د. حسن محمد صندقجي
طبيب سعودي واستشاري قلب للكبار بمركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
TT

الشعور بالعطش والاعتدال في شرب الماء

حياة الجسم بالماء، والحاجة إليه قائمة طوال الوقت باعتدال، والاعتدال كما أنه يعني عدم النقص يعني كذلك عدم الزيادة. وأخيرا نشرت المجلة البريطانية للطب الرياضي (British Journal of Sports Medicine) نتائج دراسة الباحثين من المركز الطبي بجامعة لويولا في بالتيمور بولاية مريلاند الأميركية حول تأثر الرياضيين بشكل سلبي جراء الإفراط في شرب الماء. وفيها عرض الباحثون حالة أحد طلاب الثانوية من لاعبي كرة الفوتبول الأميركية في جورجيا الذي توفي أخيرا نتيجة لانخفاض الصوديوم بالجسم (Hyponatremia) بعد شربه نحو 4 غالونات من الماء والسوائل الأخرى، وحالة طالب ثانوي آخر من لاعبي الفوتبول في المسيسبي الذي توفي أيضا بنفس المشكلة لنفس السبب. وقالوا إن حالات الوفاة الحديثة بين اللاعبين، التي رصد الكثير قبلها، تطرح مشكلة إفراط اللاعبين في شرب الماء نتيجة للخوف من نشوء حالة جفاف الجسم جراء فقده كميات من السوائل بفعل القيام بالمجهود البدني الرياضي. وأضافوا أن سبب وفاتهم هو تدني نسبة عنصر الصوديوم في أجسامهم بفعل شرب كميات عالية من الماء على الرغم من عدم شعورهم بالعطش.
والملاحظ أن هناك نصائح عامة يُصدرها عاملون في الأوساط الطبية وفي غيرها من الأوساط، تحث اللاعبين وعموم ممارسي الأنشطة الرياضية على شرب الماء، دون توضيح للمقصود الطبي السليم حول حاجة الجسم تلك حال ممارسة الأنشطة الرياضية. ومبعث النصائح هذه هو الخوف من الإصابة بحالات الجفاف في الجسم، بكل ما يتبع ذلك من تداعيات سلبية على عمل أجهزة الجسم المختلفة. ولكن هذا الحرص على السلامة من الإصابة بحالة الجفاف يجدر توضيح كيفية تفاديه بتناول الكمية التي يحتاجها الجسم دونما زيادة مفرطة في ذلك، ذلك أن الإفراط في تزويد الجسم بالماء ليس شيئًا محمودًا على الإطلاق نظرًا لأن ذلك يُؤدي إلى انتفاخ خلايا الجسم بالماء وهو ما يُؤدي إلى آلام التقلصات العضلية والغثيان والقيء ونوبات التشنج العصبي وفقد الوعي، وقد تصل الأمور في تدهورها إلى حد الوفاة.
ونتيجة لعموميات صياغة النصائح الطبية، يعمد المدربون، بحسن نية، إلى حثّ اللاعبين على تناول كميات عالية من الماء حتى لو لم يشعروا بالعطش. والحقيقة أن العطش هو شعور ينبعث من مناطق محددة بالدماغ نتيجة استقبال إشارات من أرجاء مختلفة في الجسم بأن ثمة انخفاضا في كمية الماء فيه، أي أن العطش هو منبه أو نداء من الجسم للإنسان يخبره أن الجسم في طريقه إلى الجفاف وأن على المرء أن يُزود جسمه بالماء، وعمل هذا المنبه لا يُعرف طبيًا أنه يختل أو يضطرب في حالات ممارسة النشاط البدني، وإذا ما فقد المرء كميات مهمة من السوائل يجب تعويضها للحيلولة دون حصول حالة الجفاف فإن هذا المنبه سيؤدي عمله.
ولذا يظل الأصل هو الاعتماد على عمل هذا المنبه لا إهماله أو عدم ترقبه كما يُؤكد الدكتور جيمس وينغر، الطبيب المتخصص في الطب الرياضي بجامعة لويولا. وأضاف أن شرب الماء استجابة لنداء العطش قد يتسبب بجفاف بسيط، ولكن مخاطر هذا الجفاف البسيط هي أيضا بسيطة. واستطرد بالقول إنه لا يُعرف طبيًا أن أحدًا توفي في الأوساط الرياضية بسبب هذه الدرجة من الجفاف وهناك تساؤلات علمية حول ما إذا كانت ثمة أي أضرار سلبية أصلاً نتيجة لحصول الجفاف البسيط، ولكن بالمقابل، وفي حالات صحيح أنها نادرة وتم توثيقها، فإن الإفراط في شرب الماء قد يسبب وفاة البعض. وكانت دراسة سابقة للباحثين قد لاحظت أن معظم العدائين في شيكاغو قد يفرطون في شرب كميات كبيرة من الماء أثناء منافسات سباقات الجري.
وللتوضيح، فإن مراكز مكافحة الأمراض واتقائها (CDC) بالولايات المتحدة كانت قد لخصت في نشراتها الحاجة إلى الماء بقولها إن «الأصحاء من الناس يُحققون احتياج أجسامهم من الماء بشربه عند كل من: الشعور بالعطش وأثناء تناول وجبة الطعام». وأنه حال ممارسة الجهد البدني أو الوجود في الأماكن الحارة فإن الجسم سيفقد كميات أعلى من الطبيعي في محتواه من الماء، ومن المفيد شرب الماء أثناء وبعد معايشة هذه الظروف. ولكن هذا يظل ضمن عدم اللجوء إلى الإفراط في شرب الماء لمنع حصول مضاعفات ذلك.
وللتقريب، فإن احتياج الجسم من الطعام أو الهواء يخضع لنفس المبدأ، فإننا نتناول الطعام حين نجوع، ونتناوله قبل بدء الصوم حتى لو لم نكن جائعين تحسبًا لتفادي نقص تزويد الجسم احتاجه منه، ولكن في كل من الحالتين فإننا لا نُفرط في تناول الطعام ويظل الشعور بالجوع هو الأصل في تنبيه الجسم. وكذا في إدخال الهواء إلى الرئة كي يستخلص الجسم حاجته منه من غاز الأكسجين ويستخدم هذا الهواء الداخل إلى الرئة في التخلص من غاز ثاني أكسيد الكربون.
المعلومات الطبية الأساسية الثابتة علميًا تظل هي الأصل، واستفادتنا من تلك المعلومات البسيطة وتطبيقها وترجمتها بشكل عملي يجب أن يظل معتدلاً وبطريقة وبلغة بسيطة وسهلة علينا وعلى أجسامنا.

* استشاري باطنية وقلب
مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض