إيران: الكرة أصبحت في ملعب أوروبا بشأن مستقبل الاتفاق النووي

ظريف يؤكد أن بلاده ستصمد أمام العقوبات الأميركية {مثلما صمدنا أمام الهجوم الكيماوي»

وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف (أ.ف.ب)
TT

إيران: الكرة أصبحت في ملعب أوروبا بشأن مستقبل الاتفاق النووي

وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف (أ.ف.ب)

قالت طهران، أمس، إن الكرة الآن في ملعب أوروبا لحماية إيران من العقوبات الأميركية، ومنعها من تقليص التزاماتها بموجب الاتفاق النووي المبرم مع القوى العالمية، وذلك قبل أيام من انقضاء مهلة حددتها طهران.
وقال المبعوث الإيراني إن المحادثات كانت تهدف لإنقاذ الاتفاق النووي مع باقي الدول التي ظلت ملتزمة به بعد انسحاب الولايات المتحدة، و«إن الدول الأوروبية لم تقدم الكثير خلال الاجتماع الذي عقد يوم الجمعة في فيينا، لإقناع بلاده بالعدول عن تخطي الحدود المفروضة عليها بموجب الاتفاق».
وتوقفت إيران في الثامن من مايو (أيار) عن الالتزام ببعض البنود المفروضة عليها في الاتفاق النووي، بعد أن انسحبت الولايات المتحدة من جانب واحد منه في العام الماضي، وأعادت فرض العقوبات على طهران. وقالت طهران إنها ستوقف الالتزام ببنود أخرى من الاتفاق بعد 60 يوماً. وقال التلفزيون الرسمي الإيراني، في تعليق على الأحداث، «الكرة الآن في ملعب أوروبا. فهل ستضيع باريس ولندن وبرلين الفرصة مجدداً تحت تأثير (الرئيس الأميركي دونالد) ترمب؟ أم ستغتنم الفرصة الباقية للوفاء بوعودها بموجب الاتفاق؟».
وانتقدت إيران مراراً تأخر الدول الأوروبية في إنشاء وتفعيل آلية خاصة للتجارة معها بهدف التخفيف من وطأة العقوبات الأميركية على اقتصاد طهران. وقالت بريطانيا وفرنسا وألمانيا إن آلية التجارة المعروفة باسم «إنستيكس» جاهزة ومفعلة. وقالت طهران إن الطائرة الأميركية المسيرة دخلت مجالها الجوي، وهو ما نفته واشنطن.
ونقلت وكالة «فارس» الإيرانية، شبه الرسمية، عن مصدر مطلع قوله إن إيران ستتخطى قريباً الحد الأقصى لكمية اليورانيوم المخصب المنصوص عليها في الاتفاق النووي، وذلك بعدما أخفقت الدول الموقعة على الاتفاق في تلبية مطالب طهران الخاصة بحمايتها من العقوبات الأميركية.
ونقلت الوكالة عن المصدر، الذي لم تكشف عن اسمه، قوله: «نظراً لأن اجتماع اللجنة في فيينا لم يلب مطالب إيران العادلة... فإن إيران عازمة على تقليص التزاماتها الواردة بالاتفاق، وسيتم قريباً تجاوز حد كمية اليورانيوم المخصب، وقدرها 300 كيلوغرام».
من جهته, أكد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، في ذكرى الهجمات الكيماوية التي نفذها العراق ضد إيران، أن بلاده ستقاوم أي عقوبات أميركية مثلما صمدت خلال الحرب الإيرانية العراقية، التي دارت في الثمانينيات، عندما شنت قوات الرئيس العراقي، آنذاك، صدام حسين، هجوماً كيماوياً على مدينة إيرانية. وأضاف ظريف أن بلاده لن تنسى الدعم الغربي للرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، مشدداً على أن الشعب الإيراني صمد حينها وسيصمد الآن. وكتب في تغريدة على حسابه بموقع «تويتر»: «اليوم نحيي ذكرى الهجوم الإرهابي المروع على مواطنينا المدنيين في سردشت (شمال غربي البلاد)». وأضاف: «لن ننسي أبداً الدعم الغربي لصدام، وتسليحه حتى بالأسلحة الكيماوية، مجلس الأمن لم يدن أبداً إطلاق الغازات الكيماوية على شعبنا. صمدنا وقتها وسنصمد الآن».
