فريدي ليونغبيرغ يمنح آرسنال أملاً في المستقبل

كانت هناك إشارة رمزية عميقة في اللحظة التي تم فيها استبدال اللاعب الألماني مسعود أوزيل بجو ويلوك، في المباراة النهائية للدوري الأوروبي أمام تشيلسي. فرغم أنه كان من الطبيعي أن يركز الجميع على أوزيل الذي يعد الأعلى أجراً في صفوف الفريق، بعد استبداله بلاعب شاب لم يلعب سوى 64 دقيقة فقط في الدوري الإنجليزي الممتاز، كان الاهتمام الأكبر من خلف الكواليس ينصب على اللاعبين الشباب، وقدرتهم على التألق بصورة أكبر خلال المرحلة المقبلة. لقد كان نادي آرسنال بحاجة إلى ضخ دماء جديدة في صفوف الفريق، ولذا عكس هذا التغيير الكثير والكثير من الأمور التي تحدث داخل النادي.
وكان ويلوك قد قدم موسماً رائعاً مع فريق آرسنال تحت 23 عاماً أهله للانضمام لصفوف الفريق الأول بالنادي، والمشاركة لبعض الوقت في مباريات الدوري الأوروبي وكأس الاتحاد الإنجليزي وكأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة. وأثبت اللاعب الشاب أنه يمتلك مهارات وإمكانات جيدة، وأظهر موهبة كبيرة في الانطلاق من منتصف الملعب والوصول لمنطقة جزاء الفريق المنافس وإنهاء الهجمات. وأحرز ويلوك 6 أهداف في 6 مباريات شارك فيها مع الفريق الأول في بطولات الكأس.
وبالتالي، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: ما الذي سيفعله آرسنال بلاعب شاب يبلغ من العمر 19 عاماً مثل جو ويلوك؟ في الحقيقة، يعد هذا جزءاً من سؤال أكبر يتعلق بالساسة العامة للنادي، الذي يملك ميزانية متوسطة للتعاقد مع اللاعبين الجدد، ويواجه مشكلة في دفع أجور اللاعبين. ويشعر النادي أن لديه مجموعة رائعة من اللاعبين الشباب الذين ينتظرون الفرصة لإثبات أنفسهم، لكن في الوقت نفسه، فإن الدوري الإنجليزي الممتاز يعد منافسة صعبة للغاية على أي لاعب يتراوح عمره بين الثامنة عشرة والحادية والعشرين، وقد اتضح ذلك جلياً خلال السنوات الأخيرة، وهو الأمر الذي دعا العديد من اللاعبين الشباب، مثل النجم الإنجليزي جادون سانشو، يقررون الرحيل إلى دوريات خارجية من أجل إيجاد فرصة للمشاركة في التشكيلة الأساسية للفريق. وفي إنجلترا، هناك حكمة تقليدية ترى أنه ليس من المنطقي أن تُلقي بمجموعة من اللاعبين الشباب في معترك كروي شرس يؤثر على مسيرتهم في مهدها.
وقد توصل آرسنال إلى استراتيجية جديدة تساعده على التغلب على هذا الأمر، حيث كون ما يعرف بـ«الفريق الانتقالي»، هذا الصيف، على أن يتولى أمر هذا الفريق النجم السويدي السابق فريدي ليونغبيرغ، الذي يمتلك خبرات كبيرة في تدريب فرق الشباب في آرسنال. لقد أمضى ليونغبيرغ بعض الوقت مع معظم الفئات العمرية في النادي، وتم تصعيده للعمل كمساعد للمدير الفني للفريق الأول بعدما قضى عاماً مثيراً للإعجاب مع فريق النادي تحت 23 عاماً، وهي الخطوة التي من شأنها أن تربط بين فرق الشباب والفريق الأول بالنادي.
يقول راؤول سانليهي، مدير الكرة بالنادي: «الانتقال من فريق تحت 23 عاماً إلى الفريق الأول يعد خطوة هائلة. إنها مشكلة تواجه كرة القدم الإنجليزية على وجه التحديد، لأننا لا نملك فريقاً للرديف يلعب في مستويات عالية، لكن هذا الأمر موجود في البلدان الأوروبية المنافسة لنا. لذلك فنحن بحاجة إلى اتخاذ خيارات دقيقة حول من يبقى مع الفريق الأقل من 23 عاماً، ومن يتدرب ومن يلعب مع الفريق الأول ومن يرحل عن النادي على سبيل الإعارة. وسيكون الفريق الانتقالي مسؤولاً عن إدارة خطط التطوير لكل لاعب بهدف مساعدته على التطور على النحو الأمثل».
ويدرك ليونغبيرغ تماماً أن هناك مجموعة كبيرة من المواهب الشابة التي تحتاج إلى فرصة مع الفريق الأول لكي تظهر قدراتها وإمكاناتها. ويسعى آرسنال إلى التغلب على مشكلة اختفاء اللاعبين الجيدين بالنادي بمجرد وصولهم إلى المرحلة السنية بين 18 و21 عاماً، لذا بدأت الاستراتيجية المتعلقة بهذا الأمر تتبلور خلال الموسم الماضي عندما أعلن رحيل مهاجميه ريس نيلسون وإيميل سميث للعب في ألمانيا على سبيل الإعارة. وسيكون ليونغبيرغ وفريقه الانتقالي مسؤولين عن الخطوات التالية بالنسبة لهذين اللاعبين، وبالنسبة للمدافع كريستيان بيليك، الذي قدم مستويات جيدة مع نادي تشارلتون، وبالنسبة للاعبين الشباب الذين حصلوا على فرصة مع الفريق الأول لآرسنال الموسم الماضي مثل ويلوك وبوكايو ساكا، وغيرهم من اللاعبين الشباب.
