«أوبرا موزارت» تُبعث بروح عصرية في ستراسبورغ

بإخراج لماري إيف سينيرول، تقدم «أوبرا ران» في ستراسبورغ، شرق فرنسا، عرضاً لمسرحية «دون جيوفاني» للموسيقار النمساوي موزارت (1756 ـ 1791). وسينيرول فنانة فرنسية تعمل في الإخراج المسرحي وأفلام الفيديو. وقد تعاملت مع موزارت بعينين جديدتين، وبكثير من الحيوية والابتكار، واختارت أن يجري العرض على حلبة تتوسط القاعة بحيث يتشارك فيها الجمهور مع المؤدين.
من على درج في جانب المسرح، ينزل «لوبوريلو»، وهو أحد شخصيات أوبرا «دون جيوفاني»، ليختار أفراداً من الجمهور عن طريق القرعة ويدعوهم للجلوس على كراسي وضعت خصيصاً على الحلبة. إن دون جيوفاني، الذي عاش في القرن الثامن عشر والمعروف لدى الفرنسيين باسم «دون جوان»، يبدو هنا مجرد كائن متأثر بنظريات الفنانة الصربية المعاصرة مارينا إبراموفيتش، المولودة في بلغراد عام 1946. وقد اشتهرت بتقديم عروض تدعو إلى كسر الحواجز الذهنية بين الممثل والجمهور. وبهذا؛ فإن «دون جيوفاني» يطلب من أفراد المشاهدين المختارين أن يوجهوه ويفعلوا به ما يريدون.
ومنذ البداية، يجد المتفرج نفسه أمام مشهد صادم. فهناك امرأة تقطع شريانها أمام «دون جيوفاني»؛ الرجل الذي اشتهر بتعدد علاقاته العاطفية. وتأتي امرأة ثانية لتتحرش به وتهاجمه، دون أن يصدّها. ثم تدخل إلى المسرح سيارة من نوع «فولكسفاغن» تقودها «دونا إلفيرا»، وهي شخصية أخرى من شخصيات «أوبرا موزارت»... تترجل وتأخذ عصا غولف لتحاول تهشيم سيارتها. وخلال ذلك يأتي من يوزع على الجمهور أقنعة لـ«دون جوان» ويطلب منهم وضعها على وجوههم.
وبهذا؛ فإن الموسيقى الكلاسيكية التي تعدّ من أشهر ما ألّف موزارت تلبس في هذا العرض رداء تنكرياً من التجريب المشبع بالمتعة.
اعتمد نجاح النسخة العصرية من «دون جيوفاني» على حيويتها وذكاء مخرجتها التي شحنتها بأفكار جذابة. كما استفادت من خبرتها في إخراج أفلام الفيديو، فأدخلت عدداً منها ليرافق العرض المسرحي ويكون خلفية له أو يتداخل معه. ولا بد من ملاحظة أن أصوات المغنين لم تكن بالمستوى الذي يضاعف من تأثير المشهدية البصرية، رغم أنهم بذلوا كل طاقتهم في استعراض مجنون. وهو مجنون لأنه من الجرأة بمكان لتقرر المخرجة أن تنتقم من الـ«دون» زير النساء، وأن تسلبه قواه، وأن تحيله إلى موضوع لرغبات الآخرين والأخريات. وهو ينتهي ممدداً على مائدة كبيرة ليكون وليمة تلتهمها بقية الشخصيات وتمعن في تقطيعها بالسكاكين والشِوَك.
في الشهر الماضي، فقدت «أوبرا ران» مديرتها الألمانية إيفا كلينتز التي رحلت عن 47 عاماً. وفي تحية لها؛ وُشّحت واجهة المسرح بلافتة كبيرة تحمل صورتها.