يذكر أن طائرات نظام «البعث» العراقي قصفت مدينة سردشت بمحافظة آذربايجان الغربية بالسلاح الكيماوي في 28 يونيو (حزيران) من عام 1987، إبان سنوات الحرب بين البلدين، التي استمرت من 1980 إلى 1988، كأول مدينة تتعرض للقصف الكيماوي في العالم. وراح ضحية الهجوم 119 شهيداً وآلاف المصابين. وفي تلك السنوات، مرّر مجلس الأمن الدولي قراراً استنكر فيه استخدام الأسلحة الكيماوية، إلا أن الولايات المتحدة استخدمت حق النقض (الفيتو) ضد القرار.
وكانت الحرب قد نشبت بين العراق وإيران في سبتمبر (أيلول) 1980، واستمرت حتى أغسطس (آب) 1988، وخلّفت نحو مليون قتيل، وخسائر مالية بلغت نحو 400 مليار دولار. ودامت الحرب 8 سنوات، لتصبح بذلك أحد أطول النزاعات العسكرية في القرن العشرين، وواحدة من أكثرها دموية. وأثّرت الحرب على المعادلات السياسية لمنطقة الشرق الأوسط، وكان لنتائجها، وفق بعض المحللين، بالغ الأثر في العوامل التي أدت إلى حربي الخليج الثانية والثالثة.
وبدأت الحرب على أثر التوترات التي نشبت بين البلدين، وتطورت إلى اشتباكات حدودية متقطعة بين البلدين، ثم اتهمت حكومة بغداد، إيران، بقصف البلدات الحدودية العراقية في 4 سبتمبر 1980، معتبرة ذلك بداية للحرب. وإثر ذلك قام صدام حسين، في 17 سبتمبر، بإلغاء «اتفاقية الجزائر» عام 1975 مع إيران، واعتبار مياه شط العرب كاملة جزءاً من المياه الإقليمية العراقية.
واشتدت حدة الاشتباكات الحدودية، لتصبح حرباً شاملة بين البلدين، بعد قيام القوات العراقية باجتياح الأراضي الإيرانية في وقت لاحق من الشهر ذاته. وسبق اشتعال الحرب تاريخ طويل من النزاعات الحدودية، لكن دافع الحرب الأساسي ربما كان خوف العراق من قيام الثورة الإيرانية في عام 1979، وقرر الاستفادة من الفوضى التي خلّفتها الثورة، لكنه لم يحقق سوى تقدم محدود إلى داخل الأراضي الإيرانية، قبل أن يتم صده، ثم استعادت إيران كل الأراضي التي فقدتها بحلول يونيو 1982، وأصبحت إيران الطرف المهاجم على مدى السنوات الست المقبلة.
واستمرت الأعمال العدائية بين البلدين إلى 20 أغسطس 1988، رغم دعوات مجلس الأمن لوقف إطلاق النار، ثم انتهت الحرب بقرار مجلس الأمن رقم 598، الذي قَبِلَهُ الطرفان. وفي نهاية الحرب، استغرق الأمر عدة أسابيع لانسحاب القوات المسلحة الإيرانية من الأراضي العراقية، والعودة إلى ما قبل الحرب التي حددتها «اتفاقية الجزائر» عام 1975، وتم تبادل آخر أسرى الحرب في عام 2003. وكلفت الحرب كلا الطرفين خسائر بشرية واقتصادية بلغت نصف مليون جندي عراقي وإيراني، وعدد مماثل من المدنيين، بالإضافة إلى عدد أكبر من الجرحى، ورغم ذلك لم تجلب الحرب أي تغييرات في الحدود بين البلدين.



«طاردات» إيران... الطريق الطويل نحو القنبلة النووية

TT

«طاردات» إيران... الطريق الطويل نحو القنبلة النووية

صورة نشرتها «الذرية» الإيرانية لشباب يقفون أمام نماذج لأجهزة الطرد المركزي في يونيو 2023
صورة نشرتها «الذرية» الإيرانية لشباب يقفون أمام نماذج لأجهزة الطرد المركزي في يونيو 2023

في خطوة لجأت إليها إيران في مناسبات مختلفة منذ سنوات، أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن طهران «تنوي بالفعل نصب أجهزة طرد مركزي جديدة».

وقالت «وكالة الصحافة الفرنسية»، الجمعة، إنها اطلعت على تقرير «طي السرية» للوكالة الدولية يؤكد أن إيران تنوي نصب 6 آلاف جهاز طرد مركزي، لتخصيب اليورانيوم بمستويات مختلفة.

وجاء في التقرير أن «إيران أبلغت الوكالة» بنيتها وضع هذه الآلات في الخدمة في موقعَي «فوردو» و«نطنز» بمعدل تخصيب يصل إلى 5 في المائة؛ أي ما يزيد قليلاً على النسبة المسموح بها بموجب الاتفاق الدولي لعام 2015 والتي تبلغ 3.67 في المائة.

واتُّخذ هذا الإجراء رداً على اعتماد الوكالة في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) قراراً منتقداً لطهران بمبادرة من الغرب.

ويوم الخميس، هددت إيران بالمضي نحو امتلاك أسلحة نووية في حال استمرار الضغوط الغربية عليها.

وأفاد وزير الخارجية عباس عراقجي، في تصريح صحافي، بأن «استمرار التهديد الغربي بإعادة فرض العقوبات قد يدفع النقاش داخل إيران نحو امتلاك أسلحة نووية».

ما «الطرد المركزي»؟

هي أجهزة دقيقة تضم أسطوانات تدور بسرعة تفوق كثيراً سرعة الصوت، لجمع ذرات اليورانيوم المخصب بعد عمليات مكررة لمرات عدة.

ولشرح أسلوب عمل «الطرد المركزي»، فإن أسطوانات الدوران تشبه إلى حد كبير أجهزة المختبرات الطبية التي تُستخدم لفحص الدم؛ إذ ينتج عن دوران الأسطوانة فصل مكونات الدم عن بعضها.

وبالنسبة لليورانيوم، ينتج عن دوران أسطوانات جهاز الطرد المركزي فصل الذرات الخفيفة لليورانيوم عن الثقيلة، ليسهل استخدامها في إنتاج الطاقة المهمة لصناعة القنبلة النووية.

ويحتاج إنتاج 20 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب بدرجة نقاء 90 في المائة لصنع رأس نووي واحد بقوة تفجيرية محدودة، إلى نحو 1500 جهاز طرد مركزي من الأجيال المتقدمة؛ الخامس والسادس، على أن تستمر العمليات الفنية فيها عدة أشهر دون توقف.

وتمتلك إيران 1044 جهاز طرد مركزي في مفاعل «فوردو» وحده، طبقاً لتصريحات الرئيس مسعود بزشكيان الذي طلب في وقت سابق هذا الشهر من منظمة الطاقة الذرية الإيرانية أن تبدأ ضخ الغاز في هذه الأجهزة.

وتؤكد الخارجية الأميركية أن أنشطة تخصيب اليورانيوم في إيران «خطوة كبيرة في الاتجاه الخطأ»، وأنها «يمكن في نهاية المطاف أن تساعدها على امتلاك سلاح نووي في حال قررت ذلك».

وبحسب تقارير لـ«رويترز» و«وكالة الصحافة الفرنسية»، فإن عمليات التخصيب تسبق مرحلة دوران اليورانيوم في جهاز الطرد المركزي.

ويحول التخصيب الخام الطبيعي إلى عناصر قابلة للاستخدام في إنتاج الطاقة، سواء للأغراض السلمية أو لصناعة رأس نووي لسلاح فتاك.

مفتش من «الطاقة الذرية» يركّب كاميرات للمراقبة في منشأة «نطنز» في 8 أغسطس (أ.ب)

الخلاف

تلزم معاهدة حظر الانتشار النووي، الموقعة عام 2015 بين طهران ودول غربية، بتشغيل أجهزة الطرد المركزي المتطورة لتجميع اليورانيوم حتى يناير (كانون الثاني) 2027.

والفرق بين الجيل الأول لأجهزة الطرد المركزي والأجيال الأخرى، وصولاً إلى السادس، هو سرعة الأخيرة الفائقة، والتي تساعد حتماً على إنتاج الطاقة اللازمة، فرضياً، لصناعة قنبلة نووية.

وقبل إبرام الاتفاق، وفي ذروة برنامجها النووي، كانت إيران تشغل 10204 أجهزة طرد مركزي من الجيل الأول (بسرعة محدودة) في «نطنز» و«فوردو»، وقد سمحت لها المعاهدة بتشغيل نحو نصف هذا العدد.

محطات بارزة في طريق «النووي»

لكن تشغيل الأجهزة مر بمحطات متباينة ما بين التصعيد والتهدئة، وفقاً لطبيعة المفاوضات أو الخلافات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ورغم أن ما نصبته إيران من «الطاردات المركزية» قبل اتفاق حظر الانتشار النووي عام 2015 كان من الجيل الأول، فإن ما تلاها بلغ مراحل مقلقة للغرب بسبب استخدام طاردات من أجيال حديثة. وهذه أبرز محطات هذه الأجهزة في إيران:

* مايو (أيار) 2008: ركبت إيران عدة أجهزة طرد مركزي متضمنة نماذج أكثر حداثة.

* مارس (آذار) 2012: وسائل إعلام إيرانية تعلن عن 3 آلاف جهاز طرد مركزي في منشأة «نطنز» النووية لتخصيب اليورانيوم.

* أغسطس (آب) 2012: الوكالة الدولية للطاقة الذرية أعلنت أن إيران ثبتت أجزاء كبيرة من أجهزة الطرد المركزي في منشأة «فوردو»، تحت الأرض.

* نوفمبر 2012: تقرير للوكالة الدولية أكد أن جميع أجهزة الطرد المركزي المتقدمة قد تم تركيبها في موقع «فوردو»، على الرغم من وجود 4 أجهزة طرد مركزي عاملة فقط، و4 أخرى مجهزة تجهيزاً كاملاً، وقد أُجري عليها اختبار الفراغ، وهي جاهزة لبدء التشغيل.

* فبراير (شباط) 2013: الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقول إن إيران شغّلت 12.699 جهاز طرد مركزي من نوع «آي آر-1» في موقع «نطنز».

* يونيو (حزيران) 2018: أمر المرشد الإيراني علي خامنئي منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بالوصول إلى 190 ألف «وحدة فصل» التي تطلق على حركة أجهزة الطرد المركزي. وكان الرقم الذي دعا إليه خامنئي يعادل 30 ضعفاً من القدرات التي ينص عليها الاتفاق النووي.

* سبتمبر (أيلول) 2019: ركبت إيران 22 جهازاً من نوع «آي آر-4»، وجهازاً واحداً من نوع «آي آر-5»، و30 جهازاً «آي آر-6»، وثلاثة أجهزة «آي آر-6» للاختبار، خارج نطاق حدود المعاهدة.

* سبتمبر 2019: أعلنت إيران أنها بدأت في تشغيل أجهزة طرد مركزي متقدمة وسريعة لتخصيب اليورانيوم.

* نوفمبر 2024: وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي يعلن أن بلاده ستقوم بتشغيل عدة آلاف من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة.

* نوفمبر 2024: نقل التلفزيون الرسمي الإيراني عن محمد إسلامي، رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، إعلانه بدء ضخ الغاز لـ«الآلاف» من أجهزة الطرد المركزي.