إنها خطوة رائعة بالنسبة لليونغبيرغ، الذي بدل الأدوار بفاعلية مع ستيف بولد. لكن الجزء الأكثر أهمية فيما يتعلق بعمل ليونغبيرغ يتمثل في عمله مساعداً للمدير الفني الإسباني أوناي إيمري مع الفريق الأول لآرسنال، نظراً لأن شخصيته تؤكد أنه لا يحب القيام بأدوار هامشية. ومن المثير للاهتمام أن نعرف أنه من نوعية الشخصيات التي تبحث دائماً عن تحقيق أفضل النتائج، رغم أنه من المفترض أن دوره يركز في الأساس على تطوير إمكانات وقدرات اللاعبين الشباب.
ويعد أياكس أمستردام مثالاً بارزاً ينبغي أن يقتدي به الجميع في هذا الصدد، نظراً لما حققه النادي الهولندي في النسخة الأخيرة من دوري أبطال أوروبا ووصوله إلى الدور نصف النهائي بعد الإطاحة بعدد من عمالقة القارة مثل ريال مدريد الإسباني ويوفنتوس الإيطالي. ومع ذلك، تجب الإشارة إلى أن أياكس قد مزج بين مجموعة رائعة من اللاعبين الشباب وبين لاعبين من أصحاب الخبرات الكبيرة - ويجب أن يتم تكوين هذا المزيج بدقة شديدة حتى يمكن للفريق تحقيق النجاح في رياضة تتسم بالتنافسية الشديدة مثل كرة القدم.
وهناك صورة أكبر هنا تتعلق بنادي أياكس أمستردام أيضاً، وهي تعيين لاعبين سابقين في الفريق في مناصب عليا داخل النادي من أجل الاستمرار في الحفاظ على مبادئ وقيم النادي وبث الروح القتالية في نفوس الأجيال الجديدة. ويسير آرسنال على المنوال نفسه عن طريق منح سلطات أكبر لليونغبيرغ، والتعاون الدائم مع بولد، والاستعانة بخدمات روبرت بيريس، خصوصاً فيما يتعلق بتقديم الدعم للاعبين بعد عودتهم من الإصابة.
وقال سانليهي: «دائماً ما كان تشجيع اللاعبين الشباب من الداخل جزءاً أساسياً من آرسنال وما نمثله. إننا نريد أن نستمر في هذا التقليد لعدة أسباب، لكن يمكن أن نعيد ذلك الأمر إلى سببين رئيسيين: أولاً، يكبر هؤلاء اللاعبون داخل النادي، ونعتقد أن وجود لاعبين بهذه الطريقة يكون له تداعيات جيدة على آرسنال داخل غرفة خلع الملابس وفيما يتعلق بالتواصل مع جماهيرنا».
وأضاف: «ثانياً، على الرغم من الاستثمار الضخم الذي نضخه في أكاديمية الناشئين لدينا، فإن الأمر يكون فعالاً للغاية من الناحية المالية، في ظل تضخم أسعار اللاعبين بشكل فلكي في سوق الانتقالات. لا يتعلق الأمر بتخفيض التكاليف، أو كون اللاعبين هنا أرخص، بل يعني فقط أنه يمكننا تركيز الأموال على تحقيق أفضل النتائج والحصول على أفضل اللاعبين عندما نحتاج إلى الذهاب إلى السوق الخارجية».
ويبدو أن الوقت مناسب لآرسنال لكي يعيد العمل على مشروع اللاعبين الشباب، خصوصاً في ضوء التغيرات المحيطة، التي تجعل اللاعبين يحصلون على مقابل مادي كبير من دون أن ينعكس ذلك على أدائهم داخل المستطيل الأخضر. ومع ذلك، يجب أن يدرك آرسنال جيداً أنه سيواجه العديد من المشكلات والمصاعب في الطريق، خصوصاً في ضوء المستويات الرائعة التي يقدمها مانشستر سيتي وليفربول، وفي ضوء المنافسة الشرسة من جانب الأندية التي تلي آرسنال في جدول ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز، خصوصاً أندية مثل وولفرهامبتون وليستر سيتي، وبالتالي يتعين على آرسنال أن يكون حريصاً للغاية، وهو يدفع باللاعبين الشباب في أتون هذه المعركة الكروية الشرسة.
وربما يتذكر ليونغبيرغ أنه كان يبلغ من العمر 21 عاماً، عندما شارك مع الفريق الأول لآرسنال للمرة الأولى أمام مانشستر يونايتد. وقد سجل اللاعب السويدي الشاب هدفاً في هذه المباراة، وحصل على بطاقة صفراء، قبل أن يواصل مسيرته بشكل مميز مع «المدفعجية» بعد ذلك. والآن، يجب على اللاعبين الشباب بآرسنال أن يسيروا على المنوال نفسه، ويستغلوا الفرص التي يحصلون عليها مع الفريق الأول من أجل إثبات قدراتهم.