصرية واحدة»، مشيراً إلى أن «المخطط يهدف إلى عمل متنفس للعاصمة عبر إزالة المساكن العشوائية، وتحويل المناطق المطوّرة إلى متنزهات ومناطق خدمية وسياحية».
وأوضح الحنفي أنه «لن يُسمح ببناء أي وحدات سكنية في المنطقة المحيطة بسور مجرى العيون، بعد إزالة الوحدات السكنية القائمة حالياً، حيث تكون هذه المنطقة متنفساً للعاصمة بخدماتها ومتنزهاتها السياحية، مما سيوفّر المزيد من فرص العمل».
ونظراً إلى طبيعة المنطقة الأثرية التي تدخل في نطاق القاهرة التاريخية، فإن أي مشروعات لا بد من اعتمادها من صندوق التنسيق الحضاري، وهو ما أكده المهندس محمد أبو سعدة، رئيس صندوق التنسيق الحضاري، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «الصندوق انتهى من اعتماد مخططات تطوير منطقة سور مجرى العيون الأثرية التي تنفّذها وزارة الإسكان بالتعاون مع صندوق تطوير العشوائيات، للتأكد من مراعاتها للطابع المعماري للمنطقة، والارتفاعات والكثافة البنائية، حفاظاً على شكل المنطقة التاريخية».
وتشتهر منطقة سور مجرى العيون بصناعة الجلود، ونظراً إلى التلوث الناتج عن هذه الصناعة بدأ التفكير في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك في نقل المدابغ، وخُصصت مدينة الروبيكي (شرقي القاهرة) لهذا الغرض، لكن السكان رفضوا الانتقال من أماكنهم بسبب بُعد الروبيكي عن السوق التجارية التي اعتادوا العمل بها، ليتأخر المشروع عدة سنوات.
وعن كيفية التعامل مع سكان المنطقة وأصحاب مدابغ الجلود قال الحنفي إن «الدولة تعمل حالياً على نقل مدابغ الجلود إلى منطقة الروبيكي بمدينة بدر، كما تتم إزالة المناطق والمساكن الخطرة، ونقل قاطنيها إلى مدينة (الأسمرات 3) التي تم تنفيذها أخيراً».
وأضاف الحنفي أن «منطقة سور مجرى العيون تعاني من التلوث الصناعي نتيجة وجود مدابغ الجلود، لذلك كان لا بد من نقل هذه المدابغ إلى مدينة الروبيكي لتقليل التلوث بالمنطقة».
وأوضح الحنفي أنه «بالتوازي مع عمليات الإزالة ونقل السكان وأصحاب المدابغ يجري العمل مع الفريق الهندسي الاستشاري لإنهاء التصميمات الهندسية الخاصة بالمنطقة، حيث سيبدأ العمل في تنفيذها فور انتهاء عمليات الإزالة والنقل، أسوة بما حدث في منطقة مثلث ماسبيرو».
تصميمات تطوير منطقة سور مجرى العيون شبيهة بالمشروع الذي نفّذه صندوق تطوير العشوائيات أخيراً بمنطقة روضة السيدة (تل العقارب سابقاً)، والتي تستلهم طرازها المعماري من العمارة الإسلامية القديمة التي تعتمد على المشربيات الخشبية، وهو نموذج يبدو أنه سيكون مكرراً في كل مناطق مصر القديمة بعد تطويرها، وفقاً للرؤية التي أعلن عنها الصندوق.
ونفّذ صندوق تطوير العشوائيات عدداً من المشروعات في الآونة الأخيرة، من بينها تطوير «روضة السيدة»، إضافة إلى تنفيذ أحياء «الأسمرات، والمحروسة، وأبو السعود» التي نُقل إليها سكان المناطق الخطرة مثل الدويقة. ووفقاً للحنفي، «يعمل الصندوق حالياً على تطوير 357 منطقة عشوائية، على مستوى الجمهورية، من بينها منطقة سور مجرى العيون».
واستكمالاً لمشروع التطوير بدأت وزارة الآثار أعمال ترميم وتنظيف السور الأثري، المعروف قديماً باسم قناطر المياه، والذي أنشأه السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي، وجدده السلطان الناصر محمد بن قلاوون سنة 712 هجرية الموافق 1312م، وأقام له السلطان الغوري خلال حكمة مأخذاً للمياه به ست سواقٍ بالقرب من «مسجد السيدة عائشة».
وأوضح الدكتور جمال مصطفى، رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية بوزارة الآثار، أن «الأعمال بدأت من مبنى مأخذ المياه الموجود بمنطقة فم الخليج المطلة على نهر النيل، حيث تمت صيانة نماذج السواقي المقامة أعلى المبنى، الذي كان مخصصاً لرفع المياه من بئر المأخذ المتصل بنهر النيل، إلى حوض التجميع بقناة المياه عبر قناطر سور مجرى العيون، الممتدة من فم الخليج حتى ميدان السيدة عائشة، لترفع المياه إلى خزانات التجميع داخل القلعة عن طريق دواليب نقل المياه».
ولم يبقَ من القناطر القديمة التي أنشأها صلاح الدين الأيوبي سوى بقايا قليلة في بداية المجرى من ناحية القلعة، والتي أعاد بناءها السلطان الناصر محمد بن قلاوون.